تعرض المواطن محمد ولد عبد العزيز-الرئيس السابق لعدة قضايا في لقائه الصحفي مساء الخميس.
وستتضمن هذه السطور ملاحظات سريعة حول بعض مما ورد في اللقاء، ولن أتوقف كثيرا عند الجوانب التنظيمية مثل عدم وجود مدير للقاء لتنظيم طرح الأسئلة فقد أدار عزيز اللقاء بنفسه وفي ذلك من العبر ما لا يخفى.
تحدث عزيز عن الديمقراطية والفساد والانقلابات وأراد التركيز بشكل أكبر على "أزمة" حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
- ادعى المواطن-الرئيس السابق أن ما حصل في الحزب ليس قانونيا ولا دستوريا ولا أخلاقيا وأظهر "غيرة كبيرة" على الحزب وعلى الديمقراطية، وقال إنه هو مؤسس الحزب ولام "الحكومة" على تدخلها في قضية الحزب. ولكن الرئيس السابق لم يتحدث عن كيفية تعامل "الحكومة" مع الحزب فترة رئاسته.
- ادعى المواطن محمد ولد عبد العزيز أنه جاء حرصا على المسار الديمقراطي ولحمايته لكن لعله نسي أن هذه مسؤولية رئيس الجمهورية الذي اختاره الموريتانيون فهو الذي يحمي الدستور والديمقراطية وقيم الجمهورية، وإذا كان كل رئيس خرج من الكرسي سيسعى للعودة من النافذة لحماية وحراسة الديمقراطية فلا معنى لانتخاب رئيس جديد.
- نفى المواطن محمد ولد عبد العزيز علمه أو علاقته بما ذكر مؤخرا أنه محاولة انقلاب ولكنه لم ينس التذكير صراحة بانقلاباته السابقة مشفعا ذلك بابتسامة ساخرة أو متهكمة، وكأنه نسي ما كان يقوله قبل ذلك بدقائق بشأن احترام القانون والدستور. فكيف يجتمع التباهي بالانقلابات مع الحرص على احترام الدستور والقانون؟
- اعترف المواطن محمد ولد عبد العزيز بأنه يمتلك أموالا لكنه ادعى أنها ليست من الخزينة ولا البنك المركزي ولا من الرشوة.. غير أنه لم يكمل الإجابة، إذ لم يوضح كيف حصل على تلك الأموال فهي على الأرجح ليست حصيلة توفير من راتبه (7 ملايين أوقية) فهل تكون مثلا هدايا من رؤساء، أو من دول أو قطع أرضية أو نحو ذلك، وكل هذا قد يحصل عليه دون المرور بالخزينة أو البنك المركزي، أو بمعنى آخر هل مصدر هذه الأموال هو استغلال النفوذ؟!
- لم يقبل المواطن ولد عبد العزيز الحديث عن خلافه مع رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني فهل كان ذلك محاولة لـ"لتذاكي" حتى لا يظهر تفاصيل الخلاف على الملأ أو أن ذلك كان من باب غضبه الشديد من الرئيس بحيث لم يعد بإمكانه إخفاء موقفه؟
- يُفْهَمُ من كلام المواطن محمد ولد عبد العزيز أنه ترك السلطة بعد انتهاء المأمورية الثانية احتراما للدستور ورغبة الشعب، لكن القرائن والشواهد لا تؤيد ذلك فالوزراء والمسؤولون والبرلمانيون أعلنوا أكثر من مرة أن الرئيس- النظام سيبقى، ولو كان ذلك لا يلامس هوى نفس لدى الرئيس؛ لزجرهم وذلك ما لم يحصل، وحسب الرواية المتداولة فالمؤسسة العسكرية هي التي حسمت الموضوع وأغلقت هذا الملف ولم يكن ذلك من "بطولات" الرئيس السابق.
كان هذا اللقاء فرصة ذهبية للمواطن عزيز-الرئيس السابق، ليعتذر للشعب الموريتاني عن انقلابه على رئيس منتخب وعلى الدستور وعن إخفاقاته في إدارة البلد خلال ما يزيد على عقدين من الزمن والاعتذار كذلك للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد اللـه الذي انقلب عليه في وضح النهار وعامله معاملة سيئة بعد ذلك، والاعتذار أيضا للمعارضة التي وصف قادتها بأنهم أعداء الوطن واتهمهم بالفساد ونحن نعرف أن معظمهم لم يتول أية مسؤولية في الدولة.
ظهر المواطن محمد ولد عبد العزيز في هذا اللقاء هادئا وودودا يمازح الصحفيين لكنه لم يكن مقنعا في كثير من إجاباته، وإن رغب المواطن – الرئيس السابق فهذه نصائحي له:
أولا: أن يعلن اعتزاله للعمل السياسي تماما، كما ذكرت لبعض مناصريه في مناسبات سابقة، لأن الضرر المتوقع من عودته للحياة السياسية قد يكون أكبر من النفع المحتمل، وإذا أراد المواطن محمد ولد عبد العزيز أن يختبر مستقبله في العمل السياسي فلينظر حوله هل يجد أحدا من الذين كانوا بالأمس القريب يرونه الزعيم الملهم والقائد الهمام الذي لم تعرف البلاد مثله.
ثانيا: أن يسعى لتأسيس منظمة للسلم الاجتماعي يكون مقرها خارج العاصمة ويختار لها أشد المناطق النائية فقرا وعزلة ويوظف علاقاته مع الدول والزعماء لخدمة الفقراء والسلم الاجتماعي في البلاد وبذلك يكفر عن بعض الخطايا التي قد يكون ارتكبها خلال العشرية المثيرة للجدل، أو لنقل ليواصل هناك "إنجازات عشرية النماء"، فذلك أنجب له وأنفع للشعب الموريتاني وهو بذلك سيعزز استقرار الحياة السياسية ويشارك في ترسيخ الممارسة الديمقراطية في البلد التي أعلن أنه رجع لرعايتها.
ثالثا: أن يصحب بعض أهل اللـه من أهل التزكية والزهد – وقليل ما هم اليوم،
يصحب شيخا عارف المسالك ** يقيه في طريقه المهالك
وذلك أفضل طريق للتوبة وإن كانت التوبة لا تغني عن رد المظالم وحقوق الناس وتلك عملية شاقة على الناس العاديين فكيف بمن تولى رئاسة البلد وعلقت به حقوق الفقراء والمساكين وما أكثرهم في بلدنا.
أعرف أن هذه اللغة قد لا تكون مناسبة في عالم السياسة ولكن هناك في تاريخنا المعاصر من زهد في السلطة وتفرغ للعمل الدعوي والخيري مثل المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي ترك السلطة للمدنيين وسخر حياته لنفع الناس وخدمتهم فعاش كريما معززا.
فإذا لم يقتد المواطن محمد ولد عبد العزيز بالمشير سوار الذهب في زهده في الحكم فليحذ حذوه في العمل الدعوي والإنساني.
عموما لا نلوم المواطن – الرئيس السابق وحده على أدائه في اللقاء الصحفي ولا خلال العشرية المثيرة للجدل ولكن نسبة كبيرة من اللوم ينبغي أن توجه إلى بعض رجال النخبة الذين يدورون في فلك الرئيس فيمجدونه ويمدحونه بما فيه وبما ليس فيه ما دام في الكرسي وينفضون من حوله عندما يصبح أعزل، فالقضية قضية وعي كما بينا في مقال سابق.
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.