بنى الإسلام حضارته ومفاهيمه على التكافل الاجتماعي، جاء ذلك جليا في أولى خطوات تأسيس أكبر صرح وأعظم مثال أخلاقي عرفته البشرية، حين آخى الحبيب صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، لتبدو التشكلة الأولى للمجتمع المدني في أبهى حلة وأرقى سمو، للكيفية التي يجب أن يتعايش بها إنسان هذا الدين مع أخيه الإنسان:
فتنازل الأخ لأخيه عن نصف ما يملك حتى وصل إلى عرض التنازل عن إحدى الزوجات..
ليتركوا رسالة خالدة لكل من سيأتي بعدهم، وما يلزمه من لفتة حسنة على أشقائه في الدين.
كما جاءت الأحاديث والآيات تشجع على ذلك المفهوم، فمما أتى به القرطبي رحمه الله في تفسيره من قصص تشرح مفهوم الإيثار والإنفاق وتذكر الإخوة لإخوتهم، قال:
(..ذكره الثعلبي عن أنس قال:
أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة، وكان مجهودا فوجه به إلى جار له، فتداولته سبعة أنفس في سبعة أبيات، ثم عاد إلى الأول، فنزلت:
ويؤثرون على أنفسهم الآية)
ثم ذكر قصصا أخرى عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وحكى كذلك أنه:
(روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال للغلام:
اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تلكأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها.
فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين:
اجعل هذه في بعض حاجتك.
فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها.
فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، وقال : اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل...)
وفعل سيدنا معاذ رضي الله عنه نفس الأمر، رضي الله عن سائر صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وكثيرة هي الأحاديث والآثار والقصص التي تجسد معنى الأخوة وحسن التفات الموسر على المعسر وخاصة في أوقات الحاجة كالعيد وغيره، فلنتذكر أطفال الفقراء ونحن نختار لباس أطفالنا في الأسواق، فلنتذكر نظراءهم من أبناء ذوي العسر الذين ليس لأوليائهم ما يشترون لهم به لباسا كاللباس الذي اشترينا لأطفالنا، ولنتقاسم معهم نعمة الله علينا، حتى تتم السعادة، فلا سعادة إلا بعد تقاسم أسبابها مع الآخرين..
يحكى أن عالما من علماء الاجتماع ذهب إلى أدغال افريقيا، في طور بحث اجتماعي يقوم به عن مفاهيم السعادة، فنادى يوما على أطفال قبيلة تسمى هوسا، وقال لهم لقد وضعت فاكهة تحت تلك الشجرة، وأيكم وصل لها أولا فهي من نصيبه.
فتفاجأ العالم حين رأى الأطفال يسيرون بطريقة منتظمة كل يمسك بيد الآخر، وظلوا هكذا حتى وصلوا إلى الجائزة وأخذوها وتقاسموها فيما بينهم..
فسألهم عن سر عدم سباقهم نحوها وتفضيلهم لهذه الطريقة بينما كان بإمكان واحد منهم أن يظفر بها لوحده؟
فردوا عليه:
"أوبونتو"..يقصدون:
كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيدا فيما الباقين تعساء!
أوبونتو في حضارتهم تعني :
أنا أكون لأننا نكون!
ونحن الذين تربينا وانتسبنا إلى دين الأخلاق دين المبادئ، دين السعادة الذي تجاوز مفهوم المشاركة إلى عتبة الإيثار، أولى من كل البشر بكلما يعبر عن الأخلاق الكريمة..
تقبل الله الصلاة والصيام، ووفق للإنفاق والإيثار وحسن للالتفات على الفقراء والمساكين.
وعجل بالفرج عن أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.