على مدار الساعة

نص مذكرة الإخطار الدبلوماسي الصادرة عن إيرا وضمير ومقاومة

23 نوفمبر, 2017 - 10:34

مذكرة إخطار دبلوماسي

أ‌. السياق

من خلال قرارها القضائي، الصادر يوم الخميس 9 نوفمبر 2017، حكمت محكمة الاستئناف بانواذيبو، على محمد الشيخ ولد امخيطير بسنتين من الحبس وغرامة 60 ألف أوقية (ما يعادل 150 يورو). هذا القرار جاء ليختم إجراء طويلا وشاقا ضد صاحب كتابة على الفايسبوك اشتبه في مساسه بسمعة نبي الإسلام صلوات الله و سلامه عليه. وبالرغم من التوبة المنصوصة قبل مهلة ثلاثة أيام، فقد حكمت عليه المحكمة مرتين بعقوبة الإعدام منذ توقيفه في يناير 2014. وعلى مدى مسلسل الإجراءات، الذي تخللته أعمال شغب ومظاهرات ودعوات للكراهية وتهديدات بقتل محامي المتهم، امتنعت الدولة الموريتانية عن حماية الأموال والأنفس المعرضة لانتقام الشارع. مع العلم أن شبابا آخرين، ينحدرون من أسر ذات نفوذ، أطلقوا تصريحات مشابهة وأشد في خطورتها، دون أن يتعرضوا لتشويه مماثل. فعقلية الجسم القبلي مكنتهم من تجنب الهجمة الشرسة.

 

وتدريجيا، انجرف الرأي العام في الغلو المفرط، مهونا، بحكم الواقع، التحريض على القتل واللجوء للعدالة الخصوصية. فهناك شخصيات معروفة عبرت وتعبر باستمرار، وفي العلن، عن مطالبتها برأس ولد امخيطير حتى بعد إطلاق سراحه النظري. وهناك متطوعون، زاعمون أن حب النبي هو محركهم، أعطوا مكافأة مالية للقتلة المحتملين. وإن أيا منهم لم يخضع للمتابعة طبعا.

 

في شهر ابريل 2012، وأمام الملإ، قام بيرام الداه اعبيد بحرق كتب من التشريع المنسوب للإسلام، تشرع العنصرية والاغتصاب والمتاجرة بالبشر والتفاوت بالمنشإ، وبالتالي تضفي على هذه الأمور صفة المقدس. وبعد إيقافه مع رفاقه، وسوء معاملته، وعزله في مكان مجهول، والإلحاح عليه بالتراجع، لم ينج إلا بتعبئة أبناء العبيد الذين ينحدر منهم.

 

بعد سنوات من هذه الحالة، ما تزال تلك المؤلفات المجرمة تواصل تغذية برامج مؤسسات التعليم الديني ودورات القضاء وتكوينات الشرطة القضائية.

 

اليوم يعتبر ولد امخيطير، المولود داخل فئة الحدادين التي تشكل أقلية مستخفا بها، غير قابل للاستفادة البتة من ميزان القوة القادر على أن يضمن له المواطنة الكاملة. وهو بهذا يجسد الضحية التي يكفّر بها والمتنفس المناسب لنظام هيمنة عرقية طائفية يعمل على تأخير مطالب المساواة والإنصاف بفضل حواجز المنظومة الفكرية الراعية له.

 

وأمام صدمتها وحيرتها إزاء الانطلاق الضاغط لطموحات التحرر والتقاسم، من قبل المطحونين الذين أصبحوا أغلبية، احتمت أوليغارشيا البيظان (التي تتناقل المزايا والامتيازات منذ الاستقلال) بظل المقدس. إن ردة الفعل اللاإرادية تملي عليها أن تراهن في كل شيء على المعتقد، في ازدراء جلي للواقع الملموس والآفاق اليقينية التي تؤكد أنه لا التقوى ولا القوة العسكرية، فبالأحرى الابتزاز بالجحيم، بإمكانها إخماد جذوة حماس الإنسان المهان عندما يريد التخلص من سلاسله.

 

ب‌. المزايدة

منذ الخلاصة القضائية، قامت النيابة العامة بتقديم طعن، غير أن الاجراء لا يلغي الحكم. بيد أن ولد امخيطير، رغم قابلية إطلاق سراحه، يظل حبيسا "ضمانا لأمنه" حسب ما تتحجج به السلطة السياسية. وإن على المدافعين عنه، المطاردين من قبل حراس السلفية المحيطين بهم، أن يتخفوا وأن يهجروا منازلهم ويغيروا محل سكناهم كل ليلة تقريبا. يتعلق الأمر بالأستاذ محمد ولد امين والأستاذة فاتيماتا امباي: هذه الأخيرة، المستهدفة بحملة تشويه ذات طابع عنصري، تحصد كيلا من السخرية لا يصدق، تماما مثلما توصف بـ"العلجة" وبـ"القردة العجوز"، حاصدة من الاحتقار أكثر مما يحصد ولد امين المهدد في سلامته الجسدية. هذا الاختلاف في التعامل، الملاحظ في رسائل الفايسبوك وتطبيق الواتساب، نابع من مرتع قيم خاصة بعالم مفاهيم البيظان حيث المرأة، أحرى أن تكون من السود الأفارقة، تظل أداة عاجزة وبشرا قاصرا للأبد، وفي المحصلة لا عبرة بها. ويجدر التنبيه هنا أن الأئمة والأعيان والأطر الأفارقة السود امتنعوا، بالمناسبة، عن الحث الهائج على الكراهية وزعق الأرواح بذريعة "الدفاع عن الله ونبيه".

 

وبالنظر إلى الأحداث عن قرب، نجد أن ضجة التحريض تزدهر بالأساس داخل فئة الزوايا (ضمن النسيج العربي – الصنهاجي - اللمتوني)، ومن ثم داخل الأحياء المحرومة وأحياء الصفيح الهشة حيث تأخذ مظهر مطالب الإنصاف والحياة الأفضل. ولا شك أن المجاعة الفائقة والنقص المسجل في منسوب الأمطار لسنة 2017، سيغذيان دوافع عدم الاستقرار.

 

بعد ثلاثة عقود من التعريب الممنهج لقطاع التعليم والإدارة والجهاز القضائي والقوات المسلحة وقوى الأمن، ترعرعت أجيال من الموريتانيين في هواجس الذنب والخطيئة وتدبير اللامرئي ومقت كل ما ليس عربيا ومسلما.

 

أن ترتمي موريتانيا في تجربة طالبان بأفغانستان أو محافظات البشتون بالباكستان، فتلك فرضية تبدو فصولها قيد الاكتمال.

 

ج. الجوهر النفسي والاجتماعي

هذا القلق المحافظ ناتج عن تقاطع نسيجين زمنيين: الانقلاب العسكري سنة 1978 والتعريب المنبثق عنه الذي هيأ، بعد سنتين، لدمج ما يعتبره المتغلبين في البلد الشريعة الاسلامية في القانون الجنائي. لا أحد يجهل الثمن الباهض لهذا التطور البطيء: فحجبت من التعليم العام العلوم الانسانية الاستهلالية، وأرغم أطفال البيظان على تعلم كل شيء بالعربية، وكان بإمكان مواطنيهم الأفارقة السود أن يختاروا الفرنسية. إذن أصبح الكسر فجوة داخل المجتمع ذي المصير المشترك.

 

ما بين 1986 و1991 اكتمل العمل الإقصائي السابق بالتعذيب والقتل الجماعي والترحيل والتطهير العرقي من الجيش وقطاعات الموظفين. موريتانيا المعربة، لدرجة تضحيتها بمستقبل شبابها، ضمنت لنفسها بهذه الطريقة مسافة أبعد من الطموحات الديمقراطية.

 

وكان على موريتانيا أن تخترع، في الآن ذاته، نفـَـسا وصفة للإفلات من العقاب وضمانا ضد كل الأضرار. لقد كان التضامن حول ادعاء الدفاع عن الله ورسوله ضامنا للفوائد الثلاث، لكنه أيضا يمثل خطر الرصاصة الأخيرة. وبهذا فإن أصحاب المبادرة القائمة على الحساب يعرضون الدين لاحتجاج تخريبي لدرجة أن المتعنتين له ينشطون سريا. لقد علمتنا مجريات التاريخ أن كل حقيقة لا يحميها غير تصفية المنافي لها، تؤدي إلى الخلاف والتشكيك قبل أن تثير أسباب اضطهادها بنفسها.

 

خطب التهييج الساعية إلى تثبيط الناس والتمرد على الدولة، لم ينج منها حتى رئيس الجمهورية والقضاة ونشطاء المجتمع المدني الذين تعرض بعضهم لمحاولات اعتداء جسدي كما هو حال أمنة بنت المختار رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر. أما المدونة، الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، مكفوله بنت إبراهيم، فتتعرض لاضطهاد مستمر، وهي لا تدين بحصانتها إلا إلى تعبئة ذويها الذين توجب عليهم أن يعيدوا إلى الذاكرة الضعيفة ماضيهم كقبيلة ما فتئت تمتهن الحرب. عشرات الشباب المناضلين من أجل العلمانية والكرامة الإنسانية، معرضون لغضب العامة بعرض أسمائهم على شبكات التواصل الاجتماعي. بعض هؤلاء قرر الهجرة. أما الظاهرة غير المسبوقة فتكمن في أن خطب الجمعة تلح في تناول الشيعة على اعتبار أن التشيع بدعة وبالتالي يجب القضاء عليهم.

 

د. المنزلق الحتمي

التوجه التكفيري والميل إلى الرمي بالردة لدى رجالات الدين انتشرا كثيرا بفضل ترهيب الأسر وأقارب "المنشقين عن الجماعة". لقد أصبح من المباح اغتيال أي معترض بحجة الحفاظ على شرف الرسول وسمعة الإسلام. الصيغة الجديدة للمشروع، كما هو حال الصيغة الأصلية، تضفي إلى القتل باسم الدين صبغة الأوامر الإلهية والشرعية الدنيوية.

 

الشريحة المثقفة، الخاضعة للترهيب، التي تخاطر بصون الحق الأساسي للمتهم في الحفاظ على حرمة جسده، أصبحت متحفظة بحثا لنفسها عن طوق نجاة. وبالنسبة لأحزاب المعارضة، فقد اختارت التفسير "التآمري" وتتبعت ديماغوجية في متناول الجماهير التي تحفزها ثلة من الدعاة ذوي الخلفية الوهابية الذين اتضح أن التفريق بينهم والجهاديين يطرح إشكالا.

 

وبالنسبة للقوتين الرئيسيتين للتناوب فظلتا تسايران دعايات صناع التطرف مع امتناعهما عن نشر بياناتهما بأية لغة غير العربية خوفا من أن تخسرا مصداقيتهما لدى العالم الحر. هذه الإزدواجية تتعلق أساسا بالجبهة الوطنية للديمقراطية والوحدة وتكتل القوى الديمقراطية العضو في "الاشتراكية الدولية" الموجه العالمي للعلمانية. أما النظام، شأنه في ذلك شأن الهيئتين الآنفتي الذكر، فيساهم، حسب طعم الانتهازية والانحناء لتتبع الموجة الشعبية أينما اتجهت، منذ بدء الأحداث، في تغذية وتقوية قبضة قطب الرجعية على المجتمع بأسره. وبالنسبة لـ"تواصل" (الجناح الشرعي من حركة الإخوان المسلمين) فبالصمت اعتمد طريقا معتدلا بعد أن تجاوزته الأحداث، وبعد أن ساهم في محاولة العصيان المدني.

 

وراء هيجان الحشود، تعمل حفنة من المقاولين في مجال الإعلام الشعبوي، موجهة اندفاعها، في المقام الأول، إلى المحسنين البعيدين. فالكفاح من أجل شرف النبي صلى الله عليه و سلم يمثل، قبل كل شيء، أعمالا تجارية مربحة ورأسمال مدر لأموال المانحين، العموميين والخصوصيين، في الشرق الأوسط. ففي زمن الشدة هذا، الذي سببته الحيطة العالمية من تمويل الإرهاب، والذي فاقمه الخلاف بين العربية السعودية وقطر وإيران، نفد المال المبارك أو جف مصدره على الأقل. ومن أجل الحفاظ على الخيط المغذي، لا بد من خلق جو متوتر على الدوام واختراع وتضخيم وإثارة تدنيس القرءان الكريم والكفر بوتيرة شهرية أو أسبوعية. وينبغي عدم التقليل من شأن التفاهة الزمنية لاستراتيجيات بيع المقدس والافتراس المنحرف. فالتلاعب بالنفسيات يضمن، من خلال استثمار لا قيمة له، مردودية فورية دون أي جهد ودون أية ضرائب. حتى الطرق الصوفية، الوارثة عادة لممارسات روحانية هادئة، لا تتوانى عن نفخ نار الضغينة. وإن هناك خصوصية موريتانية بامتياز، ففي خطاب مؤرشف على موقع "الأخبار" الألكتروني، يشجع بعض المحامين، الأعضاء في الهيئات الدولية ذات الصلة بمهنتهم، جموع المتظاهرين على المطالبة بإعدام ولد امخيطير.

 

ر. الخدع

الدولة التي استسلمت تحت ثقل الأعداد، وجدت نفسها حبيسة المزايدة مع الحراك السلفي. لذلك قدم وزير العدل، بعيد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء يوم 17 نوفمبر، مشروع مراجعة المادة 306 من القانون الجنائي القاضي بإعدام مرتكب أية إهانة أو استهزاء بالله ورسله، مؤكدا أن مرتكب هذه الأفعال لا تقبل توبته خلافا لنص الشرع الاسلامي. لقد بلغت المنافسة مع أنصار الدولة "الدينية" درجة غير عادية. فحسب الصيغة الجديدة للمادة، التي ستقدم عاجلا لتصويت النواب، فإن مرتكب هكذا جرم غير يعرض نفسه للقتل دون الإستفادة من مقتضيات الشرع الإسلامي الأصلي. نذكر، ويا لها من سخرية، أن الروابط الاسلامية والحكومة وكافة الطبقة السياسية كانوا قد شجبوا بشدة مذبحة شارلي أبدو. بعد ذلك يبرر البعض هذا الوضع وتناقضه مع مصير ولد امخيطير بخصوصية هذا الأخير. فحكم الإعدام، المترتب على المساس بالدين، لا يطبق إلا على المسلمين!. وكان النواب، في جو طبعه القبول العام، قد اعتمدوا، يوم 9 يونيو 2017، مادة قانونية ممهدة للمادة الحالية. وتنص إحدى فقرات هذه المادة على أن: "أي شخص يحرض ضد المذهب الرسمي للجمهورية الاسلامية الموريتانية يسجن من سنة إلى خمس سنوات". هذا النص يكرس سيادة السنة ويوسع دائرة المقدس لتشمل واحدا فقط من المذاهب الأربعة: المذهب المالكي.

 

س .البكتيريا تسافر

إن موريتانيا، التي تعتبر المحور الأساسي لمكافحة الإرهاب الديني بمنطقة إفريقيا الغربية، شأنها في ذلك شأن الكثير من الدول العربية التي تطبق برامج الجهاديين وتزعم محاربتهم، تغرق في تناقضات بيّنة بين الشعبوية الداخلية والإلتزامات الدولية. ويحيل الانحراف الطائفي للحكومة والتطرف السائب للشارع إلى عدم صلاحية المعاهدات والمواثيق التي صادقت عليها البلاد، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الانسان وصنوه الإفريقي.

 

كيف لبلاد يروج وزراؤها وأحزابها ومنتخبوها ومصالح أمنها وقيادات جيشها للقتل، أن تساهم في مجموعة الـ5 الساحلية؟. وفضلا عن هذا الجهاز العسكري الذي يضر بسمعته اليوم غموض وتراخي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فإن الجزائر والمغرب أصبحا يريان الآن على حدودهما الجنوبية دولة تطرف عنيف على شاكلة طالبان الأفغانية. ليس من المستحيل إبراز المفارقة، ففي وقت تسعى فيه الأنظمة للتخلص من قبضة الوهابية، حفارة قبور العيش المشترك والتسامح، تسلك موريتانيا الدرب المعاكس سابحة ضد تيار التاريخ.

 

في مقابل التقوقع والدوغمائية النامية بوتيرة متسارعة، فإن الإسلام، ذي الجذور الراسخة الذي يحترم التقاليد الدنيوية والتنوع الثقافي، بات يحتضر، فركائزه التي يستند عليها تكاد لا توجد اليوم. وعلى الإيقاع الحالي، فإن قاعدة خلفية للإرهاب توجد قيد الاكتمال في المجال الموريتاني كهمزة وصل بين إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب الكبير تماما كما لو أنه تفسير خاطئ للرسم، المصمم "على درب التحديات"، من قبل الرئيس المؤسس المختار ولد داداه.

 

يكمن الخطر، بالنسبة للجيران والشركاء الأجانب، في قدرة صناع الكراهية والقتل على التحرك نحو أراضيهم. فالكثير منهم لديهم تأشيرات للدخول إلى أوربا وأمريكا الشمالية، والعديد من هؤلاء الذين يتقاضون رواتبهم من العبادة أو من إحدى الهيئات الدينية التي تمولها الدولة يحوزون جوازات سفر دبلوماسية منحتها لهم وزارة الشؤون الخارجية الموريتانية. مع ذلك فإن غالبية الأشخاص الذين شجعوا علنا على تصفية "المسلمين السيئين" و"الكفرة"، بمناسبة قضية ولد امخيطير، يخطبون بأصوات عالية ووجوه مكشوفة. وخارج البلاد، يلتقون بموالين لطروحاتهم، ويقيمون اجتماعات (بعضها لجمع المال) بغية نشر وتعميم إمكانية القتل باسم الدين. ومنذ أيام، أصبحوا يتلقون رسائل دعم من قبل الشتات الموريتاني في زوايا العالم الأربع. وفي سياق متصل تفخر الحكومة بغياب أي عمل إرهابي وتستخلص من ذلك برهانا على نجاحها. مع ذلك فقد نشرت صحيفة "كوريي اينترناسيونال"، في عددها الصادر شهر مارس 2016، تعليقا على وثيقة عثر عليها لدى أسامه بن لادن تضمنت وجود اتفاق معوض يقضي بأن لا تتعرض موريتانيا لاعتداء من قبل تنظيم القاعدة.

 

وكخاتمة

يتحمل الحلفاء الغربيون نصيبهم من المسؤولية وحتى التواطؤ مع مؤسسة سياسية تدعو إلى القتل، أصبحت، من الآن فصاعدا، خارج قبضة اليد. فبسبب عدم معرفتهم للبلاد، وبدافع السخرية النفعية، تجاهل الحلفاء الغربيون كل التحذيرات رغم دقتها. أما قادة البلاد، المرتبطون جدا بهذه المتنافرات العقلية والحاملون لها، فيغضون الطرف أمام المنطق. ودون أن يشعروا، فإنهم يرهنون مصالحهم الخاصة ومستقبل الآخرين واستقرار التوازنات الإقليمية في مجال السلام والأمن. فلدى هؤلاء ومعارضيهم، حالت إكراهات السياسة السطحية والمشاعر الخداعة دون الرؤية السليمة دونما اعتبار للحيطة التي تعتبر أول فضائل أية حكومة مستنيرة. وكما في كل دينامية شعبوية، محمولة إلى ذروتها، فالشعب المضطرب هو من يدفع الثمن باهظا في وقت من القطيعة لا يتوقعه. وعندما تصل موريتانيا إلى الوضع الرسمي لطالبان، مع حصتها من العوز العقلي والمادي والنفاق والفزع، فإن النخب ستلجأ إلى خط العلمانية حيث يزهو الفرد دون أن يفرض عليه ثوب أو انتماء ميتافيزيقي أو قيود على فهمه. وبالنسبة للسكان سيتواءمون مع اللعبة القاتلة عندما تهجر الأطراف عين العاصفة.

 

في انتظار ذلك، تصدّر موريتانيا لصديقتها النيجر نمط حبها وتساهلها.

 

في الحالة الراهنة، فإن موريتانيا تتجه، على المدى المتوسط، نحو إقامة حكم استبدادي إسلامي لن تتنكر له القاعدة وداعش. فتحقيق هذا المشروع انطلق منذ سنة 2010 وبلغ اليوم أقصى سرعته، وقد بدأ انتشاره يتجذر ويتكاثر من خلال المدارس القرءانية والمحاظر ومعاهد العلوم الأصلية التي تحتضن وتكتتب المئات من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وبعض المتطوعين القادمين من أوربا. ولا تمتلك وزارة التعليم الوطني أية قدرة على مراقبة محتوى الدروس والكتب ونوعية الوعظ، لكنها لا تجهل أهدافها الكامنة في كراهية الغير وتلك المتعلقة بقتل الحريات وما وراءها من غايات جهادية عنيفة. ويوما بعد يوم، في جو من لا مبالاة وعجز الحكومة وأحزاب المعارضة والقوى الأجنبية، تتضخم أعداد جيش الشارع وتزداد عنفوانا، وهي تتعجل الهيمنة والإكراه وسفك الدماء إن تطلب الأمر...

 

نواكشوط بتاريخ: 22 نوفمبر 2017

- ضمير ومقاومة (رابطة اجتماعية-ديمقراطية، بيئية وعلمانية، غير مرخصة)،

- مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية ايرا (رابطة مناهضة للرق ومن أجل الدفاع عن حقوق و كرامة البشر، غير مرخصة)