كلمة الإصلاح كانت دائما تبحث عن إثارة هذا الموضوع الديني الذي يهم كل مسلم يرجو الله واليوم الآخر وتـتمنى أن ترى شخصا يكون أولا هو صاحب هذه الإثارة.
وفي الليالي الماضية وفي ساعة الاستماع إلى محطات الإذاعات المحلية الموريتانية صادفت ندوة في إذاعة التنوير تناقش هذا الموضوع وتنـعشها كوكبة من الشباب لا بأس عليهما في علو التـفكير الذي يصلح جيدا للمناقشة والتحليل الدنيوي للموضوع ، لكن لاحظت أنهم لم يتطرقوا لصلب الموضوع الذي هو وضع الدين الإسلامي على الطاولة ومعنى ذلك أن توضع الأوامر القرآنية والسنة الصحيحة وأوامر الإسلام لجميع مخاطبه سواء كان حكاما أو محكومين للتشريح وما يترتب على ذلك الأمر القرآني السني من نتيجة دنيوية وأخروية فهو يخاطب الفرد مباشرة وتارة يخاطب الجميع نيابة عن كل فرد وفي الأخير يرد الأمر إلى الله في الجميع في يوم الحساب.
وفي نفس هذه الفترة اطلعت أيضا على مقال لشاب ينحوا هذا المنحى حيث تـكلم فيه نيابة عن العلامة ـ أو بصراحة عن الموسوعة في كل اتجاه الشيخ المحترم عبد الله بن بي حفظه الله.
حيث وجه هذا الشاب باسم العلامة خطابه للشباب المسلم في قوله: يا بني أركب معـنا ـ ومعلوم أن هذا الشيخ العلامة يرأس الآن هيئة تسمى منتدى التجديد والترشيد يحاول به بجهد جهيد أن يرد أو يخفف من غلو الشباب وتطرفه ولا سيما غلوه في هذا الدين الإسلامي الحنيف وتطرفه والمعاملة للإنسانية المسلمة وغير المسلمة باسمه وإظهاره للعالم وكأنه مطحنـة لروس البشرية جمعاء وهذا الغلو والتطرف بلا قيد ولا شرط.
ونظرا إلى أن هذه الإثارة من طرف ندوة الشباب التي يفهم منها أنهم مهتمين بالتعرض لهذا الغلو وذلك التطرف بل صرح أحدهم أنه مسؤول عن خلية في وزارة الثـقافة والشباب الرياضة مكلفة بتـلك المهمة منذ سنـتـين، وأن هذه الخلية قطعت خطوات لا بأس بها في تـنوير الشباب في الموضوع محاولة محاصرة تفكيره في هذا الغلو والتطرف لإرجاعه عن قناعة إلى الطريق الصحيح.
وكذلك فإن تـلك الإثارة الأخرى من طرف عالم هو من أكبر علماء البلد وأغناهم مادة وفكرا ومعرفة لا تذر شيئا إلا ولها علم به وجسد ذلك الشاب في الإنابة عنه طلبه من الشباب ولاسيما الموريتاني الركوب معه.
فنظرا لذلك كله فإني أسجل هنا ملاحظاتي المتواضعة حسب فهمي القاصر في الموضوع وعن ما يطلبه الدين الإسلامي من المواقف من كل منتسب إليه أيا كان هل هو مجرد توجيه للشباب إلى رحمة الدين ومسالمته أم هو مطلوب من المجتمع والعلماء خاصة الحيلولة دون قـتـل شباب المسلمين من طرف غيرهم بدعوى الإرهاب مهمى كان.
فمن المعلوم عـندنا نحن المسلمين أن الدين تـقال للإسلام الذي جاء من المولى عز وجل عند ذكره بتعريف المسند والمسند إليه بحصر الدين في الإسلام كما قال تعالى {إن الدين عند الله الإسلام}.
ومعلوم كذلك أن هذا الدين أكمله الله لهذه الأمة قبـل قبضه لنبـيها صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فيقول الله تعالى {اليوم أكملت لمكم دينكم} بإضافة لفظ الدين نكرة إلينا نحن المسلمين بمعنى أن طرو أي شيء على الدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مستحيل ولا يعد إسلاما ولا دينا، وهذا الدين الموصوف بالكمال عندئذ ينحصر إذن في هذا القرآن الذي هو بين دفتي المصحف وما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله أو تـقريره طبقا لامتـثال قوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتـفـكرون}}.
وعليه فإن كل فكر أو توجيه أو استـنباط سواء كان هذا التوجيه والفكر صادر من دولة أو شاب أو عالم لا يتوافق مع فحوى هذه الآيات التي نزلت بلسان عربي مبين فإن ذلك يعـد غلوا في الدين وتطرفا من نوع آخر صادر من أي كان.
فمعلوم أن الغـلو في الدين تـقال للزيادة في صلب الدين أما التطرف فـتـقال للشطط في تحريفه، يقول تعالى في الغلو {يأهل الكتاب لا تـغـلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} لأنهم قالوا إن المسيح ابن مريم ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، أما التطرف فقالوا فيه على الله أنهم أبناء الله وأحباؤه فرد عليهم تعالى {قـل فـلم يعذبكم بذنوبكم} الخ الآية.
وهذا يعني أن من أراد أن يعرف أهل الغـلو والتطرف في الدين فـليأخذ وصفهم الدقيق وينظر بين دفـتي المصحف من الفاتحة إلى المعوذتين وما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته في هذا الصدد سواء كان زيادة في الدين أو نقصا أو انحرافا أو تقصيرا فيه.
فأهل هذا العمل هم الذين يبحثون عن الطريق المستـقيم في كل عمل من أعمال المسلم سواء كان فردا أو جماعة وسواء كان شبابا أو شيوخا أو علماء أو جهالا ذكورا أو إناثا حكاما أو محكومين فعليهم إذن أن تكون خطة عملهم هي وضع هذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الذي أشار إلى حقيقته بأمر الله إليه وهو {قـل هذه سبـيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} وهذا السبـيل المشار إليه هو الذي جعل وصفه في الفاتحة التي يكررها كل مسلم وجوبا 17 مرة في 24 ساعة وجوبا وهو الطريق المستـقيم.
وعندما يقوم أي مسلم بوضع صفة القرآن أمامه فسيجد الأوامر والنواهي فيه وعلاقة أهله مع غيرهم في جميع الأحوال مفصلة لا تحتاج إلا لمن ينـفذها، وكذلك سيجد قضية الوعد فيه والوعيد موجهة مباشرة لمن تعنيه تـلك النصوص على مخـتلف أنواع البشرية كما قـلت سابقا في عمومها ونـقول هنا باختصار حكاما ومحكومين.
فالغلو والتطرف فيها يتساوى فيه الزيادة والتـشدد في تفسير نصوصه وكذلك إهمال أو نقصان العمل بتـلك النصوص فالجميع يطلق عليه الاعوجاج عن الدين والله يقول للجميع {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استـقاموا} الخ الآيـة.
وكما يعلم كل مسلم فإن الوعد على امتـثال أوامر الله لا يغـني عنه أي شيء من ما عند أهل الدنيا وكذلك فإن عقوبة الوعـيد بمخالفه أي أمر من أوامر الله لا صبر عليها ولا سمع فيها ولا طاعة لأي كائن من كان في الدنيا، فمن استمع إلى القرآن وهو يوضح بأسلوبه الغني بالمعنى وما أعده الله لأهل امتـثال أوامره وما أعده كذلك للمخالف تـتـلاشي عنده ما عند أهل الدنيا من العادات والتـقاليد والقوانين المخالفة والتحرك يمينا وشمالا خارج نصوص الإسلام.
وعليه فإن من أراد التعرض لأهل الغـلو والتطرف في الدين حسب زعمه سواء كان شبابا أو علماء أو غير ذلك فعليه أن يستوعب أوامر الله لحكام المسلمين في الإسلام في جميع جزئيات الإسلام، وأوامره كذلك في العلاقة بين المسلمين فيما بينهم وعلاقتهم مع غيرهم سواء كانوا محاربين أو مسالمين إلي آخره، وكذلك علاقة المرأ مع إخوته المسلمين فوق الأرض في جميع أحوالهم من فقر أو اعتداء أو أي احتياج يمكن للمسلم أن يزيله عنهم.
ومن هنا أعود لأحلل موقف الدول والعلماء والأشخاص والهيئات من ما كان تسميه الدول غير المسلمة إرهابا وتسميه الدول الإسلامية غـلوا وتطرفا والآن أصبح الجميع يسمى كل من يذكر الإسلام في فعله الجماعي إرهابا حتى ولو كان خاليا من جميع العنف بل مجرد التـنظيم لتطبـيق أوامر الله للمسلمين طبقا للقرآن والسنة أو ينسب هذا التطبيق أنه أوامر إسلامية فكل هذا أصبح إرهابا عند غير المسلمين وتبعهم المسلمون في ذلك، والمعلوم عند الجميع أن الطريق المستـقيم في الإسلام مكث السير عليها ثلاثة قرون فقط كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك انحرف المسلمون عن تـلك الطريق انحرافا يكبر ويصغر حسب قوة المنحرفين وبقيت جماعة على الطريق المستقيم لا يضرها من خذلها أو خالفها إلى يوم القيامة فأين تتجسد تـلك الجماعة الآن؟ والسؤال موجه للعلماء.
ومعلوم أن أخطر هذه الانحرافات هي التعدي لحدود الله بعدم تـنـفيذها، وأمرها يعنى مباشرة السلطة التـنفيذية في الأمة الإسلامية والعلماء الموجهين للسلطة في هذا الشأن.
وبما أننا في موريتانيا نخاطب اللجنة الشبابية المتحركة في شأن الغلو والتطرف وكذلك في شأن مركب العلامة الذي ينادي الشباب بالركوب معه في مركبه فـنـقول للمحاولين إذا كنتم تريدون نتيجة واضحة ستسجل لكم في الدنيا والآخرة، في الدنيا باستجابة الشباب الباحث عن حقيقة الإسلام فقط وتـتبرؤون من غير أولئك، وفي الآخرة ستجنون معنى قوله تعالى {معذرة إلى ربكم} إلى قوله تعالى {أنجينا الذين ينهون عن السوء} إلخ الآية فمن يرد هذا فعليه أن ينشر أمامه صفحة الإسلام كله حين تــتوجه أوامره للجميع وفي أي شيء تـتوجه تـلك الأوامر وينطلق بناء على ذلك.
فمن المعلوم أن أي تـنفيذ لتـلك الأوامر يتوجه إلى الحكام بتـنـفيذ الحدود لأن الله يشترط ذلك التـنـفيذ لوجود الإيمان في قـلوب المؤمنين به يقول تعالى {ولا تأخذكم فيهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ويقول تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} وعلى ذلك فبمجرد تمكين الله لأي مسلم لسلطة في الأرض عليها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر و"الـ" هنا في المعروف والمنكر للاستغراق فعلينا أن نستحضر كل معروف وكل منكر في الإسلام لنطلب من هذه السلطة القيام به وطبعا يدخل في هذا المعروف الجهاد بشروطه في الإسلام دخولا أوليا إذا اقـتـضى الأمر وكذلك التحاكم في أي خلاف إلى حكم الله وهنا نذكر بما قاله الله هنا {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بنا أنزل إليك} إلى قوله تعالى {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} وكذلك علاقة المسلم مع أخيه المسلم {وإن استـنصروكم في الدين فعـليكم النصر} الخ الآية.
فمن قرأ قوله تعالى {لا يتـخذ المؤمنون الكافرين أوليا من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} وقوله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر} الخ الآية فسيدرك جيدا أن سلطات المسلمين الحاليين عندهم نوع من الغـلو والتطرف والإرهاب في التـقصير في دين الله، إلا أن ظهور هذا التقصير سوف لا يكون إلا في الآخرة يقول تعالى {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}.
فإذا كانت خلية وزارة الثـقافة والشباب والرياضة ومناداة الركوب مع الشيخ العلامة عبد الله بن بي يراد لها أن تؤتي أكلها، فعلى لجنة الخلية أن تشمل في مكافحتها للغـلو والتطرف في صفحة واحدة ما على الشباب أن يفعله في نطاق الإسلام وما على الحكومة والبرلمان وكل حي مسلم سيموت ويتعرض للمساءلة أن يقوم به كل من موقعه الذي جعله الله فيه وهو واضح في القرآن من غير زيادة ولا نـقصان سواء كان حاكما أو محكوما وكذلك على الشيخ أن يجعل مقاعده التي يدعوا إليها الشباب للجلوس معه أوسع من الصالونات ومقاعد الطائرات والسيارات الفارهة، فالذي يظهر للمستمع للتوجهات أن السلطات في أي دولة إسلامية لم تعطه للجلوس معه فيه إلا مقاعد السفر أو الحضر مع ظهور حسن نيته هو في التوجيه ولكن هو يعلم من علمه الواسع أن الله يبين آياته للناس وأن "الـ" في الآيات أيضا للاستغراق، فعلى العلامة أن تكون صفحته المعروضة في التوجيه يحمل أعلاها توجيها لكل سلطة في كل بلد مسلم إلى كل ما هو مطلوب منها تـنفيذه في تلك الآيات وذلك يعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفة أشمل وأظن الأول في المعروف والنهي عن المنكر هو أن تأمر الدول الإسلامية صديقاتها غير المسلمة بأن ترفع يدها عن قـتـل أبناء المسلمين في وطنهم مهما كان إرهابهم في نظرها وتـترك للدول الإسلامية قـتـل إرهابييها أو توجيههم وقتل من أبى التوجيه منهم كمحارب لله ورسوله، أما ترك الأوربيين لإرهاب دولهم في إيطاليا ـ وانكلترا ـ وإسبانيا إلى آخره وقتلهم بدل ذلك لإرهابيي أفغانستان واليمن والعراق وسوريا إلى آخره فذلك قـتال حقد وكراهية للإسلام مهما كانت نية أهله، وذيول الدول الإسلامية في هذا الزمن تـتبع جسم حقد وكراهية الأوربيين للإسلام وتبعيتهم لليهود.
فمن يبحث بتوجيهاته الإسلامية داخل ذيول تـلك الدول أو الأوربيين يريد توجيه الإرهابيـين عن أفكارهم الدينية فكمن يبحث عن بناء الكعبة في باريس لأنه جانب عموم الموضوع.
وخلاصة القول في هذا أن من يرد مكافحة الغلو والتطرف سواء كان من الشباب أو العلماء فليعرف أوامر الإسلام كلها ويبدأ في التغيـير بتوجيه كل من يخالف الإسلام من رأسه إلى قدمه وعندئذ يقول له الله تعالى: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.