على مدار الساعة

مؤتمر حزب "تواصل" الثالث؛ الدروس والعبر

31 ديسمبر, 2017 - 15:47
د. محمد الأمين سيد المختار شعيب - عضو اللجنة التنفيذية للحزب سابقا وعضو مكتب المؤتمر

أود في البداية أن أزف التهنئة المستحقة لكل مناضلي ومناضلات حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" على عملهم الرائع ونجاحهم الباهر في مؤتمرهم الثالث، والشكر موصول لكل الموريتانيين والموريتانيات بمختلف توجهاتهم السياسية على تفاعلهم القوي مع هذه المناسبة التي شكلت الشغل الشاغل والعنوان الأبرز في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي وحديث الصالونات وراكبي سيارات الأجرة والحافلات... خلال الأسبوع المنصرم.

 

وسأقدم في هذه العجالة مجموعة من الملاحظات حول الدروس والعبر المستخلصة من النجاح الباهر لمؤتمر تواصل الثالث الذي اختتمت أشغاله نهاية الأسبوع الماضي.

 

الملاحظة الأولى:

رسم التواصليون في مؤتمرهم الثالث لوحة نجاح بالغة الجمال والروعة وودعوا عشرية حققوا فيها أداء مقدرا ومكاسب كبيرة؛ قوة في الانتشار والتوسع وحضورا في التعبئة والحشد وقربا من هموم الناس ومشاغلهم وأبانوا عن قدرات تنظيمية مميزة نالت الإعجاب والتقدير من الخصوم قبل الحلفاء والأنصار.

 

الملاحظة الثانية:

يرجع الفضل في هذه المكاسب والإنجازات بعد توفيق الله وعونه لجهود الرئيس المنصرف الأخ القائد محمد جميل منصور وحسن تدبيره وسياسته وتقديره الموفق للموقف والموقع الذي يناسب حزب تواصل ويحقق له الريادة والنجاح، رغم تحديات السياق وإكراهات اللحظة ودقة المسار، فمن كان يحلم بأن تواصل يمكنه الجمع بين موقعه المتقدم في صف المعارضة الديمقراطية ومكاسبه الكبيرة التي جناها من المشاركة في الانتخابات التي قاطعها حلفاؤه (وهم نادمون) هذه المكاسب المتمثلة في زعامة المعارضة والحضور المقدر في البرلمان والبلديات. أعتقد أن قوة التقدير السياسي للقائد محمد جميل منصور وصوابيته كانت لها الأثر الكبير في ذلك مع جهود إخوته من قادة الحزب ومناضليه الذين هم بلا شك قوة الحزب ونقاط ارتكازه.

 

الملاحظة الثالثة:

لقد انتابتني مشاعر متناقضة وأنا أتابع ما دبجه الخصوم قبل الحلفاء من ثناء وتقدير لتجربة القائد محمد جميل منصور وأدائه، ففي الوقت الذي أشعر فيه بالغبطة والارتياح وأنا أتابع هذه الشهادات رغم معايشتي لتجلياتها في الواقع، ينتابني شعور آخر مغاير حول مبررات هذا الثناء وتوقيته ولماذا نضطر غالبا لإخفاء المآثر والمحامد في لحظة الخصومة السياسية، وعن من يتحدثون؟ عن جميل القائد الذي ترجل تحقيقا وتكريسا لسنة التداول والتناوب لكنه لم ولن يخرج من المشهد وسيظل قائدا من قادة تواصل بغض النظر عن الموقع الذي سيحتله، أم عن جميل المستقيل أو المعتزل الذي تدون تجربته ويتحدث عنه بلغة الماضي والصفحة الأخيرة التي طويت (لا قدر الله، مد الله في عمره في وافر الصحة والعافية) وتسترجع ذكرياته من باب التاريخ والعبرة؟

 

مهلا أيها الأخوة، نقدر ثناءكم ويسرنا إعجابكم بالرئيس محمد جميل منصور، لكن لا تذهبوا بعيدا فهو قائدنا بغض النظر عن موقعه لم يستقل ولن يقال...

 

الملاحظة الرابعة:

لقد كان إسهام شباب ونساء تواصل وأطره ومناضليه عموما في نجاح المؤتمر بارزا ومقدرا وعلى مستويات عدة؛

1 - الدعم المادي حيث طلب الحزب من أطره الموظفين التبرع بثلث رواتبهم لصالح ميزانية المؤتمر وأسهم المناضلون كل حسب مستواه بتبرعات مالية وأطلقت مبادرات نوعية للتبرع لصالح المؤتمر من بعض الإخوة ومجموعات التواصل الاجتماعي، وكان دور نساء تواصل في هذا المجال مميزا كالعادة، حيث جدن بحليهن وأغراضهن الخاصة لصالح المؤتمر وما تزال صورة الجمل الذي أهدته إحدى الأخوات للجنة المالية للمؤتمر ماثلة في الذهن وغيرها كثير...

 

ويكفي للتعبير عن مستوى تضحية وبذل التواصلين في هذا المؤتمر تصريح رئيس لجنة النقل بأنهم استلموا 200 سيارة تطوع بها أصحابها لنقل المؤتمرين من بينها سيارات فارهة استخدمت في نقل الضيوف الأجانب، وكيف أنهم لم يحتاجوا لتأجير سيارات طيلة أيام المؤتمر. وتعرفون حجم المبالغ التي تصرف عادة في مثل هذه البنود.

 

2 - التعبئة النشطة للمؤتمر ولحملة الانتساب الممهدة له واستخدام أساليب جديدة وتوظيف وسائط التواصل الاجتماعي في هذا المجال وهو ما أعطى للمؤتمر زخما إعلاميا غير مسبوق كسر روتين جمود الساحة السياسية ورتابتها.

 

3 - مستوى التنظيم الرائع (رغم تسجيل بعض الملاحظات) الذي أدار به شباب ونساء تواصل جميع محطات هذا المؤتمر رغم تحدي تسيير جموع وصلت في بعض الأوقات درجة الفيضان وفي مكان ضيق بذلت كل الجهود لتوسعته (تم تأجير قصر المؤتمرات أولا وهو أكبر مكان لتنظيم الأنشطة في العاصمة ثم أضيفت إليه خيمة القمة ومع ذلك غصت الممرات والساحات بجموع كبيرة لحظة افتتاح المؤتمر لم تجد لها مكانا في القصر أو الخيمة وهو ما أربك المنظمين والجهات المشرفة على تأمين القصر.

 

الملاحظة الخامسة:

من علامات نجاح مؤتمر تواصل الثالث كذلك تميز ونوعية ضيوفه من الداخل و الخارج، فداخليا نجح التواصليون في جمع كل ألوان الطيف السياسي تحت سقف واحد رغم حدة الاستقطاب في البلد هذه الفترة، أما خارجيا فقد ازدان المؤتمر بحضور قادة بارزين يتقدمهم القائد المجاهد أبو الوليد خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس من فلسطين ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو من تونس ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في المغرب د. سليمان العمراني وقادة بارزين من الجوار الإفريقي من السنغال وغامبيا ومن ليبيا والجزائر والسودان..

 

وهو ما أتاح الفرصة لتنظيم أنشطة موازية ومتزامنة مع أشغال المؤتمر أنعشها هؤلاء الضيوف وأتيح حضورها للجميع..

 

الملاحظة السادسة:

جسد التواصليون في هذا المؤتمر قيمة جديدة جسدت ما عبرت عنهم النصوص المنظمة للحزب منذ نشأته وهي قيمة التداول والتناوب على القيادة، ورغم حداثة الحزب نسبيا ورمزية وكاريزما الرئيس المنتهية مأموريته إلا أن التواصليين اختاروا التضحية بذلك في سبيل تكريس وتجسيد التناوب وقدموا درسا للطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها جدير بالنظر والاعتبار، ونجحوا في تجاوز تحديات هذا التحول ومنعرجاته، حيث تم بمرونة وسلاسة فاجأت التواصليين أنفسهم.

 

الملاحظة السابعة والأخيرة:

لم يكن تكريس التداول والتناوب مظهر النجاح الوحيد لمؤتمر تواصل الثالث وإن نجح في خطف الأضواء واهتمام الإعلام، بل إن نجاحا آخرا لا يقل أهمية حققه التواصليون في هذا المؤتمر تمثل في مراجعة نصوص الحزب ووثائقه وتحديثها لتواكب المرحلة المقبلة ومتطلباتها ومكانة الحزب وموقعه، فتم استحداث هيئات جديدة (مجالس شورى جهوية تضطلع بدور مجلس الشورى الوطني في الولايات وتتيح مستوى من التمثيل المتوازن لها في هذا المجلس وهيئة تحكيم تتولى البت في التظلمات المقدمة من أعضاء هيئات الحزب وتسوية ما قد يحدث من تنازع ومؤسسة الرئاسة التي تتشكل من الرئيس ونوابه وتضمن مستوى من مؤسسية العمل وتوزيع الأدوار..) ومراجعة الهيئات القائمة من حيث الأدوار والوظائف ومعالجة الثغرات الملاحظة وذلك لتمكينها من القيام بالدور المطلوب منها على الوجه الأكمل والاستعداد الجيد للاستحقاقات القادمة.

 

وتمثلت الإضافة النوعية لهذا المؤتمر في وثيقة "إعلان السياسة العامة للحزب" التي صدرت عن المؤتمر لأول مرة بعد أن حضرت بعناية من طرف كوكبة من الخبراء والأكادميين والسياسيين والإعلاميين لتكون الموجه والمحدد للخيارات الكبرى للحزب في مختلف المجالات على أن تفصل أكثر في برامج ومشاريع عندما تتاح فرصة تسيير الشأن العام لتواصل والتمكين له في المستقبل الواعد بإذن الله.

 

وتنضاف هذه الوثيقة إلى جملة الوثائق والرؤى التي أصدرها الحزب (الرؤية المرجعية، رؤية الحزب للوحدة الوطنية، رؤية الحزب لمعالجة مشكل الاسترقاق...) وهو ما يعبر عن قوة القدرة الاقتراحية لحزب تواصل وتحوله من مرحلة الشعارات والمبادئ العامة إلى مرحلة الرؤى والبرامج.

 

تلكم عناوين نجاح مؤتمر تواصل الثالث وأبرز النتائج التي أسفر عنها ومحددات وعوامل ذلك النجاح، ويمكن القول باطمئنان كبير إن الحزب استطاع من خلال مؤتمره الثالث المتوج لعشريته الأولى أن يقدم نموذجا يحتذى ومثالا حيا للأحزاب الجادة من حيث قوة البناء التنظيمي والمؤسسي ووضوح الرؤى والبرامج وتكريس التداول والتناوب وهو ما من شأنه أن يضمن لحزب تواصل تحقيق الريادة والتمكين في المستقبل الواعد بإذن الله.

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.