على مدار الساعة

رحيلُ  النَّخيل..!!

12 فبراير, 2018 - 11:44
 بون ولد اميده - مسرحي وصحفي

تناهى إلى سمعي خبرُ رحيل الأيقونة كابرْ هاشم، أولَ الأمر أقنعتُ نفسي أنها كذبةٌ كبرى اختلقها أحدهم، لكنني بعد سويعاتٍ من التحري أيقنتُ أن سيدَ الحرفِ والصابرين والمُتقين قد انتقل إلى جوارِ ربه، وأن دولةَ الشعرِ هُدت أركانها بعدما توارى عن أنظارنا فارسُها الذي ناطح العلياء وهيئ لشعبها من سدنة الحرف كل أسباب النجاح.

 

اليومَ وأنا أتلقفُ أخبارَ الرحيل أدركت أن كابر كانَ صادقاٌ حين قالَ إن النخل يموتُ واقفا، وإن الرجال مواقف، وإن المُدثرين بالرفعة لن ينالَ منهم خونةُ الحرفِ والتاريخ.

 

تعرفتُ على حرفِ الرجل من خلال قصيدته "حدَّث النخلُ" التي حفظتها قبل أن أكمل العاشرة من عمري لأتلوها عليه بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ في مقر "اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين" ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلتي مع الرجل الذي جعلني من "المُقربين"، دليلُ ذلك أنه كان يخُصني – دون غيري- بقراءة نصوصه في المحافلِ الرسمية، وكنتُ حين أطلبُ منه الاستماع إلي "للتَّدقيق" يردُ بالقول ما اخترتُك إلا بعد "تدقيقِ".

 

حين كان يشرفُ على مهرجان اتحاد الأدباء كان يقولُ لي هذا "موسمُ الكيطنة" فهل أملكُ من الشجاعةِ حرمانَ أحدٍ منه، تلكَ ليستْ أخلاقَ "أهل النخيل"، وقد صدق وأوفى وخرجَ من الاتحاد طاهرا كما دخله أولَ مرةٍ.

 

لا أتذكرُ البتة أن الرجل تنكرَ لأحد، ولا خان أحدا، ولا طعن في الظهر كما يفعل أهل الشعر في هذا المنكب، كان كابر – رحمه الله – خيلا تسابقُ الريح، ومجدا تليدا شيده بأخلاقه التي وسع بها الناس جميعا، كان استثناء في زمن التشابه، كان كابر نصيرَ الضعفاء والمحرومين والحيارى، والوحيد الذي تلقف شعر الأجيالِ الجديدة بالاحتفاء عكس من جحدوا فضل الجديد وتميزه.

 

بهي الطلعة والطلة سيدُ الصابرين يودعنا اليوم – إلى جنات النعيم - تاركاً ورائه تاريخاً حافلا بالفتوحات، وسيفا شعريا صقيلا حاربَ به الدخلاء والأدعياء والمنتشرين في سوح الشعر جراداً لا يبقي ولا يذر، يتركُنا كابر بعدما ضرب لنا في بحر الشعر اللجي طريقا يبسا لا نخافُ فيه دركاً ولا نخشى غرقا..

 

رحم الله من ساسَ دولةَ الأدب بالأدب وإنا لله وإنا اليه راجعون..