الأخبار (نواكشوط) – يشكل شهر أكتوبر من كل عام موعدا "للدخول السياسي" في موريتانيا فضلا عن كونه موعدا "للدخول المدرسي"، ورغم تأخير الأخير عن موعده في العديد من مناطق البلاد، فإن الأول على خلافه، حيث يشكل مناسبة لعودة العديد من السياسيين من عطلهم في الداخل أو الخارج، كما تستعيد فيه الحكومة نشاطها اكتمال عطلها، وانتهاء موسم عملها بشكل جزئي خلال العطلة الصيفية.
وتنتظر على أجندة الدخول السياسي الجديد العديد من "الأولويات" على أكثر من صعيد، حيث ستشكل محور اهتمام الأطراف السياسية، في الدخول الأخير قبل الولوج عمليا إلى موعد الاستحقاقات الانتخابية العام القادم، بانتهاء مأمورية المجالس البلدية، وأعضاء الجمعية الوطنية، فيما ينتظر أن ينتخب – لأول مرة – أعضاء المجالس المحلية التي تمت المصادقة على إنشائها في الاستفتاء الدستوري الذي نظم يوم 05 أغسطس 2017.
تصاعد خلافات السياسيين
تجاوز الخلاف السياسي لتفاصيل تسيير الشأن العام، وقواعد إدارة اللعبة الانتخابية، إلى الثوابت الوطنية من علم ونشيد وطنيين، إضافة لتمسك عدد من أعضاء مجلس الشيوخ بشرعية مجلسهم سيكون على رأس الأولويات السياسية، وذلك في ظل مراسلة "لجنة الأزمة" التي شكلها الشيوخ لعدد من الهيئات البرلمانية الدولية، وإصرارهم على رفض ما يصفونه "بالاستفتاء اللا دستوري، واللا توافقي".
وألمح عدد من أعضاء لجنة الأزمة التي يرأسها شيخ باسكنو الشيخ ولد حننا إلى مراهنة اللجنة على قوة الشرعية الدستورية، وعدم تخوفهم من عامل الوقت، كما كشفوا عن لجوئهم للقضاء لحماية المؤسسات الدستورية في البلاد.
فقد قررت اللجنة تقديم ثلاثة دعاوى قضائية أمام القضاء الموريتاني، إحداها ضد قائد أركان الحرس حول منع أفراد الأمن التابعين له لأعضاء مجلس الشيوخ من دخول غرفتهم، والثانية ضد النيابة العامة لتجاوزها للدستور في مساءلة أعضاء المجلس رغم حصانتهم، أما الثالثة فضد وزير الاقتصاد والمالية لقطعه لعلاوات أعضاء مجلس الشيوخ منذ شهر يوليو الماضي.
وكان لجنة الأزمة المشكلة من أعضاء مجلس الشيوخ قد راسلت عدة اتحادات برلمانية عالمية من بينها البرلمان الإفريقي، والبرلمان الأوروبي، حيث أطلعتهم على ما وصفته بتجاوز الحكومة للدستور، وتعديلها بشكل غير قانوني، مؤكدة خطورة ذلك على استقرار وأمن البلاد.
وفي حال إعلان المعارضة الموريتانية عدم اعترافها بالاستفتاء، وتمسكها بالعلم والنشيد القديمين فإن البلاد ستكون على موعد مع علمين، ونشيدين لأول مرة منذ استقلالها عن فرنسا 1960.
عبور الخلاف إلى الشعراء
الخلافات تجاوزت السياسيين لتصل إلى عالم الشعر والشعراء، حيث شكل قرار اختيار أعضاء لجنة اقتراح نشيد وطني جديد للبلاد محطة بارزة في خلافات الشعراء، فقد رفض شعراء كبار عضوية اللجنة، واعتبر آخرون أن وجودهم خارجها أمر طبيعي، وأن عضويتها لا تشرفهم.
ومن بين الشعراء الذي غابوا أو "غيبوا" عن عضوية اللجنة محمد الحافظ ولد أحمدو، وأحمدو ولد عبد القادر، ومحمد الحافظ ولد اكاه، والخليل النحوي، وادي ولد آدب، والشيخ ولد بلعمش، وآخرين.
فيما استقال من عضويتها الفائز بلقب "أمير الشعراء" سيدي محمد ولد بمب.
وزادت وتيرة الخلاف مع الإعلان عن نص النشيد الجديد، الذي اعتمدا بديلا للنشيد الوطني للبلاد منذ استقلالها، والذي كان من أنتاج العلامة باب ولد الشيخ سيديا.
اعتقالات.. ومذكرات اعتقال
ويأتي الدخول السياسي الجديد على وقع اعتقالات سياسية طالت حتى الآن عضو مجلس الشيوخ محمد ولد غده، إضافة لوضع 12 من أعضاء مجلس الشيوخ تحت الرقابة القضائية، فضلا عن نقابيين، وأربعة صحفيين، وذلك في إطار الملف المعروف بـ"بو عماتو وآخرون".
وقرر القضاء الموريتاني سجن ولد غده وعسكري سابق يعرف بمحمد ولد محمد امبارك ضحى يوم عيد الأضحى المبارك الموافق للأول من سبتمبر الجاري، فيما قرر في اليوم إصدار مذكرتي اعتقال في حق رجلي الأعمال محمد ولد بو عماتو ومحمد ولد الدباغ.
وأصدر مذكرات إحضار في حق عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، ووضعهم – بعد الحضور – تحت الرقابة القضائية.
ويشكل الملف الذي أعاد موضوع الاعتقال السياسي إلى الواجهة أحد أبرز أجندات الدخول السياسي الجديد.
ودأب الرئيس ولد عبد العزيز وأعضاء حكومته على الحديث – بشكل متكرر – عن خلو البلاد من أي سجين سياسي، فيما يؤكد المشمولون في الملف من سياسيين ونقابيين وصحفيين أن ملفهم سياسي بالأساس، وأن الهدف منه هو تصفية حسابات سياسية وشخصية مع رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو.
تطلع لحوار جديد
التطلع لحوار سياسي جديد في البلاد، عقب تصاعد الأزمة الأخيرة، والتي تركز ثقلها داخل ما يعرف بالأغلبية الرئاسية طبع العديد الخرجات الإعلامية، وكان الحاضر الأبرز في بيانات الزعيم الرئيس للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا، كما حضر في بيانات المعارضة ما بعد الاستفتاء، وتحدث عنه زعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير في أول لقاء له مع لجنة الحوار.
وكان منتدى المعارضة قد دعا النظام الموريتاني – عقب تصويت الشيوخ ضد التعديلات الدستورية مارس 2017 – وجميع الأطراف الوطنية إلى "التداعي من جديد بحثا عن مخرج توافقي بواسطة حوار شامل وجدي، ومفيد، مشترك التحضير والتسيير والمخرجات".
وأكد المنتدى في مؤتمر صحفي عقده آنذاك أن دعوته تأتي "شعورا منه بالمسؤولية، وتقديرا للحظة السياسية"، واصفا مسار تعديلات الدستور التي أسقها الشيوخ بأنها شكلت "فصلا من فصول السياسات الخاطئة وغير الوطنية لنظام يظهر يوما بعد يوم إفلاسه السياسي".
وعقب الاستفتاء هنأ المنتدى الشعب الموريتاني وشكره "على استجابته الكبيرة لموقف المقاطعة ووقوفه بحزم في وجه العبث بدستوره ورموزه ومؤسساته".
كما دعت لجنة الأزمة المشكلة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى إطلاق حوار سياسي شامل لنقاش واقع البلاد، وضمان مشاركة الجميع فيه.
وكان رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير العائد إلى البلاد بعد غياب دام عدة أسابيع، تزامنت مع تنظيم الاستفتاء الأكثر صراحة في التطلع لحوار جديد، وذلك خلال حديثه من أعضاء اللجنة المسؤولة عن تنفيذ مخرجات حوار 2016، حيث شدد على ضرورة تنظيم حوار سياسي شامل وتوافقي، يضمن إخراج البلاد بشكل تام من الأزمة السياسية.
كما جرى الحديث عن حراك غربي في الكواليس، أوربي تحديدا، بهدف جس نبض الأطراف السياسية في موريتانيا تجاه وساطة لتقريب وجهات النظر قبيل 2019 والتي يتطلع الجميع لدخول موريتانيا لها بمغادرة أول رئيس السلطة عقب انتهاء مأمورياتها الدستورية.
ورغم إعلان الرئيس ولد عبد العزيز مارس الماضي – عقب إسقاط الشيوخ لتمرير التعديلات عبر البرلمان – رفضه إجراء أي حوار جديد، إلا أن تجربته مع حوار 2011 تجعل الاحتمال قائما في الاستجابة لتطلعات الراغبين في إطلاق حوار جديد، وذلك في ظل تنظيم حوار آخر 2016، قال المشاركون فيه إنه جاء لإكمال مضامين حوار 2011.
مؤتمرات حزبية..
وضمن أجندات الدخول السياسي للعام 2017 تتربع المؤتمرات الحزبية في مرتبة متقدمة من هذه الأولويات، فأغلب الأحزاب السياسية لم تعقد أي مؤتمر لها منذ فترة، وهناك أحزاب حددت تاريخ مؤتمرها العام، أو بدأت في التداول حول تحديده.
فحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" – وهو أحد الأحزاب الرئيسية المعارضة – حدد تاريخ مؤتمره في النصف الأخير من شهر ديسمبر القادم.
فيما يجري الحديث عن تحضير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لحملة انتساب – تأجلت أكثر من مرة – وذلك بهدف عقد مؤتمر عام يجدد هيئات الحزب القيادية، وينتخب رئيسا جديدا له في مؤتمر عادي.
ويأتي الحديث عن المؤتمر الجديد للحزب الحاكم ليكون ثاني مؤتمر عادي له منذ مؤتمره الأول في العام 2009، وهو المؤتمر الذي تولى فيه رئاسة الحزب محمد محمود ولد محمد الأمين خلفا لـ"الرئيس المؤسس" محمد ولد عبد العزيز.
كما يتوقع أن يعلن حزب اتحاد قوى التقدم المعارض عن تاريخ مؤتمره حيث تنتهي مأمورية هيئاته الحالية في شهر ديسمبر القادم.
برلمان بغرفة واحد ونظام جديد
الدخول السياسي الجديد يتصادف أيضا مع دخول البلاد مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، وذلك عبر بدأها رسميا في اعتماد برلمان بغرفة واحدة، هي مجلس النواب بعد إلغاء الغرفة الأخرى في البرلمان (مجلس الشيوخ) اعتمادا على استفتاء الخامس أغسطس 2017.
وفور نشر نتائج الاستفتاء في الجريدة الرسمية ظهر الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد الأمين ولد الشيخ مصحوبا بوزير الدفاع جالو مامادو باتيا ليعلنا للرأي العام الموريتاني والدولي أن "مجلس الشيوخ الموريتاني أصبح جزءا من الماضي".
منحا آخر جديد ستعرف الحياة البرلمانية الموريتانية، وهو اعتماد نظام دورات جديدة، تصل الدورة البرلمانية فيه إلى 4 أشهر، وذلك وفقا لما تم اعتماده في التعديل الدستوري 2012.
ووفقا لهذا التعديل يصبح للبرلمان – الذي أصبح من غرفة واحدة – دورتان تستمر كل واحدة منهما أربعة أشهر.
وتواجه السلطة التشريعية في موريتانيا مشكلة تشكيك الغرفة الأخرى في شرعيتها، حيث يصر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ على التمسك بشرعية غرفتهم التي توصف بأنها "الغرفة العليا" في البرلمان الموريتاني، ويدعون أعضاء الجمعية الوطنية للتعاون معهم في حماية دستور البلاد، وفي الدفاع عن المؤسسات الدستورية وشرعيتها.
كما تساءل بعض أعضاء الشيوخ عن شرعية عمل النواب في ظل نظام دستوري انتخبوا في نظام مغاير له، حيث تم انتخابهم 2013 في برلمان بغرفتين، في حين أنهم خلال الدورة التي تفتح الاثنين القادم سيعلمون في برلمان بغرفة واحدة، معتبرين أنه كان الأولى وقف العمل بهذا النظام لحين انتخاب برلمان جديد.
ويأتي الدخول السياسي الجديد بأجندات متعددة وأولويات مختلفة، كما أنه قد يشكل الدخول السياسي الأخير قبل دخول البلاد – عمليا – مرحلة الاستحقاقات المتعددة، وذلك ببدء الانتخابات التشريعية والبلدية، والمجالس المحلية، قبل بدأ مرحلة الانتخابات الرئاسية 2019، حيث ستطبع الاستحقاقات والانتخابات العام 2018، والنصف الأول من العام 2019 بطابعها الخاص.