كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تعرج على ما وقع في هذين اليومين وعن أسبابه وكيف قصرت الحكومة في ضبط الأمن في هذين اليومين وما قامت به ثـلة قـليلة من العنصريين من بطش في الأبرياء وأخذ ممتلـكاتهم جهارا نهارا.
فاليوم الأول من مايو عيد للشغيلة في جميع أنحاء العالم تـقدم فيه الشغيلة وبصفة سلمية عريضة مطالبها المشروعة، وعلى السلطة أن تـتـلقى تـلك العريضة بصدر رحب وتـتـسلمها باحترام من الشغيلة وتـعد بالرد الإيجابي على كل ما تستطيع الدولة فعله في هذا الصدد.
ولكن في نفس الوقت الدولة ولاسيما جهازها الأمني تعرف أن المنحرفين والمتطرفين واللابسين دائما ثوب الفساد الذي لا خلاف فيه ينـتـظرون دائما هذه الفرصة ليندسوا داخل مسيرات العمال المرخصة والمعترف بها ويحاول المندسون أن ينـتـهزوا هذه الفرصة ليحقق كل واحد منهم مآربه ـ فإن كانت سياسة فيأتي بعبارته الخاصة داخل شعارات العمال وإن كانت محض إجرام وبطش في الأرواح والممتـلكات فإنه يقوم بذلك أثـناء تـلك المظاهرة المشهورة والمعترف بها.
ولذلك فإن تحضير الأمن لها عادة يكون بحجم كل الاحتمالات التي قد تـقع فيها من ما يؤدي إلى انـتشار الخوف وعدم الطمأنينة، ويقوم رجال الأمن بزرع كثير منهم وخاصة المحترف والمتخصص في مكافحة الجريمة، ومع ذلك تكون القوة القابضة على المجرمين متهيئة لجميع الطوارئ عندما تشير لها الفرقة المزروعة بخروج أي لافتة أو شعار عن الهدف الذي تأذن الدولة في القيام به وإظهاره كشعار لمطالبهم فلو كانت الدولة قامت بعملها الأصلي بهذه المناسبة لكانت تمكنت بسرعة على القبض على الفاعـل المباشر ويتم القبض قبل أي ضرر لأي مواطن، كما يتم القبض على الفاعل المباشر وعلى من وراءه من المجرمين.
ولكن مع الأسف الواقع أن هذه الدولة الحالية قامت بتصرف خطير دون أن تشـعر هي أنها فعلته.
فالأمن الداخلي المحافظة عليه أولى بكثير من المحافظة على الأمن الخارجي، لأن المعروف أن سارق البيت أخطر من السارق من خارجـه.
ولهذا فالأمن الداخلي نظام معروف متكامل لدي الدول لا يمكن الاستـغناء عنه فالذي يزعم الاستغناء عنه فيكون كمن نزع لباسه من فوق جسمه وظن أن البشر من شدة هيبـته سوف لا ينظر إلى سوءاته المنزوعة اللباس.
وهذا الأمن المتكامل أهمه هو المخابرات الواعية الذكية المحترفة التي تشعر أنها مسؤولة عن معرفة أفكار المجرمين قبل تـنفيذها ـ أما بعد تـنـفيذها فذلك عمل الشرطة القضائية وهي أولى بتسميته استدعاء طبيب بعد الموت.
وما وقعت فيه موريتانيا في مدة ما فات من هذا النظام وإلى عهد قريب هو أن النظام لكثرة ملاحظاته على جهاز الأمن أصلا عملا وأشخاصا ظن أنه يستطيع أن يستـغني عن الماضي ويأتي بالجديد الذي يغنى عنه كما وكيفا.
فهو نظر إلى أن هناك هيئة أخرى أو هيئات فعلها يشبه عمل الأمن بصفة عامة ولم يكن في ذهنه من المحافظة على الأمن إلا أمن الشوارع فأنشأ لأمن السير على الطرق التجمع لأمن الطرق وأنشأ للأمن العام وقوف سيارات الهيئات الأخرى على جوانب الشوارع العامة مثـل سيارات الدرك في بعض المقاطعات والحرس في مقاطعات أخرى والشرطة في بقية المقاطعات، وفي نفس الوقت أطلق الحريات العامة ولا سيما حرية التعبـير سواء كان تعـبـيرا مباشرا في المهرجانات أو عن طريق المواصلات الإلكترونية، ولم يتذكر أن إطلاق حرية التعبـير في أكبر ديمقراطية في العالم يصاحبها مضاعفة مراقبة الدولة عن طريق مخابراتها التي تـتـشكل تـشكيلا لا يعرفه إلا أهلها ويتلخص في أنها تعمل شـبكــة داخلة في كل شرايـين الحياة سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا: في الدولة ولا سيما شرايـين يتهم أنها تعمل لغير صالح جسمها لتمرضه مرضا معـديا وقـاتـلا.
فأمن الدولة كان قـبل قـليل هو ما يراه كل أحد أي ما يستوي في رؤيته كل من يهتم به عادة ومن ينتظره ليحقق به الأمن لنفسه وعياله.
أما المبادرة إلى خـلقه من جديد فلا شك أنه اختار له الآن رجل شجاع وفعال وعارف لمهمته وهو يرضى عنه كما يرضى عنه الجميع ولله الحمد ولكن ما بين الحصاد والبذر يحتاج إلى مدة قد تـقصر وقد تطول تبعا لصلاحية البذرة والتربة للبـذر.
فهذا النظام قد وقع له ما وقع للعراقيـين فبعد مقـتل ما نرجو بشهادته العلنية أن يكون شهيدا عند الله صدام حسين رحمه الله فقد حل الجيش المهني المدرب المقدام وزرعت مكانه طوائف أصبحت تـتـقاتل وستظل كذلك وأصبح الجيش الصدامي "داعـشا " يقاتـل جميع ساكنة الأرض.
فكذلك فعلنا نحن فعند انـقلاب هذا الحكم على النظام الطويل السابق الذي قـتـل هو الآخر جهاز الأمن بالديمقراطية غير المعروفة عند العسكر وحمل هذا النظام ذلك القــتل للأمن أي لجهاز الأمن فترك حله ظاهرة وترك للأيام حله الفعلي، مقابل الديمقراطية المتوحشة بدون أي حدود.
وهنا بدأت الثـلة القليلة العنصرية تـتـشكل ومن سوء حظها جعلت الواجهة لحركتها العنصرية هو اسم "لحراطين" أو الأرقاء السابقين وأرادت بهذين الاسمين أن تـشـكل مكونا عنصريا ضد ما أسمته هذه العنصرية بالبـيظان وهذا التفكير لا يحمله بهذه الصورة إلا مثل أولئك الذين يتكلمون في الإسلام باسم الإسلام والمسلمون منهم برآء.
فكلمة الحراطين لا تطلق على الأرقاء السابقين والعكس صحيح، فالحراطين مصطلح على من يتـكلم العربية سليقة بمعنى لغة الأم بالنسبة له أي عربي مستعرب مثل عرب الحجاز المستعربين ولونه فيه سواد فاتح أي هجين بين البياض والسواد ووجود هذا اللون يتكلم العربية مع من يتـكلمها اشـتـق له هذا الاسم أحرطان وليس معناه الحر الطارئ أما الأرقاء السابقين فلا تعني إلا 2% من أصحاب هذا اللون المتكلمين سليقة بالعربية، لأن التجمعات من هذا اللون المحاذين لطول النهر من سينلوي ممتدا جنوبا ومعرجا شرقا مع الحدود الموريتانية إلى عدل بكر: الجميع لم يسبق له أن كان مسترقا سابقا بل لا يجرأ أي مؤرخ أن يقول لبعض هؤلاء أباك كان رقيقا لأن كثيرا منهم هم يملكون الأرقاء وفيهم الأمراء على غيرهم، أما ما كان رقيقا من ذلك اللون نتيجة للبيئة والتقاليد التي أوصلتنا إلى تسمية بلادنا بالأرض السائبة فكل نوع من هذه الساكنة العربية أعطى له اسم خاص به يميزه عن غيره والجميع يعرف هذه المميزات.
وبما أن الاسترقاق غير الشرعي كان موجودا في جنوب هذه البلاد وبكثرة ولأسباب متعددة ونظرا إلى أن الإسلام في أول قـتاله للمشركين أباح نوعا من الاسترقاق مع كثرة أدوات التخلص منه فقد أطلقت ساكنة هذا الكوكب البرزخي التي اعتـنـقت الإسلام جميعا على ما تملكه تـقليدا لملك الجنوب له بالأرقاء وأضافـته للرق الإسلامي بالقول فقط دون المعاملة.
ولله الحمد عندما وقع التحرر في جميع أنحاء العالم من جهة ووقعت الصحوة الإسلامية من جهة أخرى أزاحت بفضل الله كل المفاهيم التي كانت سائدة وهي الطبقية بجميع أنواعها ومسمياتها وأزاحت معها الرق غير الشرعي المنسوب إلى الإسلام أصله وبدأت المساواة تخطوا خطى حثيثا سوف لا تمر عشرات قليلة من السنين إلا وأصبحت الطبقية كلها ذكريات بين المواطنين.
أما الآن فقد قام قـليل جدا من الفئة التي استرقت من ذلك اللون تحاول أن تخترق النسيـج العضوي الذي وجده أمامه بين المستـرق باسم الفاعل والمسترق باسم المفعول ذلك النسيج العضوي الذي سبـبه الدين واللغة والوطن والنسب والعادات الموحدة بين الجميع من المهد إلى اللحـد.
ونتيجة لهذا الالتحام العضوي فإن الزعماء الحقيقيـين من هذا اللون لمعرفتهم الجيدة بهذا التلاحم قاموا بطلب التحرر داخل هذا النسيـج وليس خارجه فلم يدعوا إلى عنصرية أو إزالة غبن بل بدأوا بإزالة ظلم الاسترقاق غير الشرعي كما تشير إلى ذلك المسميات وهي (أخوك الحرطاني) بمعنى أن الحرطاني أخوك وليس رقيقك الخ.
أما من جاء في الأخير يطلب الزعامة المادية فظن أن أسرع طريق لتـلك الزعامة أن يجعلها دعوة عنصرية بمعنى أن هناك لون كله ظالم لونا آخر في جميع متطلبات الحياة كأن جميع أفراد هذا اللون الأبيض نزع حق الحياة من جميع ذلك اللون الأسود والواقع يكذب هذا بداهة، فاللون الأبيض كثير منه داخل في الطبقية وكثير منه لم يملك ولا أصوله أي رقيق وكذلك فإن اللون الأسود 98% منه لم يسترق وبعضه يملك الأرقاء كما تـقدم، كما أن جميع هذه الألوان أكثره فقراء وإن بتفاوت في الجميع.
ومن المضحك أن بعض الطالبـين للزعامة الجديدة عن طريق حرب العنصرية بين الألوان برأ هو من كان يسترقه من اللون الأبيض برأه من سوء معاملته له وأشاد بعلاقـته الأهلية والأخوية معهم، فيا ليت كل من هذا وصفه مع أهله أو أشد من ذلك أهلية واعـتزازا خرج من جهته ورد بذلك الواقع المعيش على ذلك المعتـز بأهله من اللون الآخر ويريد أن يزرع العنصرية في الغير كما تحاول بعض الدول أن تكب نفايتها السامة في أرض الدول الأخرى التي لا نفاية عندها لـتـلوث بيـئـتها.
وعلى كل حال فعلى الجميع أن يطمئن أن الفـتـنة العنصرية ولو روجت لها تـلك الثـلة القليلة من طالبي الزعامة المادية عن طريقها سوف لن يتضرر أي أحد بإذن الله من تـلك الدعاية العنصرية المحدد أهلها.
ومن يرد أن يجرب هذا الالتحام العضوي بين الأرقاء السابقين ومسترقيهم من جهة وبين أصحاب ذلك اللون الناطقين بالعربية الذين لم يسترقوا في طول حياة آبائهم فوق هذه الأرض فعليه أن يضرب واحدا أو يقـتـله لا قدر الله ولم تـتـدخل الدولة فـلينظر الحاضر ردة فعـل ذلك اللون كله سواء كان أبـيض أو أسود على من قـتـل ابنهم أيا كان لونه.
ولكن كما قـلت أن الدعاية لأي شيء يمكن أن تصدر من شخص واحد ولكن يجعلها دعوة عامة نيابة عن ما يحاول أن يكون من جنسه، فأوربا فيها الملايـين المسلمة التي تـتـبرأ من يقـتـل باسم الإسلام أو باسم مسلم أوربا إلى آخره ومع ذلك فالدعوى قائمة.
أما معالجة ذلك فإنه من جهة الشعب أن ينـفـذوا ما قاله الله تعالى في الموضوع {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنـبإ فـتـبـينوا أن تصيـبوا قوما بجهالة فـتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
فلا ينبغي لأي شخص أن يدافع إلا عن نفسه وأن لا يرد على ناعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداء، ومن جهة الدولة فعليها أن تـقوم بحصر أصحاب الدعاية العنصرية المراد منها إذكاء الفـتـنة بين المواطنين، فكما أن الدستور يقول في فقرته الأخيرة من المادة الأولى ما يلي: "يعاقب القانون كل دعاية إقـليمية ذات طابع عنصري أو عرقي".
فعلى الدولة أن تـفعـل هذا القانون وتطبقه على دعوة عنصرية من أي لون كان ويكون من ضمن تـلك العقوبة ما يعـتـبـر مخـل بالشرف.
وليس طبقا من الدعاية العنصرية أي شخص سواء كان لونه قام يطالب بحق مشروع لنفسه أو لذويه أو قرية متميزة الخ بل تعاقب فقط الدعاية العنصرية المبنية بالتحريض علي فعل العنف أو قوله أو الإشارة إليه أو نشره إلى آخره، وسيظهر أن القائمين بدعوى العنـف العنصري قـليلون جدا.
فمن رأى كثرة الدعاة والمتحجبات من ذلك اللون العربي الأسمر، وكذلك من استمع إلى المثـقفين الأشاوس مثـل: السعد بن الوليد وأمثاله المنخرطين في الأحزاب المختـلطة يدرك أنه هناك فرق كبير بين الحاملين للدعوات النزيهة التحررية الكثيرين مثـل: زعيم نجدة العبـيد المنخرط فيها الجميع لأن الاسترقاق الأخير غلط تاريخي غير شرعي مثـل التفرقة الطبقية بين اللون الواحد والألوان ذات الدين واللغة الواحدة ـ وبين دعاة العنصرية الظانين أنهم سينـتـقمون من الشعب الموريتاني في أحداث 89 تحت اسم كلمة لحراطين والشعب الموريتاني بريء من تـلك الفـتـنة بل هي كانت بين العسكريين فقط والشعب الموريتاني جميعه آوى ونصر كما يعلم الجميع والله يقول {وهو الله في السماوات و في الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تـكسبون}.