القصة:
لم يكن سيدنا عثمان رضي الله عنه يعلم أن قضية تعيين والي على الكوفة ستتعدى أضرارا بسيطة على مصالح البعض في أحد أقاليم القطر العراقي، لتصل إلى المدينة، وغيرها من أقطار الخلافة، مؤسسة لأكبر فتنة عرفها التاريخ الاسلامي، كانت أول ما أبرز وجود فريقين متحاربين في الإسلام.
المقال:
لن أكون مثل الطائفة العريضة من رواد التواصل الاجتماعي الذين يجمعون على أن تعيين الوزير السابق مختار اجاي يعد خطرا على بقرة الاقتصاد الوطني "الخندود" اسنيم.
فالرجل بحق يمتاز بخططه المحكمة ورؤيته الاقتصادية، كما يعد أحد رواد التسيير محليا إضافة لامتيازه بشخصية كاريزمية مؤثرة، والتي تأهله لمراتب قيادية زئبقية غير محصورة بمكان ولا بزمان.
والرجل حسب ما يبدو لا يعد أكثر زملائه فسادا ولا تبديدا للمال العام، بل إن أي تكسب أو تربح وظيفي اتهم باقترافه - حسب العارفين به – لا بد أن يكون له سند قانوني يحميه، ويبعده عن المسائلات القانونية، ويكون دليلا دامغا لمن يتهمه، وبالتالي فإنه من الذين يعتمدون على نظرية (نحن قوم يجب أن يكون باطلهم قانوني قبل حقهم).
صحيح أنه قد يتأثر عمال "اسنيم" غير المقربين من مكتب الإدارة بشكل كارثي من قيادة ولد اجاي، فتجربة عشريته الجافة على قطاع المالية تعطي مؤشرات كثيرة على ذلك.
فولد اجاي من الذين يريدون أن يكون الفرد وسيلة في خدمة الدولة وليس العكس. وحينما تصبح خزائنه المالية ملأى فلا غضاضة لديه في أن تحترق روما أو تخرب ملطا.
وهذه النظرة المخزنية هي أكبر خطأ لديه وقد أهلته بجدارة ليحتل مرتبة ريادية في لائحة "المغضوب عليهم" من قبل المثقف والموظف العادي والمواطن البسيط.
وإذا استعملنا منطق العقل فإنه من المفروض والمسلّم به أن يكون العكس هو الصحيح، فالدولة إنما أوجدت لتحقق مصالح الفرد وليس العكس، فالفرد هو الأساس الذي جاءت كل الاخترعات والأفكار والوسائل لخدمة مصلحته. عكس ما يعمل ولد اجاي على تحقيقه وهو أن يكون الفرد مجرد آلة لتحقيق غايات الدولة. ومن هنا جاءته الكافية.
تعيين ولد اجاي لن يكون من وجهة نظري له أي مخاطر على أم وعماد الاقتصاد الوطني، بل إنه ربما ينتشلها من رحلة السقوط الطويلة نحو الهاوية التي تمر بها، لكن قطاع المصادر البشرية فيها ربما ينتظر أياما عصيبة وسنين كسني يوسف. لكن سلبية تعيين الرجل لا تكمن هناك.
إن سلبية هذا التعيين لن تنعكس على داخل الشركة ولا على أوساط عمالها بشكل كبير. بل ستتعدى ذلك نحو مواقع أخرى أهمها أقلام الموجهين والمثقفين ومعظم الجاليات في الخارج ومن يشكلون الرأي العام العالِم داخل البلد. وهي بذلك ستكون ربما أكبر انتكاسة تمنى بها شعبية الرئيس غزواني.
فلا مراء في أن ولد أجاي هو الرمز الأشهر لنهج عزيز الذي كرهه المواطن، والذي حاول العابرون والعائدون والسياسيون وحتى المنظرون الجدد، أن يقنعوا طائفة كبيرة من قواعدهم ومن الشارع أن غزواني سيشكل قطيعة معه بشكل تدريجي، رغم ضعف المؤشرات ووضوحها في ذلك الاتجاه، لكن خروجه من الحكومة أعطاهم بطاقة مؤقتة يلعبون بها، وبالتالي فتعيينه يشكل حرقا لتلك البطاقة.
وهنا سيكون أمام هؤلاء إحدى طريقين، إما التسليم بالأمر الواقع وهذا يعني بالتأكيد حدوث شرخ بينهم وبين قواعدهم ومن يوجهون، وإما التخلي عن مشروع الاجماع والعودة إلى التخندقات القديمة.
وقد يقول قائل إن إعادة الثقة في ولد اجاي مجرد فخ للرجل حيث تم التعيين على مؤسسة شبه مفلسة تم استنزافها حتى بان من هزالها الفقار. إضافة إلى أنها من القطاع غير المتحكم فيه، حيث تتحكم فيها أسعار الخام العالمية. أو أنه جاء لمد يد بيضاء للمتذمرين من أباطرة الأمس.
وأنا هنا لم أقتنع بهذا الطرح، فالشركة رغم استنزاف قدراتها ما زالت متماسكة وكلما ينقصها هو التسيير المعقلن وهذا ما يستطيع ولد اجاي أن يقوم به وبجدارة، بل إنني لا أستغرب أن تقفز أسعار الخام إلى أعلى مستوياتها بعد تعيينه، فالرجل محظوظ بطبعه - اللهم لا حسد - وحتى لو حدث العكس – لا قدر الله - فحجة الرجل واضحة، وهي أنه تم تعيينه بعدما استنفذ من الشركة الودجان والحلقوم.
أما أن يكون مد يد بيضاء للمتذمرين، فلا أراه مؤشر جيد على قوة الرئيس، والذي من المفروض أن يكون قد استصحب من تجربته العسكرية أن القيادة لا تتجزأ وأن كلام القائد ليس له جواب سوى "نعم" و"حاضر".
لذلك ومن خلال المحصلة هذه فإنني لا أرى في ترقية ولد اجاي الجديدة أي خطر على الشركة الكبرى بقدر ما أحتسبها مسمارا في نعش شعار الاجماع الوطني، وضربة قوية تحت حزام الرئيس، حتى ولو لم تكن موجعة أو كانت تحمل بشارة لمقربين أو أنذر بها قوما لُداً.
للعبرة:
ليس كل ما نجزم بمعرفته هو الصحيح، فقد يكون الشك هو أول خطوة نحو اليقين.