كانت لشاه إيران محمد رضا بهلوي بعض التقاليد منها جولة أحيانا إذا كانت السماء صافية مساء بطائرته الخاصة فوق أجواء طهران.
وقبل نهاية حكمه بأقل من اسبوع استدعى طاقم طائرته للقيام بتلك الجولة، حيث لاحظ أن جميع شورع طهران مكتظة بالموطنين وهم يهتفون، دون أن يتمكن من سماع ما يقولون.
طلب من الطيار التوجه إلى كبريات المدن الإيرانية الداخلية، حيث لا حظ نفس الشيء.
وعند عودته إلى قصره في طهران استدعى وزير داخليته وسأله عن أسباب خروج المواطنين بهذه الكثافة في كافة مدن إيران، فقال له إن السكان قرروا هذه التظاهرات في وقت واحد وفي عموم البلاد تأييدا للشاهنشاه (ملك الملوك) وهو اللقب الذي أطلقه بهلوي على نفسه.
ولم يقتنع ملك الملوك بجواب الوزير واستدعى على حدة مدراء أجهزة الأمن والمخابرات، حيث أجابوه جميعا نفس الإجابة ولم يقتنع بأجوبتهم.
واستدعى كبير خدمه وهو عجوز تولى تربيته وواكبه في جميع مراحل حياته، حيث ظل المسؤول المباشر عن شؤونه الخاصة من مأكل ومشرب ولباس إلى غير ذلك وسأله عما إذا كان يحبه فاستغرب الخادم العجوز من السؤال، فقال له كيف لأحبك وانت مولاي وولي نعمتي وزيادة على ذلك ابني.
فقال له الشاهنشاه، اسمع أنا أصبحت أحس بأن ليس في إيران من يصدُقني ويقول لي الحقيقة غيرك، ولذلك من اليوم مهمتك هي أن تخرج كل يوم وتجول في الشوارع وفى الأسواق، وتستمع بعناية إلى ما يقال عني وعن نظامي دون تعليق على ما تسمع، وتنقله لي حرفيا، فقال الخادم سمعا وطاعة.
وفي صباح اليوم الموالي خرج الخادم في مهمته الجديدة، وبعد خروجه بساعات تم الإعلان عن وفاته جراء حادث سير، قال أحد رجالات الأمن بعد ذلك بسنوات في مذكراته إن الحادث دبرته المخابرات خشية اضطلاع الشاهنشاه على ما يجري من أحوال سيئة، بعد علمها بمهمة الخادم الجديدة.
تذكرت هذه القصة عند قراءتي لتقرير صادر عن الأمم المتحدة حلت فيه موريتانيا في المرتبة 133 على مؤشر السعادة العالمي لعام 2022.
وتذكرتها بعد الاستماع إلى أحاديث الناس في الشوارع والأسواق، وفى وسائل النقل وفى الأرياف وفى المساجد وفى كل مكان، عن تردي الأحوال المعيشية وعن غلاء الأسعار وعن انعدام الأمن والتعليم والصحة والأدوية المزورة والبضائع المغشوشة المنتهية الصلاحية، وعن انقطاعات الكهرباء وعدم توفر مياه الشرب لكثير من المواطنين بما في ذلك سكان نواكشوط، وكذلك عدم اهتمام المسؤولين بهموم المواطنين وغياب الدولة في جميع مناح الحياة.
وفى المقابل استمع وأقرأ عبر وسائل الإعلام الرسمي والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، أحاديث المسؤولين وقادة حزب الإنصاف وكبير رجال المال والأعمال والمؤلفة قلوبهم مع جميع الأنظمة المتعاقبة على البلاد وهم يتحدثون عن واقع مخالف تماما لما يتحدث عنه غالبية السكان، حيث يجمع هؤلاء في أحاديثهم على انخفاض الأسعار، وأنها في متناول الجميع، وأن مئات آلاف فرص العمل توفرت، والمدرسة الجمهورية وفرت التعليم الجيد للجميع، وكذلك الغطاء الصحي عم على العباد في أنحاء البلاد وأن تآزر، آزرت الكل وبرامجها لم تترك موطنا اليوم على قارعة الطريق.
والكل في تنافس محموم لمن يكون له السبق في دعوة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للترشح لمأمورية ثانية.
فمن نصدق؟