كلمة الإصلاح ـ بما أنها كانت داخل هذا المؤتمر ومشاركة فيه بنية الإعجاب والاعتزاز والافتخار فإنها خرجت منه كما دخلت ـ بزيادة ذلك الاعـتزاز والافتـخار بناء على المعطيات التالية:
أولا: شاهدت بأم عينيها حسن التـنظيم ودقته وذلك لإسناد أعظم مهامه وأصعبها إلى كوكبة من شباب الحزب قامت بأداء مهامها بكفاءة وأخلاق وبآداب إسلامية قـل وجودها خارج بلادنا ولله الحمد.
فقد مثـلوا بنجاح: نشاط وحيوية ما يشاهده المواطنون من طاعة ونشاط (بزب) العسكرية لكن (بزب تواصل): مدنية لا تعرف العنف ممارسة في عملها.
ثانيا: لقد أدار الأخوة رؤساء حلقات المؤتمر جميعها مؤتمرهم بلباقة وحنكة وديمقراطية وعدالة ورزانة وصبر أبلوا في الجميع بلاء حسنا، فقد أعطوا المداخلات التي بعضها يكاد يشبه الشغب والفوضى، لأغلب من طلبها واستمعوا للجميع بتأن وروية إلى آخر حسن إدارة الجلسات فهنيئا لاختيارهم لتـلك القيادات.
ثالثا: اختيار الحزب لموضوع الدعوات الموجهة للخارج لحضور المؤتمر اختيارا موفقا كما كان اختيار تـلك الجهات لممثليها في المؤتمر هو الآخر أحسن اختيار في التاريخ المنظور على الأقـل.
فـلقد أسدى حضور أسد الله هذا القرن المجاهد الأعظم أبو الوليد خالد مشعل على هذا المؤتمر رونقا بهيجا لفت به أنظار جميع المواطنين مساندين ومعارضين حتى أصبحت موريتانيا ـ هي ـ وكأنها منحصرة في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ( تواصل) وقد استمر هذا الالفات والإعجاب والتقدير لهذا المؤتمر من أول يوم وحتى نهايته، كما كان بقية أعضاء الوفود أشخاصا متميزين تميزا لا تخفى قامته ولا مشاركته الفعالة في المؤتمر ـ فـلقد عبر الزعيم عبد الفتاح موروا بأنه الابن البار والمخلص لحزب النهضة التونسي المجاهد والمعروف بجهاده وحيويته وإسلامه المتبصر كما كان دور الممثلين الآخرين لا ينقص عن ذلك.
وعلى إثر نتيجة هذا المؤتمر أهنئ هذا الحزب على الخاصية التي خصه الله بها وهي: أن المتأمل في اجتماعاته سوف ينظر بإذن الله في وجوه كلها ناضرة بالإيمان (وليس بأنواع الأدهان) ونرجو أن تكون في الآخرة إلى ربها ناظرة.
فلا شك أن من كان يمر في ممرات المؤتمر قد رأى هذه الصورة هكذا سواء كان لون المنظور المؤتمر أبيض أو أسود ذكرا كان أو أنـثى شابا أو شيخا الخ فهنيئا مرة أخرى ومرات للحزب الذي نتمنى له الوصول إلى مبتغي مخلصيه دنيا وأخرى.
ومن جهة أخرى فإني أهنئ الحزب في اختياره لرئيسه الجديد متمنيا له ولهم التوفيق والسداد وسلوك الطريق البيضاء وهي طبعا الطريق المستـقيم في السنوات القادمة بإذن الله ـ بالعزة والكرامة والرفع من شأن ذلك الحزب صاعدا مع الدروج الإسلامية في أول وضعها على يد القائد الحقيقي لهذه الأمة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم عندما تحين الدعوة لـتـلك القيادة في قوله تعالى {يوم ندعو كل أناس بإمامهم}.
وبمناسبة هذا الاختيار فلا شك أن المؤتمرين راعوا في اختيارهم لمرشحهم سلوك وأخلاق ومعاملة عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة للأمة ولكن عليهم هم أن يزودوه بتوجيهاتهم ومواقفهم بسيف خالد بن الوليد للمعاملة مع الخارج الموريتاني ودرة عمر بن الخطاب للمعاملة داخل الحزب مستعينا في ذلك باستشارة أسد الحـــــزب "والحَمَل" المسلم المفكر المترجل.
أما الملاحظات على الحزب فهي تـتـلخص في قضيتين أحلاهما مر:
أولا: وثائق المؤتمر:
هذه الوثائق كتبت على شاكلة، ونوقشت هدرا، وصودق عليها على حرف، ولولا أنه من المعروف أن ضرب المثـل ينطبق على أكثر الوثائق العالمية ومنهم هذه الوثائق وهو "حبر على ورق" لكان وجودها والتصويت عليها أحدث شرخا غائرا في المؤتمر.
فالكاتبون لها كأنهم فاقدون لجملة واحدة أو حلقة كانت مفقودة عند الحزب يراد استرجاعها في المؤتمر فقـل أن تـقرأ ورقة واحدة من جميع الوثائق إلا وفيها شدة الاعتزاز والامتنان بوجود التنوع الثقافي واختلاف الألسن والألوان إلى آخره حتى أن الكتاب للوثيقة ناقضوا ما كتبوا: فمن جهة قالوا إن السواسية في بني آدم بدأت عند الميلاد فكلنا منــتسبون لآدم وحواء ولكن الله فضل بعضنا على بعض بالتقوى {إن أكرمكم عند الله أتـقاكم} (وهذا حق ويكفي) إلا أنه عندما يصل إلى الفقرة الخامسة من الرؤية المرجعية "التعدد والتنوع" يكتب الكاتب للوثائق: امتازت هذه البلاد المباركة بتـنوع وتعدد ساكنتها مزيجا بشريا تداخلت فيه الثقافات من سلالات متعددة إفريقية وعربية وبربرية وانصهرت كل تـلك الثقافات في بوتقة الإسلام وتخمرت بعجينة الدين الواحد إلى أن يقول: ونعـتـقد أن تحقيق الأخوة الإسلامية والوحدة الوطنية بين مكونات هذا الشعب البيظانية والحرطانية والبولارية والسونكية والولفية أولوية الأولويات إلى آخر تـلك المخرجات والجمل الخارجات عن نطاق الحزب وسلوكه الإسلامي المنتهي عند قوله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتـقاكم} وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على عجمي..." الخ الحديث.
فـتنوع الألسن والألوان هو آية من آيات الله وليست داخلة في معاملة أهل الإسلام فيما بينهم فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتـنة في الأرض وفساد كبير" يكفي في ظهور الوحدة الوطنية (فمن) لا لون لها ولا لغة إلى آخره.
فذكر هذه الأصول المختـلف فيها وتـثبيتها في وثائق الحزب وذكر شرائح متـفرقة في لغتها وأخرى متفرقة بلونها دون لغـتها هذه كلها تعسفات كان محلها البقاء في أفكار أصحابها دون وجودها في وثائق الحزب التي بدأ عنوان رؤيتها بقوله تعالى {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} إلى آخر الآية.
فهذه الوثائق لم يصوت عليها تصويت الإسلام بمعنى أنه لم يتأكد كل مؤتمر أنه سمع مضمونها وما أدخل في مناقشتها لم يطرح للتصويت عليه بل أصرت لجنة القيادة أن تطرحها للتصويت دون ما طرأ عليها من تصحيح وصوت عليها الجميع في هرج ومرج، وفي ذلك الوقت اختـلط الحابل بالنابل في التصويت حتى أجيزت الوثائق كما هي مع شبه إجماع المؤتمرين أنها لا تصلح للتطبيق، مع أنه ولله الحمد كما قدمت لم يطبق في الوثائق إلا الجمل النظرية دون الفكرية.
ثانيا: الملاحظة الثانية ليست طارئة على المؤتمر ولكن بعض الشر أهون من بعض ألا وهو شدة تمسك هذا الحزب بالترجمة للفرنسية إلا أنه ولله الحمد أدخل هذه المرة اللغات الوطنية.
فرفع الواقع محال والواقع أن من عنده لغة خارج العربية قـليل جدا في الحزب ولا سيما في القيادة والموجود فيه في القيادة متمكن من اللغة العربية بل فيهم الشعراء يحسنون العربية أكثر من الناطقين بها ولكنها العادة الجهرية اللصيقة بصاحبها ولو كانت مقززة للآخرين، فإن الوقت الضائع في الترجمة في الحزب يمكن أن يقرأ فيها القارئ خمسا من القرآن ليجد في كل حرف منه عشر حسنات بدل جولات التـفكير في كل شيء لعدم شغـله وسجنه مع عدم رؤيته للفائدة في الإنصات.
أما الكارثة الكبرى في المؤتمر فهي إظهار هذه العادة السيئة وكشفها للمؤتمرين حتى ترجموا تدخل المجاهد العظيم خالد مشعل فلم يتركوا آثار عباراته ونبرات صوته المؤثرة في كل مستمع فجاءوا بممحاة الترجمة ليغسلوا كل ما تركه ذلك المجاهد من التأثير من مدح موريتانيا وعرض قضية فلسطين بأحسن عبارة وأكثرها تأثيرا في القـلب.
وصدق المفكر الآخر عبد الفتاح مورو حين حمد الله على أن كلمته وراء المجاهد خالد مشعل جاءت بينهما الترجمة بالفرنسية لتجد كلمته فراغا في العقول الذي تركته الفرنسية فيها.
وأخيرا أود في آخر هذه المقالة أن أتـكلم عن بقائي أنا هذه المرة عن مؤسسات الحزب مكتـفيا بالانتساب إليه فقط مع أنني أعتبر هذا الانـتساب لأفكار هذا الحزب كنت فيها منذ بلوغي وصححت عقيدتي داخلها سنة 1966 قبـل الترخيص للحزب طبعا فالحزب هو الذي جاء بالترخيص إلى الانتساب وليس العكس، لكني قررت قبل المؤتمر أن أكتـفي بالانتساب لأن الجلوس في السنة مرتين في مجلس الشورى لتدخل في الجلسات أغلب نتائجها أسمع غير مسمع وأنا لا أعرف التغيب ففضلت التغيب المشروع وخوفا من إشاعة الاستقالة انتظرت انعقاد المؤتمر ليبقي اسمي خارج المجلس لأن الاستقالة من عقيدة الحزب أعتبرها استقالة من العقيدة أصلا
لا قدر الله ذلك في حياتي مع أنه قال لي أحد أعضاء لجنة تعيين المجلس أنهم كانوا شحيحين في التعيين فقلت له إني متفهم لذلك الشح فقد طلبت أحد القادة الحاضر دائما في قضايا الحزب ألا يكتب اسمي في هذه المرة
لا بداية ولا ملحقا كما في المرة السابقة، ولكن سوف أبقي بحجمي كما كنت داخل هذا الحزب وأعتبره سالكا الطريق المستقيم فمن سلك غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه، أما مجلس الشورى وغيره من المؤسسات فإني استودعه الله متمنيا لهم التوفيق في التدخلات والاستجابة لأغلبيتها وأرجو أن تكون مقبولة عند الله كما قال تعالى {إنما يتـقـبـل الله من المتـقين}.