تقود الصين حراكا عقلانيا في شبه القارة الكورية، يؤسس لإخماد الحروب في العالم، وإطلاق (طريق الحرير) لتنمية شاملة في المعمورة.
وتقود أثيوبيا الجديدة، قطار السلام في شعوب إفريقيا، بعد عشرين سنة من الحروب الطائفية المدمرة، والعراك الإديولوجي المثخن بالجراح.
ويحاول الثالوث الأوروبي في دول المؤسسات: ألمانيا وفرنسا وأسبانيا، وقف حروب الولايات المتحدة الجديدة، ضد المهاجرين، وضد المناخ، وضد القانون الدولي والاتفاقيات الحقوقية والتجارية العالمية.
في الضفتين أكثر من انتخابات تحولت إلى أزمات هيكلية خانقة، في إيطاليا وماليزيا وأسبانيا أوروبيا، وفي العراق وتركيا صراع بين مكونات كردية ونورسية، وشيعية وسنية، وتبدو الأوضاع غائمة في دول المجال: مالي وليبيا بالخصوص، وتتدحرج كرة الثلج في انتخابات الجزائر، وأزمة الريف المغربي، والأزمة الاقتصادية في كل من الأردن وتونس ولبنان، ولا يزال الرهان على علاقات مستقرة مع السنغال في ملفات الصيد والغاز والهجرة السرية والقواعد الأجنبية وإيواء دعاة الكراهية محل نظر ودراسة.
منذ عشرية أزفت، يقود بلدنا حراك قمم عربية وإفريقية وأمنية وفكرية لتثبيت مقاربة أمنية وتنموية هي محل إجماع وتشاور واسع، وأينعت بعض ثمارها.
يقر مجلس الوزراء الأخير المنعقد يوم الخميس 21 يونيو 2018، دعوة الهيئة الانتخابية، من أجل انتخاب النواب في الجمعية الوطنية والمستشارين الجهويين والمستشارين البلديين، التي تقرر إجراء تنظيمها في الشوط الأول يوم السبت فاتح سبتمبر 2018، وفي شوط الثانى يوم السبت 15 سبتمبر 2018.
ومن أجندة محكيات مؤتمر الحزب الحاكم، المؤجل عدة مرات، أنه قرر عقد مؤتمره العام في 6 أغسطس 2018م، أي أربعة أيام بعد إغلاق أبواب الترشح لانتخابات يشارك فيها الجميع، تقرر طبقا للمرسوم أن تكون آجال الترشح لها بين يوم الأربعاء 18 يوليو 2018 عند الساعة صفر ويوم الخميس 02 أغشت 2018 عند منتصف الليل.
يتطلب التحدي الانتخابي المعلن، والأزمات المشتعلة في المحال الصحراوي والساحلي وعبر منافذ البحار، رؤية استشرافية تتجاوز مصالح النخب الهشة الحالية عندنا في قطبي الولاء والبراء، المنفعلة بمصالحها الشخصية، وصراعاتها المحلية، وتخندقاتها الحزبية والفكرية الضيقة والدوغمائية والنفعية؟
ومن إدراك المدرك أن نعلم أن الفرق شاسع، بين الانتخابات الداخلية للأحزاب بصورة مفبركة وموجهة وبحدود مفتوحة مع كل المنتسبين للمعارضة والأغلبية، وبين فرز صناديق انتخابات تعددية شفافة، يشارك فيها لأول مرة بعد 2009، كل مكونات الطيف السياسي بمعارضاته الناصحة والناطحة.
نلمس بوضوح أن هناك من بسوق بعنجهية لمخرجات الانتخابات الداخلية للأحزاب منذ الحزب الجمهوري، وقبله هياكل التطوع، مرورا بحزب عادل، وحزب ما فوق المليون منتسب، يرسمون سياسة الوحدات والأقسام، يختارون البعثات والآجال، ويفتحون الانتساب من الصفر، وبدون معيار للولاء، ويجعلون الكم معيارا مسبقا لتصفية الخصوم، ولترشيح حلفاء، ويضعون مخرجات البيانات الموهومة هذه بعلاتها وشبهاتها، كمسلمات على الطاولة وعبر السينفونية المشروخة التي تقول: أنا أزور أنا موجود، وأنا أشتري أنا موجود، وأنا أستخدم ذلك ضد خصمي لسلبه إرادته أنا موجود، وأنا أتلاعب بهيبة الدولة ومواردها لمصلحة شخصي وطائفتي وزمرتي أنا القوي، وأنا الحزب، وأنا الحكومة، وأنا الدولة.
فالخلط بين المرائي والغشاش، كالمزج بين الحزب الجمهوري وأجهزة الدولة، وهذا هو بعينه العودة إلى الصفر المكعب.
أخطر ما يهدد الآن السلم والمنجزات ليس فقط الجفاف وتشرذم الأغلبية الهجينة، ولكن تكريس التصفيات وأشكال الصراع وتأجيج الأحقاد، بدون مبررات مدركة، وبدون أسس مقنعة، في وجه انتخابات مصيرية ومفصلية، تحتاج منذ أمد إلى رص الصفوف، ومسح الجروح.
نحن ندخل حروب الانتخابات الآن، ونحن ندفع فاتورة غلاء الصراعات وأخطاء حسابات من لا يريد إلا الحفاظ على مصالح رئاسة حكومة أو رئاسة حزب.
وحساب هؤلاء إن حسموا المعركة، وفسد البناء، لا يعنيهم في شيء، إن حافظوا هم على تربعهم على هذه الكراسي، حتى ولو ذهب النظام ومنجزاته إلى المجهول، وتحولت مؤشرات البلد من حال الأحسن إلى حال الأسوأ.
أغلب المراقبين يخشى من وجود هيئات انتخابية: برلمانية، وبلدية، وجهوية.. تشكل اقتطاعات لخطابات الكراهية، والعنصرية، والحركات الشعوبية والشيوعية، وأن يقود ذلك إلى محاصصات كانتونات في الشأن العام ومرافق الدولة، وهذه الديمقراطية الايطالية واللبنانية والعراقية، قد تحول بلد ثراء التنوع ونصاعة المحظرة، إلى قسمة ضيزي بين شبابيك ايرا، والمستهزئين، وأفلام، والكادحين، وهذا يعني بوضوح كل شيء سيكون مجالا لإدارة المحاصصة بما في ذلك الهوية الدينية، والوحدة الترابية، وشكل الدستور والعلم، والعلاقات الخارجية، وقوانين النوع وشكل النظام الرئاسي الجمهوري.
فكرة خلق حكومة كفاءات ودبلوماسية ذكية، وأحزاب برامح، ونظام برلماني شفاف هذه واجبات المرحلة، ستصبح مجالا للمداولة والصراع المحتدم.
لماذا الصينيون والأثيوبيون والسنغافوريون، يخرجون نخبة لا تتصارع على هويتها وقيادتها وبرامج منجزاتها، ونحن كلما يقدم لنا الساسة في موريتانيا هو صخب الصراع وأفيون الوشايات، والشك الديكارتي في المسلمات؟
يستحق بلدنا وسائسنا وشعبنا، ساسة غير كفيفين، وإعلاما تنمويا متحررا وليس أحاديا، وأحزاب برامج وعقول نيرة، لا يتصارعون على الفتات، ولا يدخلون بلدهم بـ(خفة مزاج) الأزمات، ولا يصفون خصومهم (بالافتراءات)، ولا يشنون حروبا بـ(الوكالة) على الأصلح والكيس من الموريتانيين والموريتانيات.
يؤسسون لنهج مصالحة بينهم، لا يستثني أحدا، ولكن لا تأخذه في الحق لومة لائم، يؤمن أصحابه بأن: البشر يموتون، وهم عن كل صغيرة وكبيرة سيحاسبون، ويوقنون بأن البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، وبأن الديان ملك الملوك ومالك الملك وحده حي قيوم لا يموت.