على مدار الساعة

صحافيون أعداء للصحافة

31 يوليو, 2018 - 13:48
عنفار ولد سيدي الجاش / صحافي موريتاني مقيم في أمريكا

كثيرا ما تم التركيز على حرية الصحافة باعتبارها هي كل شيء لصاحبة الجلالة لتؤدي المهمة المنوطة بها على أحسن وجه، لكن الأمر فيه شيء من سوء التقدير وشي من غياب الفهم الدقيق لكيفية عمل الصحافة.

 

الحرية هي التربة التي لا يمكن لصحافة سليمة أن تبنت إلا إذا نبت فيها، لكن الحرية وحدها لا تضمن وجود صحافة سليمة، إنها تضمن فقط للصحافيين أن يمارسوا عملهم بكل حرية. هناك مثل يقول بأن "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، وهذا المثل ينطبق على الصحافة التي لا تعيش بالحرية وحدها.

 

عندما تتوفر الحرية للصحافيين، فإن الكرة تكون قد رميت في ملعبهم ليقرروا مصير اللعبة، لكن للأسف فإن العدو الحقيقي للصحافة ليس هو ذلك النوع من الأنظمة الذي يكبل حريتها ويجعلها رهينة له بطرق أخرى مثل التحكم في الإشهارات وغير ذلك من وسائل خنق الصحافة ماديا حتى تكون بوقا للحاكم. هناك أعداء خفيون يضربون الصحافة من الداخل، ويمكن اعتبارهم هم الأعداء الأكثر سوءا على صاحبة الجلالة. أعتبرهم أكثر سوءا أحيانا من القوانين الزجرية لأن تلك القوانين يمكن التخلص منها ذات يوم، لكن الأعداء الداخليين للصحافة لا يمكن التخلص منهم، لأنهم ليسوا سوى صحافيين يقتلون الصحافة في صمت.

 

يكون الصحافي عدوا للصحافة عندما تتوفر له الحرية ليمارس عمله بكل أريحية، لكنه يفضل أن يصادر حريته بنفسه، فهو لا يريد أن يكتب شيئا يعتقد أنه سيغضب حكومة، ولا يريد أن يجري تحقيقا في قرار إحدى الشركات فصل عدد من عمالها تعسفيا دون سبب معلوم. يعذب هذا النوع من الصحافيين نفسه بكتابة فقرة ثم حذفها أو تعديلها حتى ينال بها رضا رئيس أو وزير أو مدير شركة قد يمنحه ذات يوم فتاتا من أرباح طائلة حصل عليها بالتحايل والتهرب الضريبي.

 

يكون الصحافي عدوا للمعلومة الصحيحة والتحليل المحايد القائم على الوقائع، عندما يقحم نفسه في الخبر، ويقرر أن يُصرّف قناعاته السياسية والإيديولوجية في المضمون الإعلامي الذي ينتج.

 

يكون الصحافي عدوا للصحافة عندما يجعل التمسك بالخط التحريري لمؤسسة ما، فوق قداسة ضوابط المهنة وأخلاقياتها. أن تكون صحافيا يعني أنك يجب ألا تقبل أن يكون الخط التحريري أكثر جلالة واحتراما من أخلاقيات الصحافة نفسها، فلا يمكن أن تسمي نفسك صحافيا عندما تتلاعب بالمصطلحات من أجل إرضاء مؤسسة تسمي نفسها صحافية وهي ليست سوى مؤسسة للدعاية.

 

يكون الصحافي عدوا للصحافة، عندما يكتفي دائما بالحصول على الأخبار من مصدر واحد، وينسى أو يتناسى أن عليه التأكد من الخبر الواحد من عدة مصادر، ما لم يتعلق الأمر ببعض الحالات مثل تصريح من مسؤول أو شيء من هذا القبيل. الصحافي الذي يعتقد أن السرعة هي المعيار الوحيد للتميز الإخباري قد يسقط في أي لحظة في فخ الأخبار غير الدقيقة أو الأخبار الزائفة والمضللة.

 

يكون الصحافي عدوا للصحافة عندما يتعامل بانتقائية مع بيان أو تصريح أو معلومات معينة، فيقتطف منها قطعة ويضعها في غير سياقها أو يخرج تلك القطعة عن سياقها ليسقط القارئ أو المشاهد في فخ الاستنتاجات الخاطئة، في هذه الحالة لا يكون الصحافي قد نقل المعلومة الصحيحة وإنما قام بمغالطة الرأي العام.