على مدار الساعة

السياسة بطعم "الماضوية" الآثمة

10 فبراير, 2018 - 09:36
الولي ولد سيدي هيبة ـ كاتب صحفي

المتتبع بحياد و موضوعية للحالة السياسية في البلد لا بد أن تسترعي انتباهه حالة اليأس الواضحة لدى كل أحزاب المعارضة إلا من أتى "الواقعية" القسرية بـ"قلب سليم" من الطموحات المفرطة ووقف عند عتبة الرّضا بالتمتع بالبقاء في حيز الوجود، وحالة الإحباط المزمنة لدى أكثر أحزاب الأغلبية من الدرجتين الثالثة والرابعة بحساب ضعف الربح من قيمة "المشتهى" الأصلي في الانخراط و التأييد والولاء.

 

و إنه هكذا يتكشف المُعطى الماثل على أرضية الواقع و المنطق القائم الذي تفرضه الحالة السياسية العامة بما يعتريها من:

 

·        ضعف النضج رغم التجربة الحزبية منذ ما قبل الاستقلال في البلد و قد تجاوز عمرها أزيد من سبعة عقود،

 

·        و شدة التقوقع و الانحسار في عقلية اجتماعية استعصى تغييرُها على أصحابها أو بالأحرى هم من يجعلونها بإرادتهم عصيّة على الالتحام بالمفهوم الحضاري للعمل السياسي البناء في سياقات الحداثة، و إبقاءً متعمدا منهم على وضعية "السيبة" و تقسيماتها القبلية و الطبقية و الشرائحية.

 

فالتنظيمات السياسية بأسمائها التي تبدو ملتحمة بمفاهيمية الحداثة و اعتبارات الدولة المركزية في قالب الجمهورية و بأطرها التنظيمية المتسامية على ما سوى "المواطنة" - ذاك الخيار العالمي في كل القارات - لا تستجيب، على النقيض من ذلك، في واقع حال البلد إلا لعقلية الماضي بكل ملمحيته و تراكمات حمله المتعارضة في الجزئيات و الكليات مع مضامين و سياقات و توجهات العصر و علاماته المتحررة من تسلط الأفراد و من ثوابته و مقاصده كذلك؛ ضدان متنافيان يَعني استحكام أي منهما انتفاء الآخر.

 

فعلاوة على كون أغلب الأحزاب القوية بالإجماع أحزاب "مشخصنة" بأيدي أفراد يوجهونها حيثما يريدون بحسب مزاجيتهم يثيبون فيها أهل الولاء و يطردون منها أهل البراء و الجفاء حتى باتت تُعرف بأسماء أصحاب من رخصوا لها، لا بأسمائها القانونية لتسجل أنشطتها في مضمار النفعية و الانتهازية و الصراع على السلطة مطمعا و هدفا و غاية دون الوطن و مواطنيه إلا أن يكون هؤلاء مَطية لكِبرهم "السيباتي" و تمردهم الداخلي على النظام و رفضهم الضمني و عدائهم السلوكي الممنهج للعدالة بين الجميع.

 

كما لن يفوت المتتبع المهتم ما هو ماثل للعيان من ضعف مردودِ جُملة أحزابِ الأغلبية ميدانيا و الحزب الحاكم، بالتململات الداخلية فيه و الصدمات خارجه، دون الجهاز التنفيذي للدولة من خلال نشاط وزرائه السياسي فوق مهامهم الوزارية البحتة على خلفية الانتماء له في المبتدأ و الوصول منه إلى الكرسي الوزاري ثوابا و تتْويجا.

 

و ما بين أغلبية تساق بطمعها و استاتيكية "غياب الخطاب" و ضعف العمق الجماهيري لديها و تقوقعها وراء اعتبارات المنظومة الاجتماعية الراسية في صلب "الماضوية" الآسنة و مسلكياتها الحاملة كل مساوئ التناقض السلبي، و بين  و معارضة بنفس الخلفية الاجتماعية و ذات ضعف الخطاب السياسي و غياب البرامج العملية و المحفزات النضالية و الحضور الجماهيري الكثيف، يمر البلد بحالة من الفراغ السياسي - الغير المثمر - و تزداد بضعف الغياب عن وجهة السياسة الأولى و الأخيرة في البناء و نشر العدالة و تبوء مكان أمين في مصاف الأمم.

 

فهل تأخذ السياسة في البلد وجهها الصحيح و لا يخوض غمارها إلا كل وطني جدير وراءه كم غفير من الجماهير و بجعبته من حب الوطن الكثير ينثرة في كل أرجائه حراكا ميمونا و خطابا مقنعا مسموعا و عدلا مرفوعا و عملا ميدانيا ملموسا و بُعدا عمليا عن مثالب عقلية الماضي "التقسيمية" للمجتمع بين رفيع و وضيع و مقدم و مؤخر؟