في يوم من أيام الوطن التي ميزها التدشين وإزاحة الستار، كانت العاصمة نواكشوط على موعد مع فتح سجل التاريخ وبالذات في صفحة الإنجازات؛ تلك الإضافة التي تبقى بعد من باشروا إعدادها لتنعم بها أجيال الغد.
لقد باشر فخامة رئيس الجمهورية محاطا بأعضاء الحكومة، وقادة الأمن، ورجال الدبلوماسية والساسة، والوجهاء، تدشين منشآت ومرافق خِدمية هامة جدا؛ بدءا بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، ومعروف ما للتدعيم الإداري بالتكوين الجيد من قيمة ومرتكز يغذي الروافد الإدارية التي هي بوصلة التحكم ومتجه القيادة، والحال هي هي بالنسبة لحقل الصحافة الذي هو المرآة العاكسة لآهات وأنات الشعوب، وهو السلطة الرقابية المحكمة بقوة اللحظ ودقيق المتابعة؛ هذا إذا كان الدور مُقامٌ به كما يراد، ولن يوجد ذلك دون تكوين جيد، ومخرجات ناضجة وهو ما يضمنه تفعيل هذا المرفق الحيوي الهام، أما القضاء وما أدريك القضاء فهو الدعامة التي تستقيم باستقامتها الأمم وتتلاشى بفقدها مصداقيتها، وهنا تكمن حقيقة الأهمية وتبرز محورية الدور؛ إذ لا سلطان يدوم دون قضاء فعال، وعدالة مستقيمة المسار، ومن هذه النقاط ندرك أهمية هذا المحور وقيمة ومعنى هذا المبنى.
في هذا اليوم أيضا بل في ذات اللحظات دُشن المعهد العالي للرقمنة إلى جانب مركز نواكشوط للبيانات ولكل منهما ميزته العالية وقيمته الكبيرة الظاهرة من خلال الدور الذي سيضطلع به، فتكوين الأجيال على علوم العصر التي تتحكم في مسار التكنلوجيا وتساير تطور الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه؛ بل ضرورة أصبحت تُزاحم الحاجيات الأساسية للإنسان من أكل وشرب ونوم..
وطبعا لا تخفى على ذي عقل راجح أو بصيرة مستنيرة أهمية تدقيق وتأمين البيانات الرقمية وتوطينها، وضمان توفرها في كل الظروف مهما طرأ من طارئ أو طرق من أزمات، كل ذلك مع كامل التمكين داخل البلاد وبعقول وأدمغة وطنية مع ما يحمله ذلك من دلالة معنوية وشحنة سيادية تثلج صدور كل الواثقين في أوطانهم.
بعد ذلك مباشرة وفي نفس الزوال؛ وقبل أن تنزاح الشمس عن كبد السماء أزيح الستار عن مركز وطني لنقل الدم من أجل ضمان توفير وتطوير نقل الدم ومشتقاته وهي لعمري قضية محورية ضمن الاستراتيجية الوطنية لتطوير المنظومة الصحية؛ ضمانا للتدخل الفوري لإنقاذ الأرواح، إنْ على مستوى الحالات الطارئة أو أمراض الدم وكذا حوادث السير، والعمليات الجراحية، وما قد يترتب على عمليات الولادة إلى غير ذلك من الإكراهات التي تستدعي التدخل والمساعدة والإنقاذ، فكل هذه الأمور تفرض ضرورة وجود آلية فعالة لتوفير ونقل الدم بفاعلية مستديمة، ومن هنا تأتي أهمية هذا المشروع الذي وُفِّقت الحكومة لوضع حجره الأساس لتواكب بذلك التطورات الحاصلة في المجال الصحي على الصعيد الدولي بما يقتضيه ذلك من تطوير وانسجام؛ ليكون بذلك أول منشأة وطنية متخصصة في هذا المجال بالذات.
وفي مساء نفس اليوم الثامن مايو 2025 واصل فخامة رئيس الجمهورية سلسلة التدشينات وهذه المرة من ساحة المطار القديم حيث المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية؛ في تقريب لشمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم من الزائر والمتلقي وفي استفادة كبيرة من وسائل التكنلوجيا المتطورة، كل ذلك لتبسيط وصول المعلومة المرتبطة بالسيرة النبوية سواء عن طريق مجسمات الإيضاح أو من خلال شاشات العرض الذكية والمعلومات المنسابة المتدفقة، فهنيئا لمن خدموا سيرة المصطفى الشفيع عليه أفضل الصلاة والسلام مهما كان الجهد وأيا كانت زاوية البذل والخدمة.
قبل كل هذه الأحداث من تدشينات وغيرها؛ سبقتها في يوم واحد أمور تستوجب التوقف والذكر والإشادة منها مثالا لا حصرا مصادقة مجلس الوزراء على إنشاء جامعة نواذيبو وهي بلا شك ستكون صرحا علميا يضيف لبنة جد إيجابية نحو تحقيق التقدم والنماء والتمكين للأجيال القادمة، وهي في ذات الوقت ستكون أداة لمحاربة الشذوذ الأخلاقي، والشرود التعليمي من خلال تقريب وتبسيط التحصيل العلمي، وتحقيق الكفاءة في التمدرس العالي.
إذن حقَّ لنا أن نسمي هذا اليوم الذي شهد كل هذه الأحداث الوطنية المضيئة باليوم الوطني المميز فالرابح من كل هذه المنشآت هو الوطن، وهي باقية لأجياله القادمة، وذلك هو عين الخدمة الوطنية الزكية.