مثّلت العشر سنوات التي تولى فيها المرحوم حمدي ولد مكناس حقيبة الخارجية بين عامي 1968 و1978 العصر الذهبي للدبلوماسية الموريتانية باتفاق الكثيرين، ومع أن إنشاءها صاحب تأسيس الدولة الموريتانية ومع صعوبة الظروف آنذاك وانعدام الإمكانات تقريبا إلا أن الدبلوماسية الموريتانية في تلك الفترة كانت حاضرة بقوة، وأسهمت في جعل البلد يأخذ مكانه كدولة مستقلة وحرة بين الأمم، لكنها ومع مرور السنوات دخلت في غيبوبة نتج عنها غياب البلد عن حضور أغلب الفعاليات الدولية والإقليمية، وتميزت بضعف التمثيل لسنوات متتالية.
ومع وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز للسلطة عام 2009 بدأت الدبلوماسية تودّع سياسة الكرسي الفارغ التي ميّزت حقبة من تاريخها، وأصبح التمثيل والحضور الموريتاني لأغلب القمم والمؤتمرات والمنتديات أمرا عاديا واعتياديا، وساعد تخريج دفعتين من الشباب في أقل من ثلاث سنوات في ضخ دماء جديدة وإضفاء طابع من النشاط والحيوية والكفاءة والمسؤولية برهنوا عليه في مناسبات عدة إلى جانب فتح سفارات جديدة وإعادة فتح أخرى في مختلف أنحاء العالم كان آخرها في مملكة "إي سواتيني" أو سوازيلاند سابقا في خطوة مهمة لتعزيز دور الدبلوماسية الموريتانية دوليا وإقليميا وتأكيد حضور موريتانيا وسياستها الخارجية في أكبر عدد من الدول الأمر الذي سيشكل مع مرور الوقت تحالفات ناعمة ستستفيد منها البلاد في أروقة صنع القرار الدولية.
الدبلوماسية الموريتانية تدخلت في أزمة شمال مالي وحطّت طائرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في كيدال أكثر بؤر التوتر خطورة آنذاك، الدبلوماسية الموريتانية عضو مؤسس لمجموعة "خمسة بالساحل" لم يتوقف الأمر هنا فموريتانيا استضافت قمة الجامعة العربية التاريخية والتي برهنت فيها على ريادتها وقدرتها على احتضان قمم بذلك الزخم والحجم كما لعبت دورا أساسيا في تجنيب دولة غامبيا حربا أهلية من خلال وساطة الرئيس الموريتاني الشهيرة.
ولأننا نعيش ربيع الدبلوماسية الموريتانية فقد انتقلنا من رئاسة الاتحاد الإفريقي إلى الاستعداد لاستضافة أشقائنا الأفارقة على أرض المنارة والرباط، القمة الإفريقية إنجاز كبير جديد للدبلوماسية الموريتانية فهي أول قمة إفريقية نستضيفها منذ الاستقلال وتأتي في ظرف دولي وإقليمي حساس وهذا ما جعل موريتانيا تبدأ الاستعداد والتحضير لها في وقت مبكر، فقد تم بناء قصر جديد للمؤتمرات على أعلى مستوى يتمتع بطاقة استيعابية كبيرة حيث يضم قاعة اجتماع كبيرة تتسع لأكثر من 60 وفدا واستراحات رئاسية وقاعة مؤتمرات قادرة على استقبال ما يقارب الـ5000 شخص وتشكيل لجان مختلفة للإشراف على جميع مراحل التحضير، طرق انواكشوط أيضا تحولت إلى ورشات لا يتوقف العمل فيها وتسابق الزمن رصفا وتوسعة وتزيينا حتى تكون جاهزة مع بدأ أشغال القمة التاريخية.
إفريقيا التي وصفها النشيد الوطني الجديد بالمنبع الأعذب ستكون على موعد مع الكرم وحسن الضيافة والأصالة و ستعلن من انواكشوط عن بيان ختامي يليق بطموحات القارة وآمالها والدبلوماسية الموريتانية وحسب النتائج والمعطيات ستواصل تألقها مستقبلا وستؤكد على ريادة موريتانيا ودورها كفاعل دولي.