على مدار الساعة

خطاب وادان.. ثلاث مسائل جوهرية وفصل جديد في دولة المواطنة

13 ديسمبر, 2021 - 18:31
أ. د. أحمد سالم مايابى

على إثر التنابز والتلاسن الذي طبع الساحة السياسية تابعت نقاشا محتدما على الفيسبوك، يمجد بعض المشاركين فيه صحوة المعارضين المتأخرة، وخروجهم عن صمتهم الذي طال، علق أحدهم قائلا:

 

في أول خرجة إعلامية لفخامة الرئيس سيلتئم الشمل وتعود الأمور لنصابها....

 

وفعلا كان الأمر على ما وصَف، فقد توحدت موريتانيا مجددا في وادان، وارتبط الماضي بالحاضر تمهيدا لمستقبل مشرق بإذن الله.

 

***

لقد وضع فخامة الرئيس غزواني حدا لسجال غير مثمر بخصوص الطبقية والشرائحية والأحساب والأنساب، وبشكل صريح، أكد فخامته أن الانتماء للدولة هو المرجعية الأولى والأخيرة في الحقوق والواجبات.

 

وأن هذا مبدأ أصيل:

- في الشرع الإسلامي إذ "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وكلكم لآدم وآدم من تراب"، فليست في الإسلام ثنائية الشريف والوضيع، و"من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

- وفي مفهوم الدولة الحديثة، حيث تُعتبر المواطنة هي "مناط الحقوق والواجبات" مع ما يقتضيه ذلك من تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين من مختلف الشرائح والمكونات.

 

ومن هذا المنطلق دعا فخامة الرئيس غزواني إلى الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد هذه الأيام، وشدد على أن الدولة لن ترتب حقا أو واجبا إلا على الانتماء الوطني.

 

بيد أن الرئيس لم يكتف بالتأكيد على المفاهيم الشرعية والقانونية في هذا الجانب، بل جدد انحيازه للشرائح المهمشة وأعرب عن عدم رضاه بالغبن والظلم الذي وقع عليها على مر العصور. ثم تعهد بأن تضمن الدولة الكرامة والحرية لجميع مواطنيها وأن تعاملهم جميعا على قدم المساواة.

 

---

إذن، لقد دشن الرئيس من وادان فصلا جديدا في دولة القانون والحق ووجه رسالتين:

الأولى، للذين يرون لأنفسهم الفضل على الغير انطلاقا من أعراقهم وأنسابهم وأحسابهم، وقال لهم: لستم على حق فالمواطنة وحدها هي معيار الحق والواجب.

 

الثانية، لضحايا التهميش والغبن الاجتماعي والأحكام المسبقة وقال لهم: كرامتكم مصونة وحريتكم مضمونة والدولة بجانبكم إلى أن يزول عنكم الظلم والحيف.

 

هذا عن الفصل الجديد، أما المسائل الجوهرية فهي:

1. بدا الرئيس غزواني في خطاب وادان متابعا لنبض الشارع وعلى وعي بالسجال الاجتماعي والحقوقي وبالهموم التي تؤرق المواطنين.

 

وهذا أمر جيد، ويعكس أمرا إيجابيا هو أنه يقظ يقظة تمنع من أراد من أعوانه حجب آهات الناس وهمومهم عنه.

 

2. إعادة ضبط المشهد السياسي

لقد تجلى في مهرجان وادان قدرة فخامة الرئيس على رأب التصدع في الساحة السياسية، فحضرت الأغلبية والمعارضة بيمينها ويسارها والمستقلون والمحسوبون على الرئيس السابق.

 

وقد رأينا كيف استوعب الحدث كلا من المنادين بإنهاء التهدئة السياسية والداعين لدق ناقوس الخطر.

 

ومن الجدير في هذا الصدد التذكير بأن المعارضين كلهم يشيدون بأداء الأجهزة الحكومية.. وبالتالي فإنه لا مبرر لأن يكتب أحدهم مقالا عن "خيبة المعارضة من أداء الحكومة".

 

3. المهرجان مهرجان تنموي وليس مجرد مناسبة فلكلورية

إذ رصدت حكومة الرئيس غزواني ثلاثة مليارات لحل مشاكل المياه والكهرباء في وادان وبناء السدود وزراعة النخيل ودعم الأسر على البقاء في هذه المنطقة.

 

وعليه، فإن المهرجان ليس مناسبة فلكورية وإنما كان في جوهره ورشة لتنمية مدينة عريقة طالما تضررت من النسيان والإهمال.