على مدار الساعة

نحن والتعليم وبراجماتية البيداغوجيا

5 سبتمبر, 2018 - 12:31
باي النحوي

ذات مساء شاعري، اكتسى حلة الجمال اليوسفي، كان مسترخيا على الشاطئ البحري، يستمتع بالمنظر الباهر حسا ومعنا... ذلك المنظر الرباني، فتلك الشمس تأوي إلى مضجعها، تعانق موجات البحر اللاطمة، وتكسو السماء بحلة من أشعتها الحمراء الخجولة، وتلون الأرض بلون ذهبي، وتلك أزهار تلقي الابتسامات وتي قطرات الندى تثير المشاعر في لوحة دافينشية كأنما هي وجه بشري مدور حباه الله بالجمال فارتسمت على وجهه بسمة قتالة (أخاذة) تؤرق ليل العاشقين وتحرك سواكن القريض في نفوس الشعراء.

 

وبينما كان الفتى يستمتع بالمنظر الخالد ومع استماعه للحن بيتهوفيني خفيف يفيض الحبر الشاعري، وارتشافه لكأس من عسل مصفى، عكر الصفو شيء ما... ما هو؟ ...نزع السماعة وأوقف الخلفية التي كانت تعزف لحن بيتهوفن سيمفونية دخول الجنة ليتصور أنه حقا الآن في جنة الدنيا وقام متثاقلا ليعرف ما الخبر... وإذ ذاك سمع صوت نجدة واستغاثة لا يكاد يتضح، وبعد هنيهة تأكد منه إذ هو صوت يغرق، يغرق... لا غرق نزار في الموج الأزرق، بل غرق التايتانيك في المحيط الأعمق، ليأتي على باله لحن "سلين ديون" العظيم وعزف "أندريه ريه"، لكنه يستفيق لينزع الجلباب الحريري عن جسمه المفتول العضلات، ثم يروح يمنة ويسرة ليحدد مكان النجدة، فيصيح بأعلى صوته: من أين تنادي يا منادي؟ ومن ذا تكون؟

 

وبدل أن يجد إجابة بالمفيد المختصر سمع صوت همهمة وشكوى من عمق البحر كأن صاحبه يبكي على نفسه ويرثيها قائلا:

 

حينما يحدثني الإلهام، وتلهمني الأحلام فتصدها العوائق الجانبية صدّا... حينما أستيقظ من الحلم لأجدني في واقع أليم وحالة يرثى لها... حينما تكون حتى قامة الأحلام قصيرة... حينما يكون البؤس الرفيق والمستحيل عنوان الأحلام والعجز مصيرها المحتوم... فأنا هنا حتما في هذا المنكب البرزخي الذي أضاعني وأي فتى أضاع.

 

- أتراك قد جننت يا هذا؟ أين أنت لأنقذك؟

- لا تقدر على ذلك وحدك.. وحتى لو أردت فلن يتركوك تفعل، إنهم يتلذذون بحالتي وبتعذيبي.. لكأنهم مجموعة من مصاصي الدماء... أتدري بأني أنا ربان سفينة أمجاد الأمم... أتدري بأني صانع الرجال ومغذي الهمم... أتدري بأنه من عباءتي خرج الذين غيروا وتيرة سير هذا العالم وكانوا في سبيل تطورها القدم... فيزيائيون رياضيون وذوو الكلم... مناضلون محررون وكل اغترف من بحري غرفة علم... وحسبي بأني أوصى بي خاتم الرسل سيد العرب والعجم... أتدري.. ولكني فقدت هويتي وصرت كالعدم... في أرض شنقيط، أرض المنارة والكرم... أرض شنقيط التي قد عرفتها في القدم... عرفت لها رجالات ذوي همم... لكن حالها تبدل وصار لها رجال أقزام في فكرهم وفي سيرهم قثم... أتدري... لقد باعوني وما اشتروني، لثمن بخس قد رموني، أنا ما ذنبي ليدفنوني؟ أنا ما ذنبي ليغرقوني؟ وكيف لهم أن لا يفهموني؟ أن لا يرفعوني؟ أن لا ينقذوني؟...أتدري..؟

 

- أثرت فضولي... إذا ما المشكلة؟ وكيف فعلوا ذلك؟ ومن أنت؟

- من أنا؟: أنا التعليم لا أخجل..، أنا الفارس المبجل، أنا النور وأنا الأمل...

 

ما المشكلة؟: في موريتانيا جعلوني أسير هوى ورغبات وشطحات ذوي البطون

في موريتانيا رموني شأن بائعة الهوى لأتمنى أقله أن أكون بائعة كسكس

في موريتانيا تم تلطيخي تم تدنيسي... في موريتانيا... في موريتانيا....

كيف؟ لك أن تعلم أنهم من كثرة الإهمال والمادية والبراغماتية التي صارت تكبلهم جعلوني في صور وحالات حتى الصخر يبكي لها

 

ولك أن تزور ما يسمونه بالمدارس الحرة حتى تعلم...

فأي معنى تربوي أو منهجي يمكن أن يعطى لازدحام الـ100 طالب في فصل واحد آخره لا يرى أوله تراهم كمثل البهائم منبثين يمنة ويسرة... ثم إنه ما عاد للمعلم اليوم إلا من رحم ربي شغل غير الكسب وتحصيل المال وما عاد يهتم بقيمة العلم. كذلك هو شأن الطلبة الذين ماتت فيهم روح العلم وإجلال قيمته وما عاد لهم اهتمام سوى النقاط لأنها هي التي أصبحت الفيصل في قضية لا معنى لها ولا أساس فصار الكل يتسابق لأجل النقطة وما عادت هناك روح العلم الحاثة على الاطلاع والتشبع بالمعرفة الذي منه القيمة وبه القيمة وله القيمة والرجال الذين تحملوا وتكبدوا عناء تحمل مهمتي من أساتذة كرام وأجلاء لكأنهم العدم في نظر الدولة لا قيمة ولا اعتبار، صور إهمالي لا تحصى والفقير ما عاد له نصيب إلا في مدارس عمومية تعاني من مشاكل بنى تحتية وتغيب أساتذة انتقلوا للمدارس الحرة أو "الدكاكين" الحرة، لقد صرت تجارة وبضاعة، بيع وشراء، هذا يشتري وذاك يبيع وكل يرتجي نصيبه، ومعاملة الطالب والأستاذ صارت مادية بحتة إلا من رحم ربي وهم رجالات حملوا الهم و صنعوا المجد وصدقوا ما عاهدوا الله عليه...

 

آه يا حكومة..الـ...

أزيدك من الشعر بيتا؟

يتبع.....