على مدار الساعة

المحاصصة ليست الحل لكن المغابنة أنكى! (1)

5 يناير, 2018 - 16:29
الأستاذ: سيد المختار على

تبدو قضية العبودية كما لو كانت لغزا أو طلسما بدى وأن كل السيوف التي وجهت له حزت في غير مفصل - إن كانت وجهت له حقا - ونظرا لحساسية الموضوع وتقاطعاته المختلفة ما زال مادة دسمة وتربة خصبة للتوظيف والاستغلال إلى يوم الناس هذا إلا أن ذلك لا ينفي وجود شخصيات وهيئات وأحزاب حملت وما زالت تحمل هذا الهم الوطني وتبذل في سبيل القضية كل غال ونفيس فمن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.

 

وقد تباينت الاقتراحات والحلول الرامية لتجاوز المشكلة وقد قرأت مقالا يرى فيه كاتبه أن المحاصصة ليست حلا وأن دعاتها مجرد انتهازين تحركهم دوافعهم الذاتية مستشهدا بأمثلة صادمة مستقاة من الواقع التجريبي الموريتاني وقد يكون في الأمر شيء من الصحة لكن لا يمكن تعميمه فهناك وجوه ناصعة و أياد بيضاء من هذه الشريحة تسكنهم القضية بآلامها وتباريحها فلو أتيحت لهم الفرصة لأجادوا وأفادوا خاصة بما يتعلق بالمفوضية المكلفة بالموضوع والمرا فق العمومية ذات الصلة فمن مورس عليه الاستعباد أو على أبيه أو جده وذاق مرارة الظلم والحيف وترنح بين دهاليز الفقر والتهميش لن يكون كغيره وإن كان قلبه قد من حجر! يقول نزار قباني:

 

يا من يعاتب مذبوحا على دمه *** ونزف شريانه، ما أسهل العتبا

من جرب الكي لا ينسى مواجعه *** ومن رأى السم لا يشقى كم شربا

 

وكما يقول مثلنا الهجي {خبط ما هي فيك كيف أللي فاجدر}

 

قدم كاتب المقال بدائل لا تخلو من وجاهة ونضج ونحن رغم عدم تعلقنا بالمحاصصة فإننا نعتقد أنها أفضل من الاستمرار في المغابنة إن صح التعبير إن كان لا بد مما ليس منه بد. ونعتقد جازمين أن قضية الاسترقاق لا تخص السلطة وحدها بل تعني الدولة بما فيها نحن أفرادا وجماعات وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، وفي رأي المتواضع أن المعالجة الرصينة لهذا الملف لن تتم إلا إذا تمكنا من تجاوز عتبات هامة من بينها:

1- العتبة الدينية: أي نزع الغطاء الديني عن الموضوع حيث دأب التقليد الفقهي الموروث على تكريس ممارسة الاستعباد ورعايتها باسم الدين الذي ينسب إليه التميز بين الحر والعبد فالأول سيد بشكل تلقائي أوتوماتيكي بلا نكد ولا نصب والثاني مسود معيب بلا ذنب ولا جريرة اقترفها إلا أنه أسر في حرب أو أنه ابن لعبد وبذلك يؤسس هؤلاء لتراتبية اجتماعية موروثة لا دخل للأفراد فيها ومن تأفف عن هذا فكأنما يشاد الدين ومن شاد الدين غلبه، بل إن العقيدة الجبرية تعتبر الاستسلام للواقع باعتباره قدرا نوع من العبادة وبذلك يتم التمكين لثقافة ثبيط الهمم والإحباط وتنسد السبل والمخارج أمام الضحايا وهذا يعني استقالة الإنسان والحكم عليه بالفشل قبل أن يلج ساحات الوغى ويواجه الوقائع ولذلك فلا غرو أن يقال بأن الجبر عقيدة الملوك والسلاطين والطغاة الذين يحاولون التنصل من تبعات أفعالهم. هذا في الوقت الذي يتناسى فيه أصحاب السريات الكبرى أو النصوص الثواني أن الرسالة المحمدية جاءت لتحقق أغراضا على رأسها ضرب البنية الاجتماعية القائمة وتغير السلم القيمي المعتمد لذلك واجهت قريش الدعوة وحاولت إجهاضها بكل الوسائل فمنطق قريش الأعرج لم يقبل المساواة الهندسية بين بلال بن رباح وأمية بن خلف ولم يقبل اعتبار العمل والتقوى أساس المفاضلة والأكرمية فلهذه الثقافة القائمة على الشعور بالعظمة الزائف وحيازة الأفضلية وإغلاق حدودها على علية القوم دون سواهم كلاب حراسة بتعبير بول نيزان يجادلون ويجالدون عنها ويسهرون على توطينها واستنباتها. إن مجتمعا يتكئ على تراث يزخر بهذه الأدبيات وتسري فيه مفاعليها معاندة لنصوص الشريعة الصريحة والصحيحة لن يتنازل بسهولة أصحاب المنفعة فيه عن صياصيهم وعروشهم - وإن كانت من ورق - إلا بعد حرق جميع سفنهم ومراكبهم. إننا بحاجة فعلا إلى التخلص مما يسميه فرنسيس بيكون أوهام السوق والكهف والمسرح والقبيلة وكم نحن بحاجة إلى قراءة الغزالي ولكن ليس في بعده الإشراقي العرفاني بل في حسه الفلسفي المتمرد الثائر عندما دعا إلى ضرورة كسر زجاجة التقليد واعتمد في منهجه المساءلة وتعرية المسكوت بلغة فوكو. {وإذا قسوة على العروبة مرة   فقد تضيق بكحلها الأجفان}. إن هذه القلاع الكرتونية والأمجاد الوهمية تتحصن بأقنعة دينية ولن تتعرى وتنفضح إلا إذا صرح من يدعى حيازة الحقيقة الدينية والوصاية عليها {الفقهاء – الدعاة - رجال الدين - الوعاظ...} للجميع وأمام الجميع في شكل حملة تحسيسية تجوب أدغال البلاد ونقاطها القصية وترصد لها أموال وتخصص لها برامج إعلامية تنورية بجميع اللغات الشعبية فالظاهرة وطنية عامة ويحرص فيها على أن يكون البث شاملا لكل مناطق البلاد وبلغة عامية مفهومة مفادها أن الإسلام بريء براءة الذئب من دم يوسف مما ألحق به من القول بالعبودية في هذا الوطن الحبيب.

 

وإذا كانت المحاصصة ليست الحل فالاستمرار في المغابنة أنكى!.

 

 - يتواصل إن شاء الله -