تخيل كم كان لجمهورية مصر العربية أن تخسر اقتصاديا وجيوستراتجيا لو لم يتخذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراره الجريء بتأميم قناة السويس عام 1956، وكم كان سيتبخر من مليارات وثروات المملكة العربية السعودية لو لم يتم تأميم شركة النفط العربية الأمريكية أرامكو السعودية سنة 1988، وكم كان للجمهورية الإسلامية الموريتانية الوليدة أن تخسر لولا حكمة الرئيس الراحل المختار ولد داداه بتأميم شركة ميفرما، سنيم عام 1974، وكم نخسر الآن - وكل يوم - بسبب اتفاقيات التعدين المجحفة التي لا تترك لنا سوى ضريبة مالية سنوية محدودة المقدار، وضريبة بيئية ستبقى مع الأجيال القامة.
بعد سيادة اللبرالية الاقتصادية لعقود متعددة، وانتصار العولمة الغربية لسنين طويلة عادت الدول والكيانات السياسية إلى ترسيم الحدود الاقتصادية، وفرض القيود على التجارة الدولية، ودعم الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية بسبب الأزمات الاقتصادية المتكررة، والخلافات السياسية بين الدول، والمنافسة غير الشريفة بين الشركات. ومع ذلك لا زالت ليبرالية جون لوك الاقتصادية تطبق جبرا على الضعيف، ويختار منها القوي ما يزيده قوة وتحكما في مفاصل الاقتصاد العالمية وسوق الموارد الأولية، التي تسحب من تحت أقدامنا دون أن نشعر.
صحيح أن بعض الدول يقوم اقتصادها على الاستثمار الأجنبي، ولذا لديها الكثير لتخسره لما تستولي الدولة على أي استثمار أجنبي، ولحسن حظنا ما زال اقتصادنا ريعيا مساعداتيا بالدرجة الأولى، وليس لدينا الكثير لنخسره لو فكرنا في التأميم، وحتى لو كان، فإن الدول لا تهتم بالمبادئ كثيرا عندما تهدد المصالح، ولا أدل على ذلك من تدخل الحكومة الأمريكية في عرين الليبرالية بإنقاذ البنوك والشركات الخاصة بما يصل لنحو تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب خلال أزمة 2008 المالية، ليكافأ بعد ذلك عراب ذلك الإنقاذ بن برنانكي وزير الخزانة الأمريكي بأكبر تزكية اقتصادية في العالم: جائزة نوبل.
وقد يقول البعض إن دولا مثل بلدنا ليس لديه القدرة اللوجيستية الكافية، ولا الخبرة البشرية اللازمة لاستكشاف مواردنا الطبيعية وتسييرها، وما أضعفها من أو هام! أما بالنسبة للأولى فإن سوق الوسائل والتكنولوجيا اللازمة مفتوح لمن يدفع المقابل، وأما بالنسبة للأخرى فإن دولة وليدة عمرها ثلاث سنوات استطاعت تسيير سنيم والوصول إلى قلوب جبال تيرس الصماء، قادرة على نبش الذهب والنحاس في صحراء تيرس وإنشيري بعد تراكم ستين سنة من الخبرة في مجال التعدين، كما أن سوق الموارد البشرية أيضا سوق عالمي مفتوح، وكل سوق يجلب لها ما يروج فيها.
لست من غلاة الاشتراكيين، ولا من دعاة التأميم الراديكالي، ولكن نذكر بما نادى به نائب مدينة أكجوجت الغنية الفقيرة، أكثر من مرة، بضرورة مراجعة شروط الاتفاق مع شركات التعدين وتحديدا MCM ومثلها كينروس - تازيازت، مراجعة شاملة تعيد للدولة الموريتانية سيادتها، وللشعب حقوقه المسلوبة. ويكفي شرط واحد جوهري يقضي بأن تكون نسبة 51% من أسهم هذه الشركات ملكا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، لتصان حقوقنا الاقتصادية، وبعد ذلك أهلا وسهلا بالمستثمرين المحليين والأجانب. هذا عن البر، أو عن البحر فحدث ولا حرج.