أثوابٌ متناثرة في غرفة مهجورة وعلى الشماعة تُعلق منشفة بالية ، اهترأت وتآكلت بفعل الزمن ، ذلك ما فعله غياب 3 أعوام عن غرفة في أحد أحياء مدينة أطار العتيقة،
وفي المشهد الآخر مدينة ، شوارعها متآكلة ومتسخة ، القمامة في كل مكان ، والحيوط أصبحت عليها آثار الرش ، وكُل مساءِ تكتسي المدينة بغبار أزيز السيارات ، وتنتهي الحركة بعد ساعات قليلة جدا من المساء ،
أمام مكتب الوالي لا يزدحم أحد لأنه ليس هناك شيءٌ ، الدور التي كانت مركزا للمدينة اختفى إشعاعها لم يعد أحدٌ يهتم ، الزحام الوحيد في الأيام العادية يكون أمام مكاتبِ شركات النقل ، إلى انواكشوط ، إلى انواذيب ، وليس هناك نقل للجحيم (حمدا لله).
زمن الانتخابات تمتلئُ المدينة بالوافدين من أبنائها البررة ، سياراتهم الأنيقة ، المجللة بالغبار ، ثيابهم القشيبة ، ورائحة العطور الباريسية ، الثمينة ، ويبدأ الزحام على مكتب الوالي والعمدة ، ومقرات الدولة ، وتبدأ السهرات الفنية ، ويعم المدينة جو من الحركة خاصة الليلية ، يجدُ المتسكعون أماكن جديدة للإثارة ، ويشاهدون سيارات لا تشاهد غالبا إلا في إعلانات القنوات الخليجية ، وبعد الانتخابات ، يرتحلون ولا تبقى إلا قصصهم المثيرة مع المراهقات !
هكذا يرتبط ازدهار مدينة معينة بموسم سياسي ، صُمم من أجل التعبير عن الرأي ، واختيار "الأصلح" ، وعندما ينتهي يذهبُ "الأصلح" في سيارته الفارهة ، ويترك الناس على جنبات الطريق فاغرين أفواههم ،
لقد ذهب "الأصلح" ولن يتذكروا عنه إلا ضرائبه المرفوعة على الدكاكين وسيارات الأجرة ، والقمامة المنتشرة في كل مكان ، وعندما يحاولون الاتصال بـ "الأصلح" صاحب المكان المرموق في الأسرة والعشيرة ، من أجل مياه صالحة للشرب ، يقولُ ضمنيا ، والكلام أبلغ من الفعل ، أنه ذهب بكل شيء يصلُح له ، ولو كان هناك ما هو صالحٌ حقا لما تركه وراءه.
في الفقرات السابقة ، أوصاف دقيقة لغرفة ومدينة أهملهما الغياب ، لم تكن الغرفة سيئة إلى حد كبير ، لأنها ملكٌ لشخص واحد ، ولأنه لم تتم فيها خيانة بشر أو اللعب بعواطفهم ، أما المدينة فقد كانت ملحمة حزنٍ وبكاء ، وصوت خيانة تعيد صداه الجبال التي تحيط بها
خيانة تتم في حق شعب مسالم ، لا يريد إلا توفير الخبز والماء الشروب ، بطريقة ما ،
مجتمعٌ يسعى
الزراعة والتنمية ، وأطره (الأغبياء منهم ، وما أكثرهم ) يسعون إلى تهجيره وتشريده ، في المدن ، أو تكديسه في مأساة الدولة الموريتانية : (مدينة أنواكشوط)
فهل هناك ملاذ ، وهل يفيق الشعب المترنح من سكرته ، ويمسك بأرجلهم ، ويُقعر إطارات سياراتهم ، ويبصق في وجوههم كما بصقوا على قفاه.
من يدري ؟
ربما!