ما إن يخطوا بنا رمضان بخطواته الأولى حتى يحل موسم الإفطار -أو ظاهرة إفطاراتي - وهو موسم تتسم به مأمورية الرئيس الحالي للبلاد "الرمز"، وحتى أنها لم تقتصر على شهر رمضان المبارك حيث دأب على لقاءات فردية وودّية داخل القصر الرمادي تجمعه بمختلف الطيف السياسي ووجهاء تقليديون ومجتمع مدني إلاّ أنّ نسخة رمضان تتميز بالشمولية وسعة النطاق، حيث تتعدى الإفطارات الفئات الآنفة الذكر إلى أن تصل إلى المجموعات الشبابية وحتى الجنود المرابطين على الحدود.
هي سنّة حسنة سبق بها عكاشة سلفه من الرؤساء، من شأنها تضييق المسافة بين الرئيس والمرؤوس ولو لبضع ساعات على الأقل.
لكن الذي لا زال ينقص هذه، اللوحة الإنسانية الجميلة لصاحب الفخامة هي أن يشارك فطوره مع أولئك الذين لا يمتلكون ما يفطرون به، بسبب الغلاء والمضاربة والاحتكار، من جهة، وبسبب البطالة وضعف الرواتب من جهة أخرى، فأحسنهم حالا يكون موظفا بسيطا في إحدى القطاعات تصاحبه فجوة غذائية مستديمة بسبب عجز مداخيله في تغطية مصاريفه -الإيجار السكني، تكاليف التمدرس المعيشة النقل.. - وأسوؤهم حالا عاطل أو مُعطّل ما يزال ينتظر الفرج لعله يخرج من أزمته.
بين هذا وذاك يوجد طيف كبير يشاهد نشرة الاخبار وإفطارات صاحب الفخامة والوجوه الناضرة والملابس الفخمة والأطعمة الحسينة، وعندما يلتفت من حوله فإذا بفطور "محمود المُلانَ" ووجوه مغبرة ترهقها قترة في أعينها صور رسمتها مطبات من الكدح والمعاناة ووجوه كستها التجاعيد وأجسام عصف بها الدهر، فيتساءل لا إراديا "أين فطوري يا أيها الرمز؟" متى نكون نحن البسطاء إلى جانبكم؟، المنكب بالمنكب أو حتى على بعد أمتار على الأقل؟ سنحدثك حديثا غير الذي حدثوك عنه وزراؤك، ستدرك بأن الحديثين يختلفان سنَدا وجوهرا، سنحدثك عن رواتبنا التي لا تصل إلى النسبة المنصوص عليها عالميا وهي 10% من راتبكم يا صاحب الفخامة، سنحدثكم عما نعانيه من تكييف ذلك الراتب مع متطلباتنا الأساسية الشهرية - أمّا الثانوية فتلك ضرب من الخيال، سنحدثك بأننا لم نستطع توفير حصص تقوية لأبنائنا في ظل تعليم ما زال يعاني الكثير من النواقص فتذيّلوا اللوائح في المسابقات، سنحدثك عما نشاهده من فساد في الإدارة ومن زبونية في التعيين ومنح الصفقات، سنحدثك عن الحراسة الليلية التي نتناوب عليها لتأمين حيّنا حتى تنام النساء والأطفال في أمان، سنحدثك عن معاناتنا اليومية عندما نكون في طريقنا نحو مكان العمل حيث نكون ستة أشخاص محشورين في سيّارة أجرة متهالكة وفي زحمة مرور خانقة، سنحدثك عن الإهمال الذي نتلقاه في المنشآت الصحية بدءا من النقطة الصحية إلى المستشفى الجهوي، سنحدثك عن فواتير الكهرباء المقطوعة أصلا وعن ضريبة الإنارة العمومية الغائبة أيضا، سنحدثك عن معاناتنا في السهر ليلا في انتظار أن تقطر قطرات ماء من الحنفية لتجميعها وحفظها بعيدا عن الفساد -الذي نحاربه في البيت على الأقل - علّها تصِلنا بليل غد وهكذا دواليك، سنحدثك أن إفطارا واحدا لا يكفي حتى تسمع منّا واقعنا الحقيقي بدون تلميع ولا مساحيق، فتذكر حديثنا هذا عندما يُحدثوك وزراؤك عنّا.
وإلى إفطار آخر يا سيادة الفخامة "الرمز" تقبلوا منّا نحن معشر "البسطاء" كامل التقدير والامتنان، ونتمنى لكم التوفيق والسداد في مهمتكم العويصة.
والسلام