بعيدا عن جدل الشيوخ وصحوتهم النضالية المقدرة، وقريبا من أمر مشيخة أخرى لا خلاف ولا جدال ولا تنابز في أنها أكثر فائدة وخدمة للبلد في ماضيه وحاضره ومستقبله؛ فقد تصفحت موقعا محليا يحمل اسم مدينة العلماء "كرو" أو "قيروان الصحراء" فقابلني خبر مفرح أبهج النفس ونشر التفاؤل في أرجاء الروح، وطمأن المحبين على استمرار سند العلم ونشره في منطقة اركيبه وتكانت، حيث ظلت محاظر تلك المنطقة لقرون عدة منابر علم ومنارات هداية؛ صعد الناس فيها إلى مدارج الكمال عبر "مراقي" سيدي وتنبيهات مرابط "النصيحة" مع أهازيج أنظام محمد العاقب ابن ما يابى، و"أحرز" طلاب العلم "الأماني"على يدي شيخ القراءات محمد المصطفى ولد ديه، وأينع الفقه المالكي وأثمر في محضرة آل ابات، وعرفت قواعد الأصول طريقها للتنزيل في فتاوى عبد الله ولد لمام، ورأى الساعون للهداية التصوف والتربية حقائق سلوكية في نهج أحمد سالم ولد حين، وحياة لمرابط الحاج ول فحفو أطال الله بقاءه؛ فالمحظرة والاحتفاء بالعلماء وحفظ العلم والتمثل به سلوكا يكسب المرء تواضعا من المناقب التي ميزت الشناقطة في العصور الأخيرة، وبها عرفوا في العالم الإسلامي شرقه وغربه، ولذا سررت جدا بذلك الخبر الذي أفاد أن شابا تزاملت وإياه في المحظرة واصل المسير صابرا حتى بلغ الغاية في التحصيل ثم عقد العزم على بثه في صدور الرجال ليؤكد أن العلم يحمله من كل خلف عدوله، والحقيقة أني عرفت كثيرا من الأفاضل في المحاظر في العقدين الماضيين، وكانوا على طريق الطلب بين مغذ صابر، ومستعجل فاتر، وقد بدأت حينها موضة السعي للشهادات وبهارجها تشغل بال الطلاب، وتستهويهم المقاعد بدل الحُصُر، والمقررات بدل المتون، لكن كان شاب ممن عرفت تميز بالخشوع والاتباع والهيبة والفصاحة وحدة الذهن لا يلقي بالا لما يتسابق إليه نظراؤه، بل كان منذ عرفته مكبا على كتبه، يزاحم العلماء بركبه يوزع السنين وفصولها بين "كلاكه" و"عين الخشبة" و"النباغية" و"لفريوه" ومحظرة المحسنين؛ فأخذ من الأولين تحرير الفقه المالكي ونزعة التعبد والإخبات الطاغية بمظهرها ومخبرها على من مر بتلك الجبال الخاشع أساتذتها، ومن الثالثة التفنن والتبصر والموسوعية الشاملة مع السعي للتدقيق والتحرير والتنوير، فما النباغية - حرسها الله - إلا زيتونة الصحراء، ومن لفريوه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنساب العرب ومكارم الأخلاق وتوقير مجالس العل؛ فقد كان مجلس الشيخ إذ يشرح الشاطبية من المجالس التي تغشاها السكينة ويعظم فيها كتاب الله حروفا وحدودا.
ومن محظرة المحسنين أحسن الشيخ علم الأداء، ومنها بدأت طريقه القرآني الذي لم يتوقف على المعهود عند أهل القطر من الاكتفاء بقراءة نافع بل واصل حتى نال العشر وصار ممن يشار إليه فيها في القطر الشنقيطي، وقد جمع شيخي الشيخ ول امو مع ما تقدم من مزاحمة العلماء الذكاء الفطري، والنشأة في بيئة علمية مما أهله ليكون المرابط الذي يجب أن تشد الرحال إليه في قيفه – أعزها الله -، وهي مكان مناسب لطلبة العلم لموقعها الجغرافي الواقع في الوسط والمحاذي لطريق الأمل والقريب من مدينة العلماء المشهورة باحتفائها بالعلم وأهله، أحن إلى إقراء الشيخ وملاحظاته، ليتني في تلك المحظرة الموقرة جذعا، "بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي وهو مذهب الكوفيين" فتح الباري، ج1، ص 26.
حفظ الله لمرابط الشيخ ول امو ونفع به، وجعله مفتاحا للخير مغلاقا للشر مصباحا للعلم والهداية، وهو كذلك بإذن الله تعالى!!