على مدار الساعة

علم الفضائل: منزلته وأثره في حياة الأمة

19 مارس, 2022 - 18:27
الدكتور المهابة محفوظ - أستاذ مشارك بجامعة الإمارات

تتناول المقالة في هذا العجالة "علم الفضائل وما له من أثر" في السلوك الديني والاجتماعي والأخلاقي مبدوءة بالكلمات المفاتيح في هذا العنوان، وهي "العلم" و"الفضيلة" و"الأمة" وهذا الثالوث هو الذي يجسده العنوان فلزم التساؤل عن ألفاظه، فما العلم؟ وما الفضيلة؟  وما الأمة؟  وكيف يؤثر هذا العلم في سلوك الناس وحياتهم وسيرهم وعلاقاتهم؟

 

لذا فمن الضروري في المستهل ضبط دلالة هذه الألفاظ ضبطا تمهيديا ليكون ذلك مدخلا منهجيا ومعرفيا إلى ضبط أثر الموضوع في الحياة، وهو أمر تسهل به دراسة مجموع العلاقات والروابط التي تنشأ بينها.

1. تعريف العلم في اللغة:

العين واللام والميم (علم) أصل واحد يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، . . . وتعلمت الشيء إذا أخذتُ عِلمَه [1]. والعلم نقيض الجهل، وعلم علما، وعلَّم هو نفسَه، وعلام وعلامة: إذا بالغت في وصفه بالعلم، أي: عالم جدا، وعلمتُ الشيء أعلمُه علماً: عرفته، وعلَّمُه العلم وأعلمه إياه فتعلَّمَه، وعلِم بالشيء: شعر. وعلم الأمرَ وتعلَّمه: أتقنه)[2] وعلمه يعلمه تيقنه وعرفه.[3]

 

وهكذا.. فالعلم شعور، والعلم نور، والعلم معرفة، والعلم يقين، والعلم إتقان، والعلم حجة وبرهان، وعلم دليل وعقل، والعلم نقيض الجهل والأمية والتقليد. 

 

والعلم إدراك الشيء بحقيقته، وهو اليقين، والعلم: النور يقذفه الله في قلب من يحب، والعلم: المعرفة،

 

وقيل العلم يقال لإدراك الكلي والمركب، والمعرفة تقال لإدراك الجزئي والبسيط. . ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة؛ كعلم الكلام وعلم النحو"[4] .

 

وبمناسبة ما حصل كذلك لمفهوم العلم من التحريف والتبديل فإن الامام الغزالي قد تطرق إلى ذلك بشيء غير قليل من الفهم والوعي والتعمق المناسب للحالة الحاصلة:" حيث يقول عن (العلم) وقد كان يطلق ذلك على العلم بالله تعالى وبآياته وبأفعاله في عباده وفي خلقه حتى أنه لما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ابن مسعود رحمه الله لقد مات تسعة أعشار العلم ثم فسَّره بالعلم بالله سبحانه وتعالى.

 

وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص حتى شهروه في الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية وغيرها فيقال هو العالم على الحقيقة، وهو الفحل في العلم، ومن لا يمارس ذلك ويشتغل به، يعد من جملة الضعفاء ولا يعدونه في زمرة أهل العلم.

 

2- تعريف الفضيلة: الباعث المستوجب للقيام بالأعمال بسهولة ويسر وشوق ورغبة دون تسويف ولا تكاسل رغم الصعوبات والعراقيل وكثرة العوارض.

 

3- تعريف الأمة:

الأمة في القانون الدستوري: هي مجموعة من الأفراد تعيش في إقليم محدد وتجمع بين أفرادها رغبة قوية في التعايش والتواصل والانتماء لما يربط بينها من العوامل المشتركة.

 

وفي الفقه الإسلامي: تشير معاني الأمة إلى مجموعة بشرية متجانسة تشترك في الرسالة والهدف والعقيدة والانتماء التاريخي والحضاري والمصالح الحيوية المشتركة.

 

ويستمد الفقه الإسلامي تعريف الأمة من المرجعية القرآنية الجامعة التي تحدد المجال المعرفي والمصطلحي لهذا اللفظ الذي من مقوماته العقيدة واللغة والثقافة والدين والشريعة، ومن هنا فأمة المسلمين جسد واحد وكيان عضوي موحد.

 

لقد وردت هذه الكلمة في القرآن خمسين مرة، ودلت في القرآن على دلالات سياسية واجتماعية وتاريخية ومرجعية ودينية يمكن استنباطها من القرآن الكريم في دراسات متخصصة وقد أثنى الله تعالى على المعاني الحضارية والإيجابية التي دلت عليها الأمة ومن ذلك معاني الوسطية  في قوله تعالى:" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" و من ذلك معاني الخيرية في قوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" وقد روى البخاري عن سلمة بن دينار عن أبي هريرة أنه قال في معنى الخيرية:" خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام"

 

ومن هنا كان للفظ الأمة معان كثيرة في اللغة والقرآن والذي يهمنا منها في هذا السياق هو دلالتها على معنى الجماعة من الناس سواء قلَّت كالجماعة الذين يتجمعون عند البئر للسقاية أو كثرت حتى تطلق على شعب أو على جيل من الأجيال الحضارية.

 

وإذا كنا كشفنا عن معاني المصطلحات الثلاثة فقد حان الوقت أن نتساءل عن آثار علوم الفضائل في حياة الفرد والأمة.

 

من المعلوم أن الفضائل جمع فضيلة والعلم علمان: علم يتعلق بالفضائل وعلم يتعلق بالمسائل، ومدار الأول: الترغيب والترهيب وما به يحصل التبشير والإنذار والإقبال على الأعمال بالشوق والرغبة ومزاولتها بالسكينة والوقار والاستعداد لتحقيقها بالتضحية والمجاهدة رغم قوة أسباب الصد.

 

إنه حقا بيان القيم والفوائد والأجور المترتبة على الأعمال الصالحة في حياة الفرد والمجتمع.

 

ومدار الثاني معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بكل مسألة وما يتعلق بها من التفاصيل والفروع.

 

وبسبب الفصام النكد الذي حصل في حياة الأمة بين علم الدليل والفرع، وبين الحكم الشرعي وفضائله، فقد وقعت القطيعة المعرفية والتربوية والدعوية بين العلم والعمل، والقول والتطبيق، وتخلف الأثر المترتب على الأعمال عن توجيه حياة المسلمين، وهذا من الحجب والعوائق الكبيرة في وجه الدعوة والتربية والتعليم والنهضة.

 

ولا يجوز بحال من الأحوال أن ينفصل الحكم الشرعي عن فضائله ورغائبه وآدابه بل الواجب الربط المحكم بين هذه العناصر الثلاثة حتى تكون عملا واحدا لا يتجزأ ولا يتبعض، وهذا بحق هو منهج القرآن في توجيهاته وتعاليمه وتشريعاته وهدي محمد صلى الله عليه وسلم في سيرته ومسيرته ومواقفه.

 

وهكذا نرى القرآن إذا ساق الحكم أورده بفضائله ودوافعه أو أوضح ما يترتب عليه من المكاسب والصفات والقيم، وإذا نهى عن فعل أو سلوك معين عبر عما يترتب على فعله من الضرر والمكروه، وتارة يبين العلة من النهي عنه أو العلة من الأمر به، وتارة بأسلوب الموازنة والمقارنة بين المنافع والمضار كما هو في حالة تحريم الخمر.

 

في التشريع الإلهي ثلاث قيم مترابطة متكاملة لا تفترق لتحقق أثرها في القول والعمل والسلوك الفردي والاجتماعي، وبانفصال بعضها عن بعض لا يكون الأثر التربوي حاصلا في حياة الفرد والأمة.

 

لقد قسم العلماء العلم إلى قسمين علم يتعلق بالمسائل وعلم يتعلق بالفضائل، فالأول هو المتعلق بأحكام الحلال والحرام والجائز والممنوع، وهو العلم الذي يجسد القاعدة الشرعية والقانونية والمعرفية بينما يجسد علم الفضائل جوانب الترغيب والترهيب والتبشير والإنذار، وما للمؤمن عند الله من المثوبة والتكريم في حالتي الفعل والكف، وليس هذا فحسب بل هنالك الحكم: وهو القاعدة الشرعية والقانونية التي يراد تطبيق مضمونها، وهنالك الفضيلة التي تدفع إليها، وتثبت الانسان على العمل بها،  وهنالك الآداب المطلوبة التي تزين الحكم،  وتحيط به دررا مضيئة، وتعطيه جماله ورونقه وألقه.

 

وهكذا ندرك أنه لكل حكم تشريعي مضمونه وفضيلته وأدبه المتصل بكيفيات تطبيقه، وإنما يحصل الأثر والكمال والحسن بتكاملها وتفاعلها وتوازنها والتزامها واتساقها واليقين بها والثبات عليها والتخلق بها في السراء والضراء وفي كل الأحوال الموافقة والمخالفة.

 

وإذا سئلت فقل إنها المادة الروحية والخلقية التي تدخل إلى صلب الأعمال فتجعلها في غاية السهولة والسلاسة والمرونة فلا تلبث النفس قليلا إلا وقد استجابت لها باليسر والبشر، والشوق والرغبة والطواعية، بلا تكلف ولا تعسف ولا التواء ولا مواربة ولا تأجيل.

 

أو قل إنها العسل الذي إذا الخالط المواد الحامضة صارت لذيذة وحلوة المذاق أو قل إنه الماء العذب الفرات الذي إذا نزل على الأرض الهامدة أحياها حياة كريمة وأنبت فيها من كل زوج بهيج أو قل إنها القوة الدافعة التي تخرج الانسان من الظلمات إلى النور وتجعل منه كائنا ربانيا لا يظلم ولا يُظلم، ولا يجهل ولا يُجهل عليه، ولا يحقد ولا يعتدي ولا ينتقم بل يرد السيئة بالحسنة، ويدفع الأخشن بالتي هي أحسن، ويؤدي الحق، ويكف الأذى، ويرحم الضعيف والفقير وذا الحاجة، ولا يفاضل بين الناس إلا بميزان الدين والتقوى والكفاءة والخلق.

 

ومن هنا كانت الفضائل هي الزمام التربوي الذي يقود إلى العمل باليسر والسهولة والسكينة، وكانت المسائل وهي (جمع مسألة) هي القاعدة العلمية والمعرفية والتشريعية كالأحكام والأوامر والنواهي التي يراد تطبيقها،

 

وكانت الآداب (جمع أدب) هي القيم والمعاني النفسية والخلقية التي ترافق المسلم في لحظات التلقي والاستجابة والإنجاز.

 

ومن نافلة القول القول: إن علم الفضائل يحرك القلب، وينشط الباطن، ويحيي الروح، ويبعث على السكينة والسعادة، ويجعل في الإنسان القدرة والحيوية والإيجابية وقوة الأمل في التعاطي مع الأوامر الإلهية وتحويلها إلى قيم وأخلاق سامية في حياة العارفين والعابدين.

 

الفضائل والآداب والرغائب ذات تأثير عجيب في النفس وفي المجتمع، إنها السحر الحلال الذي يبطل السحر والطلاسم، وإنها البلسم الشافي من الأمراض الظاهرة والباطنة، وإنها الكوثر الفياض الذي يسقي عطش الروح والفؤاد، وإنها الحكمة الإلهية التي تخرج كل الطاقات السلبية من حياة المسلم، وتحفظه من المضلات والفتن وهمزات الشياطين.

 

وللآداب من ذلك الحظ الأوفر فهي الحال النفسية والقلبية التي يؤدى بها المسلم العمل وتصاحبه وترافقه، وهو نية وعزيمة حتى يتحول أفعالا مجسدة في الواقع بما هو كسب ذاتي وإنجاز إنساني وتراث حضاري.

 

قال صلى الله عليه وسلم بيانا لتلك المعاني والقيم والآداب: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَة). رواه البخاري.

 

ويستمد علم الفضائل حجيته من النصوص القرآنية والأحاديث والآثار التي تبين أهمية الأعمال وقيمتها وما يناله صاحبها من الأجر والثواب والشرف والرفعة والسكينة والثبات وعلو المنزلة في الدنيا والآخرة.

 

وإنما كان التفريق بين المسائل والفضائل فقط من باب التقسيم المنهجي الذي يستوجب التوضيح والتفهيم على الصُّعُد النظرية. وأما على الصُّعُد العملية فهما كيان واحد ومنهج واحد ووجهان لعملة واحدة في موازين القرآن والسنة وأعمال الهداة والربانيين من هذه الأمة.

 

ولن تكون مقاصد الأعمال متحققة حتى يتكامل التشريعي والتربوي بالآداب التي هي كيفيات الاعمال وصفات أدائها، ومتى تخلف أحدها عن مكانه ووظيفته اختل التوازن والتناسق والانتظام.

 

وإنما حصل ما حصل من أصناف الخلل والانحراف وفساد التربية وهزالة المخرجات بسبب الفصل بين أعضاء هذا الجسد الواحد الذي يتلقى فيه القلب رغائب الدين وأحكام الشريعة وآداب الأعمال وصفاتها في لحظة واحدة بهذا الترتيب والترابط دون الفصل بين أجزاء هذا المركب الروحي والإيماني والإنساني المتكامل والموصول بعضه ببعض لحظة التنزيل ولحظة الفهم ولحظة التلقي ولحظة التنفيذ.

 

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله استعمل لفظ " الأمَّة " في القرآن أربعة استعمالات

الأول: استعمال " الأمَّة " في: البرهة من الزمن - كما: في قوله تعالى: "ولئن أخَّرنا عنهم العذابَ إلى أمَّةٍ معدودةٍ الآية"، ونظيره قوله تعالى: "وقال الذي نجا منهما وادَّكر بعد أمَّة". 

 

الثاني: استعمالها في: الجماعة من النَّاس، وهو الاستعمال الغالب، كقوله تعالى" و وجد عليه أمَّة من الناس يسقون" وقوله تعالى: "ولكلِّ أمَّة رسول" وقوله تعالى: "كان النَّاس أمَّةً واحدةً" إلى غير ذلك من الآيات

 

الثالث: استعمال " الأمَّة" في الرجل المُقْتدى به، كقوله تعالى: "إن إبراهيم كان أمَّة".

 

الرابع: استعمال " الأمَّة " في الشريعة والطريقة، كقوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمَّة"، وقوله تعالى: "إن هذه أمَّتكم أمَّة واحدة" إلى غير ذلك من الآيات.

 

نجد دلالات مختلفة إذا نظرنا إلى المعاني السياقية للفظ الأمة من خلال الرجوع إلى علم الوجوه النظائر

 

باختلاف المدارك والمظان، وبطبيعة الحال فليس المقصود الأمة بمعنى البرهة من الزمن، ولا الأمة بمعنى الرجل الذي يقتدى به، ولا الأمة بمعنى الشريعة والطريقة، وإنما المقصود الأمة بمعنى الجماعة من الناس وهو الاستعمال الغالب كما في قوله تعالى "ووجد عليه أمَّة من الناس يسقون" ، وقوله: "ولكلِّ أمَّة رسول"  ، وقوله كان النَّاس أمَّةً واحدةً   وقوله "ووجد عليه أمَّة من الناس يسقون" ، وقوله "ولكلِّ أمَّة رسول"  وقوله: " كان النَّاس أمَّةً واحدةً" .... 

 

الأمة مصطلح ديني وقانوني وسياسي واجتماعي وحضاري يستخدم للإشارة إلى الجماعة من أي جنس كانت، ويلزم أن يرتبط أفرادها بروابط محددة كاللغة أو التاريخ أو الجنس أو الملة والدين أو المصالح المشتركة والغايات الموحدة، وينتمون إلى أرض معينة وجغرافيا محددة، والأمة بهذا المعنى الاجتماعي ذات امتداد حضاري شامل للماضي والمستقبل. 

 

ولتأسيس الأمة وبنيانها بنيانا حضاريا محكما وصحيحا فلا بد من تأسيس تشريعاتها وقوانينها على علم الفضائل والعدالة والقيم الروحية والخلقية من جهة، وعلى التخويف والترهيب والتحذير من جهة أخرى كما هو منهج القرآن في سن الأحكام والتشريعات والأوامر والنواهي.

 

ولعله من باب الفضائل والتشويق والتحفيز دعانا الله سبحانه إلى الرحمة باسمه الرحيم، وإلى الكرم باسمه الكريم، وإلى التوبة باسمه التواب، وإلى العلم باسمه العليم، وإلى الحكمة باسمه الحكيم.

 

كما رغبنا في موائد فضله وإنعامه وإحسانه بتلك الأوصاف الجميلة التي وصفت الجنة، وما فيها من المشاهد والمقامات والرتب والمنازل والقصور والبساتين والبحار والأنهار والظلال والحور العين والولدان المخلدين، وأعلى تلك المقامات الفردوس الأعلى والنظر إلى وجه الكريم.

 

وكذلك من باب التخويف والترهيب والترعيب حذرنا من المعاصي والمخالفات والعقوبات بأسمائه الدالة على القهر والقدرة والبطش والانتقام والعزة والجبروت والكبرياء والعظمة وقوة النكال وشدة العقاب وسرعة الحساب.

 

ويساق في ذلك كذلك ما ورد من الإنذار والتهديد بما في جهنم من العذاب والتنكيل والزقوم والماء الحميم والأغلال والجحيم والأهوال والحيات والعقارب والثعابين، ومن ذلك كذلك نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.

 

من مجالات الفضائل:

ونطرق هنا إلى بعض فضائل الأعمال وقيمها، وما لها من أثر في كسب السعادة وجلب الاستعداد والتضحية والبذل والثبات والاستقامة من جهة، وما لها من قوة على دفع العجز والتكاسل واليأس والضعف والميوعة والترهل من حياة الإنسان من جهة أخرى.

 

ونقتصر هنا على جملة من فضائل الحب في الله تعالى وفضائل البكاء والخشية وفضائل تعظيم حرمات المسلمين وفضائل الحرص على طرق الخير وفضائل النفقة على العيال.

 

أولا: فضل الحب في الله تعالى

1 - الفضيلة من القرآن: قال تعالى: "والذين تبوؤا الدار والايمان يحبون من هاجر إليهم" الحشر:9

 

2 - الفضيلة من الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ" رواه البخاري ومسلم.

 

ثانيا: فضل البكاء والخشية والشوق إلى لقاء الله تعالى:

1. الفضيلة من القرآن، قال تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} الاسراء: 109

2. الفضيلة من الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَلِجُ النارَ رجلٌ بكَى من خَشيَةِ اللهِ حتى يعودَ اللبَنُ في الضَّرْعِ، ولا يجتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ ودُخَانُ جهنَّمَ" سنن الترمذي والحديث حسن صحيح.

 

ثالثا: تعظيم حرمات المسلمين

1-الفضيلة من القرآن، قال تعالى:" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج: 32

2 – الفضيلة من الحديث، قال صلى الله عليه وسلم:" مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى" متفق عليه.

 

رابعا: فضل الحرص على طرق الخير

1. الفضيلة من القرآن قال تعالى:" وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وقال تعالى:" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره" الزلزلة:7

2. الفضيلة من الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" مَن غَدَا إلى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّما غَدَا، أَوْ رَاحَ" متفق عليه.

 

خامسا: فضل النفقة على العيال

1. الفضيلة من القرآن، قال تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" سبأ: 39

2. الفضيلة من الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ علَى دابَّتِهِ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى أصْحابِهِ في سَبيلِ اللَّهِ" رواه مسلم. 

 

ومن خلال هذه الأمثلة المسوقة في الفضائل والآداب والرغائب التي شملت الحب والخشية وحرمات المسلمين وطرق الخير وفضل النفقة على العيال يتجلى لنا ما لعلم الفضائل من الأهمية والمنزلة: فهو علم عظيم النفع، جزيل الفائدة، مركزي التأثير؛ لذا فهو يحرك القلب، وينشط الباطن، ويحيي الروح، ويبعث على السكينة والسعادة والإيجابية، ويزود المسلم بالقدرة والحيوية وقوة الأمل في التعاطي مع الأوامر الإلهية وتحويلها إلى قيم وأخلاق سامية فعالة في حياة العارفين والعابدين.

 

ويلخص القرآن هذه المعاني جميعها بقوله تعالى:" وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين"

 

هكذا... فالتبشير المحض أو المتلبس بالإنذار غاية تتحقق بها القيم الإيمانية والخلقية، والإنذار المحض أو المتلبس بالتبشير غاية تتحقق بها النفرة من الشرور والكف عن المعاصي والحرص على تحقيق الطاقات الإيجابية ودفع الطاقات السلبية عن حياة الفرد الأمة.