على مدار الساعة

مشاريع الطرق أوصلت "ENER" لطريق مسدود

15 نوفمبر, 2017 - 13:36

الأخبار (نواكشوط) – ركز الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله للسلطة في العام 2008، على إقامة الطرق في العاصمة نواكشوط، وفي عواصم الولايات، وفي يناير الماضي أعلن الوزير يحي ولد حدمين أن "الجهود الحثيثة" مكنت "من رفع طول الشبكة الوطنية إلى ما يربو على 5015 كلم"، وكان للشركة الوطنية لصيانة الطرق ENRE دورها في إنجاز العديد من مشاريع الطرق داخل البلاد، قبل أن تتوصل لجنة وزارية ترأسها ولد حدمين إلى قرار بدمجها في شركة النظافة والأشغال والنقل والصيانة ATTM المملوكة للشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم".

 

الشركة التي أنشأها نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في العام 1994، وعهد إليها بالعمل على صيانة وإصلاح البنى التحتية الطرقية بجميع أنحاء البلاد، تعرضت خلال السنوات الأخيرة لعمليات ضاعفت من ديونها، ورفعت من مستوى خسارتها لتوصلها في النهاية إلى حافة الإفلاس والتصفية، قبل أن تقرر الحكومة دمجها مع الشركة الأخرى.

 

وضع مقلق وتدهور مستمر

الحكومة الموريتانية اتخذت قرارها بـ"القضاء" على المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق بعيد الاستماع لتقرير قدمه وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي وصف فيه الوضع المالي للمؤسسة بأنه "مقلق للغاية، ومستمر في التدهور منذ نهاية عام 2014"، دون أن يقدم تبريرا لهذا التدهور، ولا الأسباب التي أدت لتعرض الشركة له.

 

ورأى ولد اجاي في التقرير الذي حصلت الأخبار إنفو على نسخة منه أن واقع المؤسسة خلال السنوات الأخيرة تميز بـ"تراكم الخسائر عليها في مجمل المشاريع التي تولتها"، إضافة لـ"سلبية وضعية رؤوس أموال المساهمين"، فضلا عن ارتفاع مذهل وسريع للديون المتراكمة عليها للحكومة وللخوص.

 

وذكر ولد اجاي بتزويد المؤسسة "بالوسائل المالية اللازمة من ميزانية الدولة من جهة، ومن تمويل برامج دعم النقل المبرمة خلال العقدين الماضيين مع الشركاء التقنيين والماليين، من جهة أخرى".

 

وكما كلفت الشركة خلال السنوات الماضية بتنفيذ "البرنامج الوطني لصيانة الطرق"، فقد أسندت لها كذلك البرامج الخاصة بالاستثمار في الطرق، وذلك ضمن إطار اتفاقيات تفويض التعاقد العام، واستفادت بناء على ذلك من بيع معدات الأشغال العامة الرئيسية المملوكة للدولة، وذلك خلال الفترة 2010 – 2015.

 

وأكد ولد اجاي خلال حديثه في اجتماع الحكومة يوم 19 – 10 – 2017 أنه "على الرغم من الموارد المالية التي تم تخصيصها للمؤسسة، والتسهيلات التي منحت لها، فإن النتائج التي حققتها لم تستجب لانتظارات الدولة منها".

 

تصاعد الخسارة وتراكم الديون

الوثائق أظهرت أن المؤسسة عرفت منذ العام 2014 تصاعدا في خسارتها، وتراكما في حجم الديون، لتصل الخسارة مع منتصف العام 2017 إلى 1.89 مليار أوقية، أما الديون فبلغت 16.3 مليار أوقية.

 

وسجل العام 2015 أكبر خسارة للمؤسسة، فقد أنهت العام 2014 بربح يبلغ 1.6 مليار أوقية، قبل أن تنهار قبيل نهاية 2015 لتسجل مع توديعه خسارة بلغت 2.7 مليار أوقية، وهي الخسارة التي واصلت معها حتى أوصلها إلى نهايتها بقرار دمجها في شركة أخرى.

 

وتمكنت المؤسسة في العام 2016 من تخفيض خسارتها إلى 0.55 مليار أوقية، قبل تعود الخسارة للارتفاع لتصل مع منتصف 2017 إلى 1.89 مليار أوقية.

 

أما الديون فعرفت قفزات كبيرة خلال هذه السنوات، حيث ارتفعت من 5.35 مليار أوقية في العام 2014 إلى 11.75 مليار أوقية عام 2015، إلى 11.9 عام 2016، لتصل منتصف العام 2017 الجاري إلى 16.3 مليار أوقية.

 

واعترفت الحكومة الموريتانية – حسب وثيقة رسمية – بأن السبب الذي أوصل المؤسسة يعود لعدة حيثيات من بينها "ارتفاع مستوى ديون الموردين"، إضافة للجوء المؤسسة لـ"طلبات بنكية قصيرة المدى وعالية الفائدة جدا"، فضلا عن "قروض مالية صعبة جدا"، ينضاف لهذا الأسباب "تراكم الديون الضريبية".

 

كما لاحظت الحكومة على الشركة "عدم قدرتها على ضمان الخدمة العامة لصيانة الطرق، وتضخم أعداد موظفيها بشكل كبير، دون أن ينعكس ذلك على أدائها، حيث ظل أداؤها ضعيفا"، إضافة لـ"عدم قدرتها على إدارة معداتها، والاختلال الكبير المسجل في صيانتها"، وعدم وفائها بالتزاماتها تجاه الموردين المتعاقدين معها، وتجاه الدولة، وحتى تجاه عمالها الذي تظاهروا أكثر من مرة للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة.

 

لجنة وزارية ولجان فرعية وخبراء..

القضاء النهائي على المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق تطلب إنشاء لجنة وزارية عهد برئاستها للوزير الأول يحي ولد حدمين، وهو الذي وصل الوزارة الأولى قادما من حقيبة التجهيز والنقل الوزارة الوصية على المؤسسة، فيما نال عضويتها وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجاي، ووزير التجهيز والنقل محمد عبد الله ولد أوداعه، والإداري المدير العام للشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" محمد سالم ولد البشير.

 

اللجنة الوزارية التي عهد إليها بمهمة "الإجهاز" على مؤسسة صيانة الطرق استعادنت في مهمتها بلجنة فنية ضمت ممثلين عن الهيئات والمصالح المعنية بالموضوع، فيما استعانت اللجنة الفنية – بدورتها – بخبراء قانونيين وماليين "لإجراء تقييم شامل ودقيق للمشاكل التي تواجهها المؤسسة"، قبل أن تخلص كل اللجان والخبراء إلى قرار دمج المؤسسة في شركة النظافة والأشغال والنقل والصيانة ATTM التابعة لشركة "اسنيم".

 

ويقتضي الدمج – حسب ما توصلت إليه اللجنة – بتحويل ممتلكات المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق ENER إلى شركة النظافة والأشغال والنقل والصيانة ATTM، أي القضاء النهائي على ENER، فيما احتفظت ATTM بتسميتها ومهامها دون تغيير.

 

فرصة للقطاع الخاص

الحكومة تحدثت في البيان الصادر عن منحها "حيزا كبيرا للقطاع الخاص"، مبررة بذلك القضاء على مؤسسة صيانة الطرق، وذلك على اعتبار أن من بين مبررات إنشائها أواسط تسعينيات القرن الماضي "ضعف القطاع الخاص في مجال إنشاء الطرق، وحجم استيراد الأشغال العامة"، متحدثة عن "تطورت كبير، في هذا المجال".

 

كما لم تتردد اللجنة الوزارية في وصف استمرار مؤسسة صيانة الطرق بأن نتيجته لن تكون "سوى توليد رسوم جديدة، تؤدي إلى تآكل أداة الإنتاج، في ظل غياب أي رؤية للانتعاش".

 

مساهمة بـ"الديون"

الحكومة قدرت رأس مال شركة النظافة والأشغال والنقل والصيانة ATTM بعد دمج مؤسسة صيانة الطرق فيها بـ3040 مليون أوقية، تساهم الحكومة بـ640 مليون أوقية أي نسبة: 21.05%، وتساهم شركة "اسنيم" بـ2400 مليون أوقية، أي نسبة: 78.95%.

 

فيما قررت الحكومة احتساب حصتها من رأس مال الشركة الجديدة من الديون المترتبة لها على مؤسسة صيانة الطرق، عبر الديون الضريبية، وكذا السلف الممنوحة لها، والتي بلغت 4560 مليون أوقية، إضافة لقيمة المعدات الموجودة الآن لدى المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق.

 

واحتفظت الحكومة بجميع أراضي مؤسسة صيانة الطرق الموجودة في نواكشوط.

 

"توصية" بالتخلص من العمال

اللجنة الحكومة التي تولت مهمة "الإجهاز" على المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق "أوصت" في تقريرها بـ"التخلص" من عمال الشركة، وذلك عبر تأكيدها على أن "يقتصر" التحويل على "الموظفين المكلفين بصيانة الطرق، والمؤهلين للقيام بذلك".

 

ورغم تأكيدها على ضرورة أن "يتم ذلك في إطار احترام حقوق جميع الموظفين، بمن فيهم موظفي شركة  (ATTM)، وموظفي (ENER) المحولين في إطار الدمج، وموظفي (ENER) الذين لم يتم تحويلهم"، إلا أن شددت – في الوقت ذاته – على عدم "المساس بقدرة الشركة المستوعبة على البقاء وتمكينها من الاضطلاع على نحو مستديم، بمهمة الخدمة العامة الجديدة".

 

وشددت على أنه "ينبغي أن لا يكون للاندماج أثرا سلبيا على وضعيتها المادية، كما يجب أن يتم التنفيذ بطريقة تضمن وجود توازن على المستوى المالي"، مردفة أن تنفيذ الخطة يرجع القرار لـ"الهيئات التداولية للشركتين".

 

ضحية واحد بمبلغ ضئيل..

وضع حد لمؤسسة تعمل منذ أكثر من عقدين من الزمن، وبتبعات مالية تبلغ الملايير من الأوقية يعني خسارة كبيرة لعشرات العمال، إضافة لعدد من الموردين الذي حافظوا على التظاهر بشكل شبه يومي خلال الأشهر الماضية في مكاتب المؤسسة غير بعيد من مباني المطار القديم.

 

ورغم اعتراف اللجنة الوزارية ومن بعدها مجلس الوزراء بحجم الخسائر التي عرفتها الشركة خلال السنوات الماضية، وحجم الديون المتراكمة عليها فقد "اقتصرت" الإجراءات فيها على توقيف مديرها وان عثمان، ومطالبته بإعادة مبالغ لا تصل 30 مليون أوقية، فيما تتجاوز المبالغ التي خسرتها الشركة خلال السنوات الأخيرة مئات الملايين.

 

ويتهم عدد من العاملين في الشركة إداراتها المتعاقبة بإجراء صفقات وهمية مع نافذين، كانت وراء الخسارة الكبيرة التي تعرضت لها الشركة، حيث وقعت عقودا لتأجير آليات كبيرة لم يكن لها أي وجود خارج وثائق العقود، فيما كان النافذون يستلمون مقابلها بشكل دائم، ودون أي عرقلة في الإجراءات.

 

ويصف هؤلاء "الإجهاز" على الشركة في ظل خسارتها لمئات الملايين دون تحقيق واضح يحدد المسؤوليات نوعا من التغطية على المتورطين، ومحاولة لإخفاء "آثار الجريمة" بشكل نهائي، وقطعا للطريق على أي تحقيق قادم قد يكشف تفاصيل تورط العديد من الشخصيات من زبائن المؤسسة، ومديرها المتعاقبين، ومن غيرهم من المستفيدين من مئات الملايين الضائعة من خزائن الشركة خلال السنوات الأخيرة.