على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تتعلق بزيارة أمير قطر لدول الجوار الموريتاني

28 ديسمبر, 2017 - 17:49
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح ما كانت لتكتب كلمة واحدة عن تلك الفضيحة المدوية القاتلة التي وجهتها الحكومة إلي أغلب الشعب الموريتاني، فدائما كنا نفضل أن تُنسي هذه الفضيحة التي لا شك أن كثيرا من الموريتانيين لا يرضون بها، وفي نفس الوقت فإن فضيحتها يشترك في آثارها جميع الموريتانيين، سواء من رضي عنها تبعا لأفكاره الخاصة أو تبعا لرضائه عن كل ما صدر عن الحكام الآن، ومن لم يرض عنها نظرا لتوقيتها وأسبابها، إلا أنه مع الأسف قام أحد الكتاب أخيرا وتعمد أن ينكئ ذلك الجرح لينحت من فكره مبررات القيام بمصيبة القرن لدي كثير من الموريتانيين، وأنا أقول وأعبر دائما بـ"كثير من الموريتانيين" لعل أن تعم كلمة "جميع" الشعب الموريتاني، لأني أعرف أن بعضا من الموريتانيين ولو كان جزءا قليلا يرغب في قطع هذه العلاقات إما تماشيا مع إرادة الحاكم مهما كانت، أو هو نفسه يحمل حقدا لدولة قطر وتحملها مساندة الشعوب المظلومة من طرف المستبدين فوقها، والتعبير بالنسبة العددية للموضوع هو تعبير قرءاني ليلا يشمل برآء من القول أو الفعل بإطلاق اللفظ العام مثل قوله تعالي: ولكن أكثرهم لا يعلمون... لا يعقلون... لا يشكرون... الخ، وأيضا لئلا أتبع الأسلوب الممجوج القاتل لضمير المستمع عندما يقف أي موال أو معارض ويتكلم عن الشعب بصفة عامة وينسب له كفاحا أو رضي كما نسمع من نظام دمشق وما شاكلها من الظلمة الذين هم في الحقيقة لا يمثلون إلا أنفسهم ومع ذلك يتجاسر أحدهم فيقول الشعب الفلاني ينعم بكذا أو يرضي بكذا إلى آخر ما هو غنى عن الذكر أكثر من هذا.

 

ومن هنا نعود لمناقشة هذه الفضيحة لا على الشعب الموريتاني ولكنها فضيحة على العقل السليم والفكر النير والاتزان في المواقف المُحتاج له في كل المواقف، فموريتانيا منذ استقلت لم تقطع علاقتها مع أي دولة إلا ذلك القطع الهاشمي الجريء والموقف الذي قام به الرئيس الحالي محمد بن عبد العزيز مع ذلك الكيان الصهيوني الذي أوتي به فوق هذه الأرض الطاهرة المسلمة 100% والمستوعبة لما جاء في القرءان الذي قل هنا في موريتانيا من ليس في جوفه منه شيء من نعت لليهود ووصفهم في القرءان الكاشف عن طبيعتهم المتجسدة بأنهم قردة وخنازير، ولا شك أن الشعب وأعمم هنا أنه كان يكرههم كرها إسلاميا كما يكره أن يقذف في النار، ومع هذه الحقيقة فإن الرئيس آنذاك أقدم على الاعتراف بأولئك القردة والخنازير، وفتح تلك السفارة المشؤومة أمام أعين هذا الشعب الذي كان يظن أنه لو اعترفت حركة حماس بدولة اليهود عاصمتها القدس لما أدى ذلك إلى اعتراف موريتانيا بها لبعد أجسام وعقول الموريتانيين من رؤيتهم أقرب من مكان اغتصابهم لأرض فلسطين وقدسهم الشريف.

 

وبعد تلك الفعلة النكراء وفتح تلك السفارة حَبَسَ جميع الموريتانيين أنفاسهم ولتلك المدة كلها وهم يرون راية الكيان الصهيوني ترفرف بين البيوت الموريتانية التي تخرج من نوافذها في الصباح والمساء الأصوات التي ترتل القرءان ترتيلا: تالية قوله تعالى: {لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبيس ما كانوا يفعلون}، وبينما هذا الشعب جميعا يحبس أنفاسه لا حول له ولا قوة جاء هذا الرجل جزاه الله خيرا ليضيف صفحة ناصعة البياض لسجله العملي لتكون بدره الدائم في ذلك السجل – الذي نتيقن أنه سيكون حاملا له في عنقه –  كالعنوان، ويخرج له على ذلك العنوان الموجود كتابا يلقاه منشورا إلى آخر الآيات، إلا أنه بقدر ما عمم تلك الهدية العظيمة الشجاعة على الشعب الموريتاني فقد ثلمها ثلمة عميقة في قلوب كثير من الشعب الموريتاني في قطع علاقته مع دولة قطر.

 

هذا ولا يحتاج أي شخص لعمق التفكير في أن يسأل أين موضع هذه الثلمة الفاضحة التي جاءت لا محل لها من الإعراب ولا من الإعجام ولا من أي فكر يمكن أن يخطر على بال الموريتاني المعتدل المنصف، فقطر لم تسئ على أي موريتاني واحد ولم يعرف منها الموريتانيون إلا إفراغ نقودها في خزينة الدولة كدولة وفي جيوب المواطنين في كل المهن الدينية والتنموية إلى آخره، ومن المضحك المبكي في هذا الصدد أن يقرأ المتتبع لما يكتبه الكتاب في المواقع لكاتب يريد أن يبرر قطع هذه العلاقات بكثرة زيارة أمراء قطر لموريتانيا، فهل سمع قبل هذه الكتابة شكاية فقير من كثرة زيارة الأغنياء له ولا سيما إذا كان هؤلاء الأغنياء لا يزورونه إلا وفي حقائبهم منحا للدولة خاصة، إما لإنشاء منشأة لصالح الشعب الموريتاني في دينيه أو تعليمه أو صحته، وإما لدفع تلك المنحة في الخزينة الموريتانية ليتحكم فيها الآمر بالصرف فتذهب حيث شاء.

 

فمن المؤسف أن قطع هذه العلاقات لم يقع ضمن موقف إقليمي سواء كان مغاربيا أو عربيا أو إفريقيا الخ، ولكنه مع كثير من الأسف مرة أخرى جاء تبعا لتصرف دول تكاد تجمع الدول العربية والمسلمة والغربية بل وحتى بقية دول العالم أنه تسير على الطريق الخطأ في تفكيرها وأقوالها وأفعالها دينيا واجتماعيا واقتصاديا الخ، فما كان يظن أي مؤمن ولا مؤمنة أن دولا لا يمر يوما من الأيام إلا ويسجل في سجل قادتها كثيرا من زهق الأرواح البريئة حتى ولو كان المقصد أولا يمكن شرعنته في ذلك العمل، إلا أن رؤية المسلم لحصد الأبرياء أطفالا ونساء وشيوخا وعجزة والزج بالسجن لكل معارض وقتله خارج القانون، كانت رؤية هذا على الأقل تمنع أو تحجز السلطات الموريتانية عن السير على ذلك الطريق الملتوي الذي تولي هندسة تخطيطه ذلك المجرم العالمي اترامب لينتزع به من أولئك الأغرار ما في خزينة شعوبهم من الدولارات وليفرق بعد ذلك بين المرء وأخيه وأمه وبنيه في دول الخليج.

 

السيد رئيس الجمهورية لو سمح لك المولي عز وجل الآن في النظر إلى سجلك الأخروي لوجدت فيه بابين أحدهما فيه الرحمة لك من قطعك العلاقات مع الكيان الصهيوني بكل أمان وشجاعة والباب الآخر من قبله العذاب في قطعك العلاقات مع قطر التي لا شك تأثر بها كثير من الموريتانيين كانت هذه العلاقة تدر عليه على الأقل قوت يومه زيادة على ما أصاب كل موريتاني من الانقباض والانكسار و"الحشمة" ساعة ذكر هذه الفعلة الفاضحة في أي مجلس، ولعلم الجميع بما يعلمه الله جل جلاله فإني شخصيا لا منفعة لي ظاهرة ولا باطنة، لا من قريب ولا من بعيد في دولة قطر ولا في استمرار العلاقة معها ولكني أراها دولة مسلمة غنية تعين على فك العاني والأسير وتحمل على الظالم الذي حق شرعا أن يحمل عليه، فأنا مسلم أحب ما ينفع المسلمين وأكره من لا يهتم بشأنهم.

 

السيد الرئيس عليك أن تتفطن دائما بين كلمة الملَك الذي يأمره الله أن يسدد المسلمين في تفكيرهم وقولهم وفعلهم وهو الذي ألهمك بإذن الله بقطع العلاقة مع اليهود، وبين كلمة الشيطان الذي أذن الله له أن يضع خرطومه على قلب الإنسان ليغويه إلى فكر وقول وفعل ما فيه مصيبة له ليزيغه بذلك عن سلوك الطريق المستقيم وهذه الهمزة هي التي أوحت بقطع العلاقات مع قطر، ذلك البلد انتشأت موريتانيا مبكرا وعائلاتها يرددون شرطة قطر، وأئمة قطر ورعاة قطر إلى آخر المنشآت المرئية بين الشعب الموريتاني لا منَّا ولا أذى بعد.

 

والآن لا شك أن الموريتاني يتساءل إذا نجح أمير الكويت في صلح دول الخليج فيما بينها وبقينا نحن هنا في هذا المنكب البرزخي من القارة الإفريقية مقاطعين لقطر، وجيراننا الذين لا تربطهم بها علاقة لغة ولا منفعة يزورهم أميرها لأنهم بالرغم من إسلامهم وفقرهم لم ينجرفوا تحت الدبابة الخليجية التي يسوقها اترامب للتفرقة بين المسلمين وإخضاعهم أذلاء ليكونوا شهداء على تسليم القدس الشريف لإسرائيل من طرف مجرم القرن اترامب.

 

إن هذه القطيعة المروعة الخارجة عن أي مصلحة للشعب الموريتاني ما كان لأي كاتب موريتاني إلا أن يجعلها مصيبة ألمت بالشعب الموريتاني ويقول فيها إنا لله وإنا إليه راجعون ويصبرها لله، لولا أن كاتبا كتب - في المواقع في الأيام الماضية بمناسبة زيارة الأمير القطري لجيراننا - لينكئ هذا الكاتب جرحا غاص في قلب أكثر الموريتانيين حتى آخر شرايين التنفس في حياتهم في وطنهم.

 

وأخيرا فعلى رؤساء المسلمين أن يعلموا أن الشرع لم يعط أي وكالة لأي مسلم على مسلم آخر إلا على المصلحة الظاهرة، فالأب إذا كان سفيه النظر ولو في جزئية واحدة من تصرفه على أبنائه لا يسمح له بذلك التصرف لأنه وكيل على المصلحة فقط وما عدى ذلك يسمى غصبا أو استبدادا، فأي مصلحة للشعب الموريتاني في ربط العلاقات مع إسرائيل كما فعل الرئيس معاوية وأي مصلحة لموريتانيا في قطع علاقاتها مع قطر كما فعل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولكن لنا أن نتسلى بقوله تعالي: {وكان ذلك في الكتاب مسطورا}.