على مدار الساعة

ستة نماذج من التخبط السياسي

27 ديسمبر, 2017 - 22:49
أحمد سيدي

ستة نماذجَ من التخبط السياسي: 

التخبط هو السير على غير هدى، ويقال تخبط الشيطانُ الرجلَ أي مسه ومن ذلك قوله تعالى "لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ"
والتخبط في عالم السياسة هو السير على غير هدى في أروقتها وممراتها الملتوية الوعرة التي تحتاج إلى بعد نظر وبصيرة ثاقبة.
ويصيب التخبط السياسي من مسّه الجهل بأساليبها وفنونها، وذلك وارد في حالتنا. 
كما يصيب من مسّه الطمع ولم تتجاوز بصيرته حدود جيبه، لذلك فهو يبيع المواقف علناً لمن يدفع ثمنها سرًا، وذلك وارد في حالتنا كذلك. 

بعد قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر التحق بهم صناع القرار في موريتانيا وقطعوا علاقاتهم الدبلوماسية مع قطر، على اعتبارها دولة تدعم الحركات الإرهابية مثل "حماس" وتؤوي الإرهابيين مثل "القرضاوي" و "خالد مشعل"، ما أدى بطبيعة الحال إلى خسارة حليف مهم ودولة شقيقة. وكان ذلك التخبّط الأول.

كان العذر أقبح من الذنب إلا أنه كان من المفترض على دولة محاربةٍ للإرهاب محاربةً عابرة للأنهار والمحيطات والخُلجان أن تستمر في حربها عليه كما فعلت الدول التي سبقتها لهذه الحرب، غير أن العكس هو الذي حصل، فلم يرد اسم موريتانيا بعد ذلك في هذه الأزمة ولم تحضر اجتماعات الدول المقاطعة لقطر، ما أدى إلى خسارة أربع دول مهمة 

 صناع القرار في موريتانيا لم يقفوا على الحياد في بداية الأزمة، ولم يقفوا إلى جانب قطر في محنتها، ولم يقفوا إلى جانب الدولة المقاطعة ليشكلوا كتلة واحدة تحارب الإرهاب المزعوم. وكان ذلك التخبط الثاني. 

بعد أشهر من القطيعة زار رئيس الاتحادية الموريتانية لكرة القدم الدوحة - وهو مسؤول رسمي في موريتانيا- وعبر عن دعمه لتنظيم كأس العالم 2022م في قطر، وعاد من الدوحة بتمويل قناة رياضية -حسب ما ذُكر في بعض المواقع- ليدشّن الرئيس الموريتاني انطلاقة هذه هذه القناة في ذكرى عيد الاستقلال الوطني. 
تلك زيارة مسؤول رسمي في موريتانيا لدولة تدعم "الإرهاب وتؤوي الإرهابيين"، وعودته منها بتمويل لقناة رياضية. وكان ذلك التخبط الثالث. 

بعد أشهر من القطيعة زار وفد من القضاة القطريين موريتانيا للمشاركة في مؤتمر رؤساء المحاكم العرب المنظم في نواكشوط، وهو وفد رسمي من دولة تدعم "الإرهاب وتؤوي الإرهابيين" يشارك في مؤتمر منظم في دولة لا تربطها بها علاقات دبلوماسية. فكان ذلك التخبط الرابع. 

قبل أسبوع زار السيد خالد مشعل وهو رئيس سابق للمكتب السياسي للحركة "الإرهابية" التي قوطعت قطر بسبب دعمها وإيواء زعمائها، زار موريتانيا وشارك في المؤتمر الثالث لممثل الإخوان في موريتانيا "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية. تواصل"، واستقبله الرئيس الموريتاني في قصره بالعاصمة نواكشوط. فكان ذلك استقبال لأحد قادة الحركة التي تعتبرها دول المقاطعة إرهابية. وكان ذلك التخبط الخامس.

وفي هذه الأيام أعلن عن ميزانية ضخمة مخصصة لسفارة موريتانيا في قطر، تلك السفارة التي أغلقت منذ نصف عام، ومع ذلك تخصص الدولة لها مبلغًا ماليا يتجاوز 100 مليون أوقية من ميزانية السنة الجديدة 2018. وهذا هو التخبط السادس. 

لست أدري حقا وفق أي منطق يتخذ القرار في أروقة القصر الرمادي، ولا بناءً على أي معطيات وتوازنات سياسية. 
أم أنها قرارات ارتجالية لا تأخذ بالحسبان ما اتخذ قبلها ولا ما يترتب على اتخاذها؟