على مدار الساعة

التكوين المهني.. الحاجة إلى إستراتيجيات جديدة

13 أبريل, 2017 - 16:03
محمد فال ولد يحي

قبل أيام قليلة التأم في بلادنا أول مؤتمر عربي حول التكوين التقني والفني، وهو بحسب القائمين عليه يعتبر المؤتمر التأسيسي لإعادة النظر في إستراتيجيات التعليم التقني والفني في العالم العربي، فكرة المؤتمر ليست وليدة صدفة، فالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هذه المنظمة التي تشرف منذ نشأتها على كل ماله علاقة بالتربية والتعليم والثقافة في الوطن العربي، استشعرت ضرورة التفاعل مع التكوين المهني والتقني على اعتباره أحد مكونات التعليم، وهكذا استشرفت المنظمة ضرورة انعقاد مؤتمر تأسيسي، بادرت نواكشوط بقبول استضافته ودعت إليه بقية الدول العربية، رغم أن التعليم والتكوين التقني في تلك الدول على مستويات مختلفة، مثلا بعض الدول لديها مؤسسات مستقلة تدير قطاع التعليم والتكوين المهني مثل السعودية، والبعض لديه وزارة قائمة بذاتها مثل تونس والجزائر البعض الآخر لديه وزارة مكونة من قطاعات يشكل التعليم التقني أحدها كما هي حال بلادنا، والبعض الآخر لديه مديرية تتبع للقطاع التربية والتعليم كحال فلسطين وقطر.

 

خلال المؤتمر تم التعرض لتشخيص واقع التعليم والتدريب المهني في العالم العربي من حيت نقاط القوة ونقاط الضعف وكذلك الفرص المتاحة والتحديات التي تعيق سير العمل المشترك، كما تم توصيف منظومة التعليم الفني في كل دولة من حيث نظام التعليم المهني وهياكله وشروط الالتحاق.

 

كذلك تم التطرف في بعض الورقات المقدمة إلى المؤتمر لمستقبل المهن ومتطلبات ومتغيرات أسواق العمل العربية، هو أمر في غاية الأهمية فمخرجات التكوين والتدريب ستكون عالة على الدولة إذا لم تكن هي نفسها مدخلات سوق العمل، أعجبتني هنا مداخلة الجانب التونسي الذي ذكر أن الدولة وضعت في الحسبان رصد "تكاليف العاطلين عن العمل" وهي مقاربة جيدة ففي بعض جزئياتها يمكن للدولة معرفة ورصد بعض المصادرة التي يمكن استغلالها وعلى رأسها الموارد البشرية القادرة على الإنتاج وخلق أنشطة ليست فقط مدرة للدخل بل أيضا يمكنها خلق فرص عمل ومناخ أعمال (الأعمال البسيطة تخلق مناخ أعمال كبيرة).

 

التعليم والتكوين المهني في موريتانيا ذلك القطاع الفتي والذي حسب القائمين عليه كان تحت وصاية التعليم الأساسي إلى عهد قريب حيث استحدث له وزارة خاصة به وتشكلت مكوناته الأساسية والتعليمية وكذلك هياكله التكوينية، وهكذا أبصرت النور عشرات المراكز في أرجاء الوطن، وعدة ثانويات فنية وتقنية ومراكز التعليم في المستويات العالية.

 

لكن هذا قطاع الحيوي ورغم كل الاستثمارات والمجهودات التي بذلت، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من الجهود ليكون على المستوى المنشود له، ضمن إستراتيجية وطنية طموحه، وسنتطرق هنا لبعض النقاط الأساسية في معالجة سريعة يمكن الرجوع إليها لاحقا بتفاصيل فنية أكثر دقة في مقالات لاحقة إن شاء الله تعالى.

 

هذا القطاع الفتي لا يزال بحاجة إلى رؤية موحدة على مختلف المستويات في التكوين التقني والفني والمهني، مصطلحات يضيع في أفقها ملامح الهدف المشترك، وتتلاشي الرؤية، كما أن غياب بعض الموارد الأساسية مثل صناعة الأعمال وبرامج التشغيل الذاتي وبرامج الشراكة بين القطاعين كلها جملة أساسيات تعيق الجهود المبذولة في النهوض بهذا القطاع.

 

أيضا، غياب الإطار التشريعي في أعلى هرم التكوين التقني والمهني يؤثر سلبا على هذا القطاع فغياب أو عدم تفعيل النصوص التنظيمية في ما يخص بعض الشهادات والاعتراف بها – homologation - يعيق العمل عليها كمخرجات ذات قيمة فعالة، وكذلك الحال في ما يخص النصوص التنظيمية لسير عمل المجلس الوطني للتكوين التقني والمهني.

 

كما أن غياب أنماط التكوين الملائمة في القطاع تضيع الكثير من التكاملية المرجوة، ففي عصر التكنلوجيا الحالي تنتقل الكثير من القطاعات إلى حيث توجد مخرجاتها وهى أساليب حديثة للارتباط المباشر، فعدم تكاملية القطاعين تحول دون ذلك لكن لا يمنع من أن توجد مؤسسات تدريبية داخل المنشأة وأماكن العمل المباشر (نقل مراكز التدريب إلى بيئية العمل مناطق الصناعية والمصانع) أو وجود بدل التكوين بالتناوب المعمول به في بعض دول الجوار حيث يمضى المتدرب بضعة أيام في المراكز والأيام الأخرى يمضيها في المصنع أو الورشات العملية.

 

غياب برامج ومسالك التكوين المستمر للمتخرجين بما يؤهلهم لمواكبة التطور الحاصل في الإنتاج التكنلوجي والصناعي هذه الجزئية تحتم أيضا تكوينا مستمرا وتحسين مستوى الطاقم التدريبي من المكونين والأساتذة وهى برامج يجب أن تكون أولوية بالنسبة للقائمين على القطاع.

 

البنية التحتية أيضا لها نصيب كبير فهي الواقع الفعلي للتعليم والتدريب وفى هذا البند تندرج البرامج التعليمية والتجهيزات والمسالك التدريبية بناء على تلك البرامج، كذلك برامج تعاون تتيح فرصة نقل المعارف والتكنلوجيا، وليس نقل "مقتنيات" حتى لا تضيع الجهود ضمن ترتيب الأولويات.

 

أقل من خمسمائة مكون وأستاذ هم الطاقم التعليمي والتدريبي في هذا القطاع، ورغم ذلك لا يزال المكونين والأساتذة غير قادرين على العطاء من ناحية العجز المترتب على ضعف التعويض والرواتب ومن ناحية أخرى ضعف التكوين المستمر وبرامج التحسين وأنظمة المؤامة وكذلك برامج تحسين الخبرات.

 

إن الأولوية الآن لإنشاء مركز تكوين للمكونين باتت أكثر إلحاحا، حيث سيمكن هذا المركز الدولة من الاستفادة من الموارد المالية التي تصرف ضمن برامج أو قروض وغيرها من المصادر التمويلية، كما سيمكنها من وضع آلية دقيقة للتكوين وبرامج تكوينية تواكب المتطلبات وتوفر حدا أدنى من تكوين المكونين.