إن الله تعالى ابتلى البشرية في هذه الحياة بالغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف، وذلك ليعلم أيكم أحسن عملا، وقد جاء هذا الإسلام والناس طبقات وقبائل وشعوب وأمم متفرقون يقتل القوي منهم الضعيف...، فوحدهم الله تعالي بالإسلام، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى قال تعالي: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
وقد محى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الفوارق الاجتماعية، ونهى عن تلك النعرات الطائفية، والعصبيات القومية، فقال ناهيا عن العصبية: "دعوها فإنها منتنة"، وقال محذرا من الفرقة والتقاتل: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقال مبينا مصيره: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، وحث على التآلف وشدد في التنافر والتدابر بين المسلمين، "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره"، فلماذا ننسى أيها المسلمون كل ذلك ونبعث هذا الخطاب المقيت، وهذا القول العظيم، ونبعث تلك الكراهية العمياء بيننا أيها الموريتانيون؟ وممن يصدر هذا الخطاب؟ من النخبة التي يجب أن تكون مثالا وقدوة!!!
قضى الله أن البغض يصرع أهله *** وأن على الباغي تدور الدوائر
إن وطننا اليوم بحاجة إلي انتقال سلس للسلطة دون تطبيل أو محاباة أو تملق أو تعدد مأموريات، وعلى الوطنية أن لا تعمي عيوننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عن من صنعه أو فعله...
قد يكره المرء ما فيه سلامته *** وربما عشق الإنسان ما قتلا
إن الحب يلهينا عن الاخطاء، اما الكراهية فتعمينا عن الحقائق:
وعين البغض تبرز كل عيب *** وعين الحب لا تجد العيوبا
وقد قيل: اتقوا من تبغضه قلوبكم، فإن شر الناس من تخافه اتقاء شره، وإن الله ليبغض الفاحش البذي، وإن أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله، "وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون (المتكبرون)".
لا لخطاب الكراهية، ولا لأفعال الكراهية، ولا لشق الصفوف بين الموريتانيين بيضا وسودا، عربا أو عجما، مهما اختلفت ألسنتهم التي تعتبر مصدر ثراء لثقافتهم، إن الكراهية في عالمنا هذا ناتجة عن سوء الفهم:
إن القلوب إذا تنافر ودها *** شبه الزجاجة كسرها لا يجبر
إن ديننا الإسلامي قد حث على المحبة والتسامح والرفق والإتلاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها فأسمع بكاء طفل فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه"، وقال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، وقال: "تعرض الأعمال في كل اثنين وخمسين، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".
الود لا يخفى وإن أخفيته *** والبغض تبديه لك العينان
لكنه في الاعتذار مندوحة، وفي التوبة استغفار، وفي التسامح صفح، وتبقى الابتسامة في وجه أخيك كلمة طيبة بغير حروف، وهي صدقة جارية أصلها ثابت وفرعها في السماء.