على مدار الساعة

الدولة في خطر!

10 يوليو, 2023 - 00:16
محمد المنير - دكتور في العلوم السياسية

إن تعيين من يعتبرهم الموريتانيون رموز فساد العشرية، والذين تحوم حولهم شبهات فساد جسيمة، في أعلى المناصب في هرم السلطة، بمثابة الاستقالة من مشروع الإصلاح، إن كان هناك أصلا مشروع إصلاح. إذ أنه لا أمل في التغيير ولا يمكن حتى بناء دولة، في ظل تمكين نخب همها الوحيد هو استغلال النفوذ وما يتيحه من فرص، والتي برهنت على فشلها طيلة العقود المنصرمة، فلا المؤشرات الاقتصادية تقدمت، ولا المشاكل المستعصية حُلت، ولا العدالة الاجتماعية تحققت.

 

كيف يمكن تكليف هذه النخب الفاشلة بالتحكم في صناعة القرار على مستوى الحكومة وفي مقدرات الشعب، وهي التي أثبتت عدم ولائها للدولة، عندما استماتت في خدمة الرئيس السابق، الذي يحاكم اليوم بشتى أنواع التهم، من فساد، وتضارب مصالح، واستغلال نفوذ، وثراء غير مشروع، والذي لم يكن ليقوم بهذا كله دون مساعدة معاونيه؟ فحينما انحرف عن الطريق الصحيح، انحرفت النخب الفاسدة بدورها، تملقا وتقربا له، ولم تحاول تصحيح المسار، ولا حتى الحد من الانحراف. بل دعمته، وباركت ما قام به، واستفادت منه، عن طريق تعطيل الدور الرقابي للمؤسسات، وتسخير الإدارة وسياساتها المالية والجبائية لتحقيق نزواته.

 

هناك اليوم إحباط عميق وتذمر واسع من تعيين هؤلاء المفسدين، بل هناك نقمة كبيرة ضد النظام الذي أصبح من الواضح أنه يستخف بالمواطنين ويعتبر أن لا ضمائر لديهم. لذلك يراهن على جهلهم لتمرير مثل هذه التعيينات وغيرها من القرارات المماثلة، تماما كما مرر إنقاذ بعض رموز فساد العشرية من المقاضاة وأعاد لهم الاعتبار، مما أكد للرأي العام أن الرئيس السابق هو المستهدف، كشخص، وليس الفساد بعينه. ولأن النظام يخافه الى حد الهوس، فهو يسعى إلى إقصائه من الحياة السياسية. وهذا ما يعتبر البعض أنه أضعفَ مصداقية المحاكمة الحالية.

 

ويبقى السؤال المحير هو: إلى من يُنصت رئيس الجمهورية لكي لا يُدرك مدى كره الرأي العام لما يسمى برموز الفساد؟ من يستشير ومع من يتحدث بانتظام حول الشأن العام؟ هل يبذل جهدا للقاء أشخاص آخرين خارج دائرة مقربيه الضيقة؟ هل يلتقي برجالات الدولة، باستثناء المسؤولين الذين يعملون معه مباشرة؟ من نصحه بتدوير المفسدين وإعادة الثقة فيهم؟ أليس في محيط الرئيس رجل رشيد يُذَكِّرُهُ بأن محمد ولد عبد العزيز استثمر في نفس النخب الفاسدة، قبل أن تنقلب عليه اليوم، بعدما ترك السلطة؟ أليس هناك من ينصحه باستخلاص العبرة مما حلّ بسلفه، ويفهم أن ولاء المفسدين دائما لمن يمسك السلطة، دون غيره، وأن الأفضل هو البحث عن ثقة الشعب، عن طريق الإصلاحات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، التي تضمن الحريات وتحصن الحقوق، حتى لا تتكرر نفس التجربة ويناله ما حدث لسلفه؟

 

إعادة تدوير النخب الفاسدة، وحضورها العلني في دوائر صنع القرار، يعتبر صفعة للدولة ولمشروع الإصلاح، وتحديا للعدالة، واستفزازا لمشاعر الشعب، وترسيخا لثقافة التملق، وتهديدا للمال العام، واحتقارا للكفاءات النزيهة التي تعج بها الإدارة، ودوسا على مبدإ المساءلة والمحاسبة، وتكريسا للإفلات من العقاب. كما أنها تمثل أسرع طريق لزعزعة الاستقرار، لأنها ستؤجج المواجهة التي أصبحت اليوم واضحة المعالم، بين رموز الفساد من جهة، ودعاة الإصلاح من جهة أخرى. والسؤال الذي يجب على كل واحد أن يطرحه على نفسه، هو: إلى متى سنبقى صامتين على هذا الواقع المرير، وفي أي صفٍّ نقف: مع الفساد والاستبداد أم مع المحاسبة والإصلاح؟ 

 

تمر البلاد اليوم بمرحلة مفصلية، فهي على مفترق طرق، إما أن تقبل بالأمر الواقع وتنصاع للفساد والاستبداد، أو تقاوم اختطاف الدولة من طرف رموز الفساد. في هذا الإطار، تقع مسؤولية إنقاذ البلاد، على عاتق النواب، أكثر من غيرهم، بغض النظر عن اصطفافهم الحزبي. فيجب عليهم أن يتحملوا المسؤولية أمام الله وأمام الشعب، لأن التاريخ لن يرحمهم، وأن يقوموا بإعادة فتح ملف الفساد، لدمج المفسدين الذين تم استثناؤهم بغير حق، رغم الشبهات الجسيمة التي تحوم حولهم، لئلا يفلتوا من المساءلة والمحاكمة والعقاب، كونهم شركاء في جميع التجاوزات التي ارتُكِبت في ظل النظام السابق. فوجود هؤلاء اليوم في أعلى مناصب الدولة يشكل خطرا على موارد البلاد، وعلى مصداقية الحكومة، كما يمهد الطريق لتكرار نفس الانحرافات، مما قد يرقى إلى الخيانة العظمى، نتيجة التفريط في مصالح الأمة.