على مدار الساعة

منظمة الـ"CEDEAO" في ورطة! كيف لها النزول من أعلى الشجرة؟

2 فبراير, 2022 - 21:20
محمد ولد شيخنا

تاريخيا وجغرافيا يبدو التكامل جليا بين  موريتانيا ودولة مالي من الناحية البشرية وكذا الاقتصادية.

 

أكثر من ذلك يبدو الترابط وثيقا إلى حد درجة متقدمة من الإعتماد المتبادل الكثيف وعلى جميع الأصعدة مما يولد الاعتقاد بمصير واحد كما لو كان البلدان شقيقين "سياميين" أي ملتصقين  فهما: (موريتالي) أو (ماليتاني).

 

كثيرا ما يتحدث محبو موريتانيا وخصومها، على السواء، عن ظاهرة "الإستثناء الموربتاني" في شبه المنطقة.

 

ويرجع البعض ذلك، بشكل له ما  يبرره، إلى أسباب "ما ورائية" كشيء من "البركة" خص الله به هذا البلد!

 

غير أن هذه "البركة" المزعومة تبدو ولحسن الحظ في هذه الأوقات كما لو كانت تتشاطرها معها الجارة "مالي".

 

وقد يعود ذلك لكونهما - ربما - يغترفان من نفس المشكاة ويتشاركان نفس المصادر الروحية والغيبية.

 

بشكل مشروع ومبرر تستند دولة "مالي" الحالية إلى ميراث مجيد وتالد، إذ كانت مهدا لإمبراطوريات إفريقية عظيمة كما أنها الوريث، شبه الحصري، لحضارات أسطورية باقية الأثر. ومن الغريب أنه وكما كانت في الماضي فلا تزال هذه الدولة  في الوقت الحالي ذات حضور ونفوذ مدهشين. لقد رأيناها مؤخرا، تعطس في وقت من أوقات الضيق، فإذا هي تنشر الزكام والحمى في كل أرجاء الإقليم.

 

لا أحد ينكر أنها دولة حبيسة أو على الأقل لا تملك منفذا بحريا إلا أنها مع ذلك تلعب دورا حيويا كجسر رابط وكحلقة وصل بين الأجزاء.

 

والأهم أن بوسعها، في نفس الوقت، أن تكون إما خميرة الإصلاح أو صاعق التفجير لما حولها. 

 

لقد شكلت إجراءات "الحصار" التي فرضتها المنظمة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية (CEDEAO) بشكل متضامن مع  الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) ضد دولة مالي عملا متهورا لم يأخذ في الحسبان وكما ينبغي الوزن المادي و"الجغراسي" لهذه الدولة ذات الموقع المركزي في شبه المنطقة.

 

 وتلك ورطة تنم عن عقلية "تعجل مغامر" حتى لا نقول نقصا صارخا  في التبصر والقراءة السليمة لمعطيات اللحظة والخريطة.

 

فعلى سبيل المثال يوجد في "باماكو" و"كناكري" نظامان صنوان ويجمعهما الكثير  ، لذا فقد عمدا إلى انتهاج سبيل التضامن الكامل والحاذق، دفعا عن كليهما غوائل مصير "الثور الأبيض"  في الأسطورة المشهورة. 

 

واللافت أن هذا التضامن الفاعل لم يسمح فقط بالإفشال الجزئي للهدف المنشود من "الحصار" وإنما قد يتجاوز مفعوله إلى قابلية الارتداد السلبي على المنظمة الإقليمية نفسها التي إن رامت المكابرة في المستقبل - وهو أمر مستبعد - بتصعيد المواجهة مع الثنائي ( المالي/الغيني) الذي تمتد أراضيه من الحدود الجزائرية وحتى الأطلسي، فإنها قد تجد نفسها، في وضعية انفصال خطرة (4 دول في جانب والبقية في جانب آخر) وبدون أي تواصل جغرافي وذلك فيما  لو أغلقت الدولتان حدودهما أو انسحبتا كليا من المنظمة الإقليمية. 

 

عندها يمكن التساؤل: من  سيحاصر الآخر ويضره أكثر في مثل تلك الحالة القصوى؟

 

والأسوء من كل ذلك، فهي التطورات الأخيرة في "بوركينا فاسو" المجاورة والتي عمقت الجرح وضاعفت الأشجان وذلك ليس فقط لكون هذه الدولة هي مقر منظمة (UEMOA) وإنما لأن ذلك يعني  تمددا إضافيا  في "الستار الحديدي للخوذات".

 

فبالقيمة المطلقة ومع مراعاة الظروف والخصوصيات فهناك الآن "جدار من الجزمات العسكرية" يكاد ينغلق ممتدا من البحر الأحمر (السودان) إلى ضفاف الأطلسي (غينيا كناكري).

 

وبالنسبة للغرب الإفريقي فيمكن إرجاع هذا الوضع القلق إلى تضافر مزدوج لعوامل خارجية وأخرى داخلية:

1. فقوى الهيمنة التقليدية تمر حاليا بأوقات عصيبة من التراجع  والانحسار في خضم عالم  يعيش طور تحولات عميقة متسارعة، وربما لا تزال تراودها أوهام 

"الاستئثار بالثمن والمثمون" التي ولت وفات أوانها  ولا سيما في حضور البدائل المتحفزة  والتي تقتصر عروضها على قبض الثمن لا غير.

 

2. لا تبدو الديمقراطيات  الإفريقية التي لا زالت  في معظمها تحبو وتتسم بالهشاشة وبعضها ينخرها الفساد، قادرة كلها على تقديم الاستجابة الدائمة المناسبة للتحدي "الجهادي".

 

وبالتالي فإن القادة الشباب الذين يقودون على الميدان المعارك، مخاطرين بأرواحهم، يتولد لديهم أحيانا الإحساس بعبثية التضحيات لأنهم يشعرون كما لو كانوا محاصرين بين العدو "الجهادي" الماثل أمامهم وخذلان الظهير السياسي من خلفهم والذي عادة ما يكون مسترخيا أو مستغرقا بالحسابات الضيقة والمناكفات الجانبية.

 

وتكون الغرابة المحزنة حينئذ  في تولد القناعة لدى البعض بأن الطريق لكسر الطوق أو للخروج من  هذا المأزق إنما  هي في الاشتغال أول الأمر بما يلمسونه من "سكونية"  (الصديق/الخصم ) في العاصمة قبل أي شيء آخر!!

 

وللمفارقة فهذا المنطق  يلتقي بل ربما يكون الوجه الآخر لمنطق قائم لدى الخصم "الجهادي" نفسه.

 

فبعض من التيارات "الجهادية" ينسب لها الاعتقاد بأولوية محاربة "المنافقين" من المسلمين (العدو القريب) قبل الكفار أنفسهم (العدو البعيد)!

 

وتطرح موجة الحميا الحالية في إفريقيا إشكالا جوهريا للجميع.

 

فهل نحن بصدد إرهاصات  ميلاد (نظام إفريقي جديد) يبشر بالفرص الحالمة أم أنه فقط تمظهر آخر للتراجعات المؤسفة؟

 

أو بعبارة  أخرى، إذا استأنسنا برموز ثقافتنا الأفريقية الأسطورية: فهل الثعبان يجدد حقا نفسه بخلع الجلد البالي أم أنه فقط مستثار فهو يلوك ذيله؟

 

وأيا تكن  الحالة، فإن عقوبات منظمة  (CEDEAO) قد فقدت تماما زخمها، وثمة انعكاس في الوضع بل يكاد الذعر أن يبدل فسطاطه.

 

السلام عليكم