على مدار الساعة

النفط الموريتاني الثروة المفقودة

6 نوفمبر, 2017 - 17:09
عبد الله ولد اب

النفط الموريتاني الثروة المفقودة: بورصة بيع المعلومات، شركات ترحل ورخص تباع وأباطرة جدد

1- بداية الحكاية:

بدأ التنقيب عن النفط الموريتاني مع نهاية الستينات في سنة 1957 حين حصلت الشركة الإفريقية للبترول (ساب) أول رخصة للتنقيب في موريتانيا وتزامنا مع ظهور البترول في بعض بلدان القارة بشكل ملفت للانتباه ليوجه البحوث ناحية السواحل الموريتانية وصحاريها إلا أن هذه الاكتشافات لم تكن مغرية للباحثين ومع ذلك فقد عمدوا بفضل اشتراط النظام يومها للحصول على نسخه من تقارير التنقيب بالعبث بهذه التقارير التي لم تتضمن كل المعلومات ولعل السبب الأول هو نظام الرخص الذي كان معتمدا حتى سنة 1981 وهو التاريخ الذي قررت فيه الحكومة الموريتانية آنذلك التحول إلى نظام عقود تقاسم الإنتاج. وقد أودعت هذه التقارير في وزارة الصناعة والاقتصاد، لكنها صارت للنسيان بعد الانقلاب العسكري الأول لم يعد يذكرها ذاكر ولم تدخل في صميم برامج الوزارة ولا اهتماماتها، ظلت تلك المعلومات مركونة حتى بداية حكم ولد هيدالة الذي اقترح عليه العراق يومها أن ينقب عن النفط و الغاز في السواحل والصحاري الموريتانية وهو الذي بدأ يراكم خبراته في مجال النفط بعد تأميم 1975، لكن الآليات العراقية التي وصلت للشواطئ الموريتانية لم تتحرك من ساعاتها كما يذكر، فقد بدأت التحركات الغربية وحتى الجوار جهوده لوقف التنقيب بدواعي متعددة لتضاف لذلك الخلافات بين هيدالة والعراق منذ 1982 ليذهب ذلك الجهد أدراج الرياح..

 

2- عودة الحلم وعصابة النهب:

في 1994 استطاع منقب عن الذهب من استراليا الوقوف على تلك التقارير المودعة في وزارة الاقتصاد والتي تلقفها بسرعة ليكتشف بخبرته أنها تعرضت للتزوير وتغيير الحقائق والمعطيات، و لا شك أن القائمين عليها قد تعاونوا معه بكل الطرق وأخذوا رشاويهم بزيادة فالرجل يعرف قيمة الكنز الذي وقع عليه وسوء التسيير في الوزارة التي يقف داخلها، وهو ما تطلب منه البحث عن الأصول في مقر شركة التنقيب بهيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تم له بتكلفة قليلة جدا ليبيع تلك التقارير لشركة وود سايد الاسترالية بملايين الدولارات، بدأت وودسايد في 1998 مباشرة العمل متجاوزة كثيرا من مراحل التحضير والبحث والتحليل معتمدة على نتائج التقارير السابقة لتعلن صبيحة 13 مايو 2001 عن اكتشافات للنفط والغاز ستشكل ما سيعرف لاحقا بحقل شنقيط 1. لقد بدأ الحلم بالثراء يراود النظام وفي خضم ذلك تناسى كل شيء مقابل ما سيحصل عليه، وأوكلت كل الأعمال والاتفاقيات للابن المدلل للنظام، الذي كان يظهر في كل منبر وقريبا من ولد الطايع ـ فغالبيتكم لا شك يتذكرون أيام زيدان ولد احميده وزير النفط إنه النسخة السابقة v.01 أو دعونا نسميه نسخة المطورين، لوزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي إنه سمسار ولد الطايع وجابي عمولاته وممثل كل رجال الأعمال من حوله وقادة المال وأحد أهم سدنة الفساد وأحد باعة الثروات الموريتانية، كان أيام ولد الطايع المرشح الدائم لكل ملف والمتحدث في السياسة والاقتصاد والمالية والحزب، عبره تمر كل الوسطات ومن خلال تسهيل كل المعوقات، لا تستغربوا فلكل نظام عاو ينبح دونه ويتحمل عنه تبعات كل السوء الذي يلحقهما!.

 

3- مكتب لندن:

في تاريخه السيء أنشئ مكتب لندن الواجهة المالية لكل المخالفات والأنبوب السالك لتمرير كل الصفقات وإيداع كل الأموال المتسخة لإعادة البريق لها، فكانت تمر عبره كل التحويلات، ففي لندن لن يشك أحدهم في ذلك والمكتب واجهة اقتصادية للبيع والشراء والتحويل لكن مهامه الأساسية هي بيع التراخيص واجتذاب العملاء المستعدين للمشاركة في كل جريمة والدفع تحت الطاولة مع بند يمنحهم بيع رخصهم لمن يريدون وبالشروط التي يرونها مناسبة. إنه كنز العصابة الذي لا ينضب وماخورهم السيء الذي يغري كل الباحثين عن الثروة دون وجه حق في دولة يباع فيها حتى المواطن.

 

كان لهذا التشكيل الذي هو في ظاهره مكتب وواجهة اقتصادية وترويجية الدور في إقناع رؤوس الأموال للحضور وكثيرا ما يكون الاستقطاب عبر رجل أعمال أو رجال أعمال هم الوسيط والمتحدث مع الشريك ويحاصر فيها الشريك الأجنبي بكل المحاولات ليكون متورطا في ملفات وسخة من رشاوى وهدايا للسلطة ثم تبدأ المساومة معه حول السمسرة. قبل يومين أعلن النظام عن افتتاح مكتب في ابريطانيا أسماه (مركز الأعمال الموريتاني البريطاني) في محاولة لتجاوز تاريخ مكتب لندن وطمسه على القراء حتى لا يتذكروا تاريخه الأسود في بيع الممتلكات الموريتانية والإجهاز على ممتلكات المستثمرين، لقد كان من الأنسب لهم أن يقال إعادة افتتاح مكتب لندن؟ فهل كان لزيدان دور جديد في إقناع النظام بفتح المكتب؟.

 

4- الكلاب المتوحشة والمستثمرين:

قبل فترة حاولت شخصيات مقيمة في الخليج منها رجال ثقة لدى الأوساط المالية الخليجية إقناع بعض رجال الأعمال بالاستثمار في موريتانيا في مجال النفط والغاز وقد عمد رجلا أعمال لزيارة موريتانيا وتم الاتفاق بينهما مع خلية مكتب لندن على التنقيب في ولاية آدرار شملت في الأساس النفط والمعادن، وكشفت عمليات المسح والقراءة عن وجود مخزون مائي هائل في واحدة من أكثر مناطق موريتانيا ندرة مياه، وقدم الرجلان تقريرا للحكومة الموريتانية بتحويل نشاطها للزراعة والتنمية الحيوانية ووجدا الموافقة الأولية حيث تواصلا مع شركة نستله Nestlé للبدء في مشروع كبير مضمون التسويق تحت اسم الشركة الأم، ومع توفر البحيرات الثلاثة المكتشفة في آدرار والتي كانت ستحل مشاكل كثيرة من ندرة المياه في الشمال عموما، الزويرات - انواذيبو وولاية ادرار وانشيري، فقد كانت ستحل مشاكل الري في الزراعة وخاصة النخيل التي شهدت انتكاسة كبيرة في الولاية التي كانت تعتمد عليها، إضافة لمشاريع التشغيل والتطوير التي تشهدها المنطقة بوجود مزارع مثل هذه. لكن المشروع قتل في المهد فعمليات الابتزاز التي تعرض لها الخليجيون جعلتهم يقفون مشدوهين أمام جشع المسؤول الموريتاني بدأ من والي ادرار الذي طالب بمائة ألف دولار (يشغل الوالي حاليا منصبا هاما في تسلسل النظام) لتسهيل الإجراءات لديه وحتى القيادات العليا في النظام والتي تصلهم عبر السماسرة.

 

وحين أدركت الخلية صعوبة فك العقد مع الخليجين خاصة الشق المتعلق من اتفاقيات التنقيب في حوض تاودني عن النفط والتي دخلت عليها شركة توتال بعرض احتكار، فقد بدأت الخلية بتفكيك الثقة بين المستثمرين الخليجيين لينفك الارتباط بيهما وتصفية الشراكة حيث بقي أحدهما صامدا في وجه المعضلات التي تطرح أمامه وفي الأخير فاوضه وزير النفط نفسه زيدان على التخلي عن التنقيب في حوض تاودني مقابل 60 مليون دولار وبتوقيعه على التخلي انتهت الشراكة ليجد الرجل نفسه على قارعة طريق صحراوي لا ماء ولا مرعى ولا حياة وبدون التعويض الذي ذكر له. فلم يجد غير العودة لبلده وهو يحمد الله على خروجه من مستنقع التماسيح.

 

يحكي الرجل حكايته بكثير من الحسرة والندم ليس على ما تعرض له بل على بلد عربي مسلم فقير تقوده قطعان من الذئاب الوحشية التي تمزقه إربا دون أن يندى لها جبين أو تشعر بالخجل من نفسها.

 

في مؤتمر للمستثمرين في الولايات المتحدة الأمريكية خصص رجل الأعمال الخليجي مداخلته ليحكي قصة الذئاب المتوحشة في موريتانيا وخطر ها على اقتصاد البلد والاستقرار، ليحكي عن قصص من قصص الجشع الموريتاني والسمسرة البغيضة والاحتيال والتحايل.

 

حين وقع انقلاب 2005 سقط الإنقلابيون في شرك الطمع فكل هذا الأموال كانت تدخل لحسابات هؤلاء اللصوص وهم "الانقلابييون" النائمون في العسل المنتشون بالصفقات الجانبية والصغيرة والتحويلات الرخيصة وبيع الرخص الساذجة وبقايا مؤونة ومعاش الجنود البسطاء وفوترة الاحتياجات، في وقت يضارب البعض بعمولات صفقات المعادن النادرة ومستقبل تاودني وأفق النفط والغاز وما ولد وما سيولد... كان الأمر بسيطا للمجلس العسكري إنه اعتقال "زيدان احميده" مفتاح كل تلك الصناديق السوداء والخبير في شؤون الفندقة والزندقة في لندن، اعتقل زيدان ولد احميده و لم يكن الوضع خافيا إنه محاولة لأخذ نصيب من كل تلك الكعكات التي اقتطع منها وملف كل الشخصيات التي كانت تنسق معه ليتم ابتزازها بقضاء الهاتف والأوامر والملفات وإعادة الحبكة والسيناريو والتكييف. أدرك زيدان أنه في ورطة حقيقية ولا شك أدرك زبناؤه ذلك وعملاؤه فأعطى للجائع ما يسد رمقه وليس ما يشبعه. مئات الملايين من الدولارات هي المحرك الأساسي لاعتقاله لكنهم سربوا أن كل المشكلة تدور حول مائة مليون دولار فقط هي صفقة وودسايد.. كانت وود سايد الاسترالية سيئة السمعة في مجال النفط و البيئة و نهب الثروات..

 

5- اتفاقية سرية لطمس الملف:

لا أحد حتى اليوم يعرف نتائج عملية التعديل التي طالت البنود الأربعة في اتفاقية وودسايد السيئة ونظام المجلس العسكري التي قادها بلا شك ولد عبد العزيز، كل ما يعرف هو ما أعلنه الوزير الأول سيدي محمد ولد بوبكر أن وودسايد ستدفع ما قيمته 100 مليون دولار تعويضا لموريتانيا عن الخسارة في المقطع ب، 200 مليون لتعويض أي خسائر عن البيئة (ويمكن للملاحظ أن يدرك أن هذا الرقم وهمي حيث لم تتعرض الاتفاقية لحصر المخالفات البيئة ولا تحديد أماكنها ومواقعها و لا ما تتطلبه من عملية إعادة تأهيل ولا تاريخ البدء ولا النهاية المتوقعة لها - إنها في مجملها تسمية وهمية لرشاوى خاصة للقائمين على الملف ستذهب لحساباتهم الخاصة) ثم الملحق الوهمي الثاني باستعادة 50% من المساحات الاستكشافية الممنوحة للشركة في البحر ومنح النصف من العائدات حين تتجاوز الأسعار 55 دولار . لكن وودسايد التي أتت على الأخضر واليابس بدأت في حزم أمتعتها لعدة أسباب:

- عمليات الابتزاز التي تدخل في عمليات الفساد للنظام وسوء سمعة الاتفاقية على حساب مستقبلها.

- قلة المستخرجات مقابل استثمار التوقعات.

- المبادرة ببيع الرخص قبل انكشافها الاستثماري.

 

فبدأت بالبحث عن شركاء أو مشترين فكانت الشركة بتروناس الماليزية التي بدأت أعمالها في موريتانيا وسط شراكة مشبوهة لهاردمن التي باعت هي الأخرى أسهمها لشركة تولو أويل وبريتش غاز التي باعت كذلك لشركة كوفبك بالاضافة لبرايمر أويل وإينرجي آفريكا . ومما يثير الانتباه هو عمليات التداول وبيع الرخص التي أصبحت الحالة المسيطرة على أعمال الشركات بل إن البعض يقول إن الشركات كانت تتاجر كذلك في بيع المعلومات والتقارير والمسوح الجيلوجية للشركات ومراكز الأبحاث كما حصل مع المنقب الاسترالي ماركس الذي كرمته موريتانيا والذي تخصص - رغم إنشائه لشركة تنقيب بالشراكة مع ولد تاج الدين - في بيع المعلومات والتقارير المسحية.

 

*** تعقيب عاجل ***

وأنا اعد هذه المادة أعلنت الشركتان البريطانيتان "نيل اويل وسترلينغ انرجي " عن انساحبهما من المقطع C10 في الحوض الساحلي ابتداء من نهاية نوفمبر الجاري طلبت الشركتان التجديد ومهلة بسنة لمواصلة التنقيب للتأكد من النتائج والاطمئنان لها لكن الحكومة رفضت وهي بذلك تعيد الكرة للشركة التي ستفرض عليها الظروف أما المخاطرة أو الانسحاب وهو ما يترب عليه بند جزائي بـ8 مليون دولار ستكون فرصة للثراء للممسكين بالملف وشركاؤهم مقابل عودة المقطع والبحث عن منقب آخر وبنود آخرى وعمولات أخرى.

 

كان تحالف الثلاثي المشؤوم (وودسايد و بتروناس وشانكر للوجستيك) ظاهره التنمية وباطنه النهب والسرقة والتزوير .. ومما يثير الانتباه هو تلك المئات من الرحلات الجوية للحقول والعشرات من الأجانب الذين يحطون الرحال ويغادرون عبر مكاتب اللوجستيك في المطار القديم، رحلات قادمة وأخرى مغادرة، تموين، ومواد وقطع غيار، وقود وعمالة مستغلة أقرب للسخرة منها للعمالة، و ما لا يعرف أيضا أن عمليات بتروناس منحت كعمولات لشركات مقربة من النظام وشخصيات من داخله عسكرية و سياسية واجتماعية، كانت في كل مرة يعاد تشكيلها بطريقة (قسمة الكعكة) ولشركة اللوجستيك شانكر شركة أجنبية ألمانية للوجستيك منحت مزاياها لأهل عبد الله أيام ولد الطايع لمزيد من الثراء على حساب الثروة الموريتانية والاتفاقيات الاقتصادية وعلى حساب الشعب الموريتاني، ولزيادة النفقات على المستثمرين، بما يجعلهم يدخلون في متاهات الرشاوى من تحت الطاولة للإبقاء على أرباحهم، حين وقع الانقلاب في 2005 وقبل أن يتفكك الخيط الجامع للفساد بحثت شانكر عن شريك حماية لها وهي العليمة بطريقة إدارة الاستثمار في موريتانيا ، إذ لا بد أن تعتمد على قريب لرأس السلطة ليحميك من الذئاب المتغولة، تم إدخال عالي ولد الدولة ليكون حارسا لقرابته من رأس النظام، قبل أن يتم استبعاده بعد مشاكل مالية معه وإحلال مفوض الاستثمار السابق محمد عبد الله ولد إياها محله علما أنه هذا الأخير هو مالك المقر الرسمي لشانكر يومها ولديهم به معرفة و يمتلك مفاتيح الولوج للنظام لقربه منه. دور يا زمن. وسيدور الزمن مرات. ستظل شانكر هي الجسم الكبير الذي ينهب تحت مظلة "موري لوغ أو الموريتانية للوجستيك التي يملكها ولد أياها".

 

6- مكتب السمسرة المقرب من القصر:

الغريب في هذا الملف هو تلك الوظيفة الوهمية (مفوضية ترقية الاستثمار) التي امتدت من حكم ولد الشيخ عبد الله وسميت بمفوضية ترقية الاستثمار وهي الوظيفة التي شغلها محمد عبد الله ولد أياها حتى الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، فحين زار الإمارات و انتهت زيارة الرئيس بقي المفوض في دبي لمدة قاربت الشهر وهو يسوق فرص الثراء و الامتيازات لرؤوس الأموال التي ستستثمر في موريتانيا ، لكن للأسف فلم يكن الرجل مؤهلا ليقنع رأس المال وهو يفاوض من خبر سوء معاملتهم و لصوصيتهم التي جردوا بها العشرات من المليارات من الأجانب و المستثمرين ويكفي للمطلع على ملفات الاستحواذ على ممتلكات الشركاء أن يقوم بزيارة سريعة للمحاكم الموريتانية ليقف على ما يحصل.

 

7- علاقات مشبوهة:

سأرصد هنا أسماء أشخاص ترددوا بين مفوضية ترقية الاستثمار وشركات اللوجستيك المختلفة التي أنشئت لتكون ظهيرا لشركات النفط ومقدم خدمات لها لتنكشف القصة على أصولها.

 

يترأس ولد أياها مفوضية ترقية الاستثمار ليقال منها بعد الانقلاب ويعود ليمارس عمله في شركاته التي تضاعفت مرات بعد انقلاب 2005 حيث لم يكن يمتلك سوى شركة للنقل.

 

يحل محله في المفوضية احبيبي ولد حام ومساعده أبو بكر الصديق ولد محمد الحسن حتى 2010 هذا الأخير هو من يهمنا، سيكون مديرا لموري لوجستيك المملوكة لولد أياها قبل أن تتم إقالته منها في 2015 وهو قادم وقتها من إقالته سنة 2014 من الوكالة الوطنية للطيران المدني ANAC... بعد 2010 تم القضاء على مفوضية ترقية الاستثمار بعد فشلها في جلب السمسرة لتعود لمكتب في وزارة الاقتصاد لا يقدم ولا يؤخر تماما كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. هل تذكرتم تعيين ولد السبيعي في سونمكس من قبل أهل ودادي؟. إنها نفس النسخ تعيد اللصق بذات الطريقة وبذات الأسلوب ولذات الأهداف.

 

ما هو شبه مؤكد أن أعمال "مفوضية ترقية الاستثمار" أو دعونا نقول "مفوضية ترقيع السمسار" هي مكتب يعج بالأشخاص من مختلف الفئات والتخصصات الموكلة تعمل في القصر الرئاسي وتقدم تقاريرها مباشرة للرئيس نفسه. فلا يمكن لكم أن تتفاجأوا من زيارة مدير شركة للقصر الرئاسي ومقابلة الرئيس قبل أن يقابل الوزير والأمين العام للوزارة التي تهمه أو أن تسمعوا عن مدير فنادق يلتقي رئيس الدولة أو تاجر عادي يستقبل في القصر... هل تتصورون كيف يستقبل رئيس مجموعة من المستثمرين في قصره وفي بداية التواصل يسألهم إن كانوا قد حصلوا على شقة مناسبة لسكنهم وأن لديه من يوفرها لهم إن أرادوا؟!!!

 

أعلن ولد محمد فال اعلي ذات يوم في 2006 أن موريتانيا لن تفرط في حقوقها وأن "الحفاظ على مواردنا الطبيعية مسؤولية مشتركة وأمانة في عنق كل واحد منا وواجب لا يمكن التفريط به سواء تعلق الأمر بالحكومة الحالية أو بتلك المقبلة". منتقدا بنود الاتفاق مع وودسايد التي عرفت بـ"ملحقات عقود تقاسم الإنتاج النفطي" واستبشرنا خيرا بهذا الإعلان بهذه المحاولة لتصحيح الوضع والتي قد تعيد للدولة الموريتانية أكثر من 200 مليون دولار سنويا من عائداتها النفطية. لكن وودسايد على ما يبدو كانت مدركة لبواعث النظام فأصدرت بيانا في دكار أن خلافها مع نواكشوط بشأن ملاحق وقعها وزير النفط زيدان ولد احميده لن يكون لها تأثير حول بدء الإنتاج المقرر وأن الخلاف لن يكون له تأثير حول حقل نفط أوفشور شنقيطي الذي كان من المقرر أن ينطلق في ذات الشهر فبراير 2006. ليستيقظ الشعب الموريتاني على سجن احميده ويشرب شاي "الظهيرة " على إطلاق سراحه لتتبعه مئات سيارات الدفع الرباعي وتشيعه الزغاريد لبيته في وقت حصرت الجزور والنحائر من كل حدب وصوب وقدم ممثلوا القبائل والمشائخ الدينية لتقديم التهانئ والمباركة بالخروج من السجن. لا أحد يعرف على ماذا أنهي الملف لكن ما هو مؤكد أن السجان حصل على مائة مليون تقريبا مع طي الملف وملاحقه حتى اليوم.

خرج ولد احميده من سجنه دون أن يقدم لمحاكمة أو يفتح الملف إلا في شقه المالي مع وودسايد أو بصورة شخصية معه مع جهات أخرى ربما ليس من بينها القضاء ولا مكافحة الفساد، إنه أقرب لقاضي الطمع!! فكم دفع ولد احميده لقادة القصر ليخرج من سجنه؟؟ و كم دفع لهم ليعود للقصر مستشارا؟ وما علاقته بافتتاح مركز أعمال لندن الجديد؟ هل هي تجربة ونسخة محدثة من مكتب لندن الذي قاده وقاد منه عملياته القذرة ضد الاقتصاد الوطني وضد سمعة الاستثمار الموريتاني التي أوصلها للحضيض. يمكن للقصر الرمادي أن يرد!!

 

ورغم أن ولد محمد فال والمجلس العسكري عموما أو خصوصا شريك في المهزلة فإنه لم يستطع إخفاء حزنه للاحتفاء بلص باع ثروة بلاده لكنه لم يكن سوى "عيب الحمير بالدبر"، كما يقال فلا المجلس العسكري كان يريد فعلا استعادة الممتلكات المنهوبة ولم يكن يريد للعدالة أن تأخذ مجراها إلا بقدر عوائدها على بعض شخوصه.

 

وفي يونيو 2006 وقع وزير النفط ممثلا للمجلس العسكري الاتفاق الذي غادرت بعده ووسايد بعشرين شهرا تقريبا بعد بيعها لكافة معداتها وآلياتها وحصتها في شنقيط واستثماراتها واكتشافاتها في الماء واليابسة لبتروناس الماليزية في سبتمبر 2007 م وسط انتقادات كبيرة في الصحافة الاسترالية وتهم الفساد والرشاوى التي طبعت ملف التسوية والخروج من موريتانيا للأبد.

 

ملاحظة جميلة قالها لي أحد الأصدقاء ممن أستشيرهم دائما في بعض ما اكتب وأناقشهم في بعض المعلومات إن النفط الموريتاني بخصوصه والاقتصاد الموريتاني بعمومه يتكون من شقين "شق سفلي" هو المستور الذي لا يعلمه سوى الفاسدين، هو عمليات كل ما يجري فيها هو نوع من الحروب الشرسة لهدم كيان لا يقوى على الوقوف بسبب السماسرة والفاسدين والعمولات التي تصل للمليارات و"شق علوي" هو ما نسمعه في التلفزيون ويسمح له بالنشر وهو لا يعبر عن حالة تنمية ولا يقدم عوائد لدولة تعاني من مختلف المشاكل في الاقتصاد والمالية والصحة والتعليم. لقد أقنعونا أننا بلد فقير وأنهم أناس أغنياء فقط ورثوها كابرا عن كابر..