على مدار الساعة

عن الدور الأساسي للأحزاب السياسية

19 ديسمبر, 2019 - 01:36
د. عثمان ساوو

هل الدور الأساسي للأحزاب السياسية هو المشاركة في إنعاش الحياة السياسية أو بالأحرى لعب دور وسيط بين الشعب والحكومة؟ محاولة التفكير    

 

"يمكن للرجل تسلق جبل إفرست لنفسه، ولكنه في الأعلى يرفع علم بلده " مارغريت تاتشر

 

النص والسياق:

من الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن هناك بعض خيبة الأمل بين المواطنين تجاه الأحزاب السياسية، والتي لم تعد تعتبرهم بالضرورة أفضل ممثلين ووسطاء. في بعض البلدان، تكون للأحزاب وظيفة قيادية. فهدفهم هو الوصول للسلطة وممارستها من أجل تنفيذ السياسة المعلنة. إذا كان المفهوم التقليدي في الأنظمة التعددية (حيث توجد عدة أحزاب) هو أن السلطة التنفيذية هي المسؤولة عن المصلحة الوطنية بشكل مستقل عن الأحزاب، فإن الأخيرة تضمن ممارسة السياسة الوطنية، من خلال ممثليها في الحكومة والأغلبية البرلمانية. إنها تضفي الشرعية على النظام الديمقراطي وتضمن له الاستقرار، بجعله يعمل. كما أنها تساعد على تنظيم الرأي العام من خلال إثارة النقاش السياسي.

 

هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الأحزاب السياسية، وفقًا للمحللين السياسيين:

1-  ما يسمى بالأحزاب "الإطار" التي ولدت في القرن التاسع عشر، وهي أحزاب أسست في البداية من طرف الأطر البرجوازية أو الأرستقراطية وتصنف تقليديًا على اليمين أو في الوسط كما هو الحال في فرنسا؛

2-  ما يسمى بالأحزاب "الجماهيرية" التي ولدت في بداية القرن العشرين مع تطور الاشتراكية والشيوعية، وهدفها تغيير نمط المجتمع وتحقيق نظام اجتماعي جديد. لذلك، تعتمد على تنظيم بنيوي هرمي وعلى عدد كبير من الأعضاء، وهو ما يضمن لها استقلالها المالي وتأطير ناخبيها؛

3-  تتميز أحزاب الناخبين، وهو مفهوم ظهر في الستينيات من القرن الماضي وترتبط بالنظام الأمريكي (الانتخابات الأولية) وتتميز بالسعي لجمع أكبر عدد ممكن من المتعاطفين، وتلتزم بتعزيز الأهداف الجامعة.

 

الهيكل

في جميع بلدان العالم، يتم تمثيل الفاعلين السياسيين عبر نشطاء الأحزاب السياسية الذين يسعون إلى الوصول الي السلطة. ويسعى المواطنون المتجذرون في التنظبمات إلى التأثير على السياسة العامة والإجراءات الحكومية لصالح مصالحهم. فإلى جانب الأحزاب السياسية، والمنظمات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات البرلمانية والقضائية، والجامعات والدولة، كل منها بطريقتها الخاصة، تريد أن تكون فاعلا فريدا من نوعه يحظى بدور متميز لا يمكن الاستغناء عنه.

 

إن الهدف من الشأن العام والتماسك الاجتماعي هو الرفاه الفردي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فالديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها ولكنها وسيلة لتحقيق رفاهية وكرامة البشر. ولإنجاح الديمقراطية، يجب على الجهات الفاعلة أن تعمل في تآزر، في وضوح جلي للأدوار، في جو من الوقار أو الاستماع والاحترام المتبادل.

 

إن بناء الديمقراطية يتم من خلال طرق تفكيرنا، وأساليب حديثنا، ومواقفنا تجاه بعضنا البعض، وسلوكياتنا وممارساتنا. فقارتنا على مفترق طرق وتعيش لحظات فريدة من نوعها في تاريخها. هناك جيل جديد يتطلع إلى الأخذ بزمام الأمور والعمل في المعارضة.

 

إن الحملات الانتخابية تكون قاسية وتصبح أحيانا سابقة لأوانها. على الرغم من أهمية التحديات الحالية والمستقبلية، نتحمل جميعنا مسؤولية العمل من أجل إجراء حوارات هادئة حول توجيه سياساتنا العامة، واستخدام الأموال العامة من خلال حكامة ديمقراطية شفافة وفعالية لديمقراطية إدارية في خدمة رفاهية المواطن.

 

في أفريقيا، لسوء الحظ، فإن الجهات الفاعلة في الممارسة الديمقراطية مرتبكة وتسبح في حالة شبه كاملة من عدم التمييز. ممارستنا الديمقراطية مصابة بالدوار. لدينا ديمومة احتجاجية تقودها الأحزاب السياسية كما لو كانت تريد إطالة المعارك الانتخابية الخاسرة.

إنه ليس دور الأحزاب. فليس من مسؤولية الحزب السياسي تنظيم وتوجيه المسيرات. إن مهمتها تتمثل في الوصول إلى السلطة من خلال تصور وتعميم طرح سياسي جديد، وإلا فإن الأمر يبدو وكأنه ثورة.

 

يجب على الأحزاب السياسية مواصلة تدريب مناضليها، وتصميم برامج بديلة للجماهير للاستيلاء على السلطة. ينبغي أن يكون عملها المهم مبنيا على المنافسات الانتخابية. يجب أن يكون المجتمع المدني في حالة تأهب؛ يتعين أن تتوقف عن كونها مجتمع مدني خمولي؛ يجب أن تتجنب خوض معارك الأحزاب السياسية؛ يجب عليها البحث مع الحكومة والبرلمان و مساءلتهما عندما تشعر بانحراف في الشأن العام؛ كما يجب عليها تحسيس السكان، وتمثيلهم في القضايا الناشئة والتحديات الجديدة. يتطلب بناء ديمقراطية كبيرة مجتمعًا مدنيًا مستنيرًا ومنظمًا ومتأهبا وقويًا. يجب على الحكومة أيضاً أن تستجيب وتأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المجتمع المدني والمواطنين.

 

الأحزاب السياسية، أزمة ثقة أم عدم اهتمام؟

إن الأحزاب السياسية لم تعد مقبولة شعبيا. لقد هزلت لدرجة أن المرء يستحضر اختفاءها في اي يوم لإفساح المجال أمام المزيد من الحركات التشاركية. نلاحظ تدهورًا مبرمجًا تقريبًا في الهياكل الحزبية، وقد هجر المناضلون منذ سنوات الأحزاب التقليدية التي لم يعودوا يجدون فيها ذواتهم. اليوم هناك ميل قوي بين الموريتانيين لاعتبار هذه الاحزاب لا تفهم مشاكل البلاد. يرتبط هذا الشعور بحقيقة أن الشخصيات البارزة التي تديرها ترفض توسيع أي عملية تجديد أو إصلاح. وهذا النقص في التجديد يؤدي إلى الاستياء السياسي. كما هو الحال في جميع الأنشطة البشرية، فإن عدم المنافسة واحتكار الوضع ينتهي بخنق جميع المبادرات.

 

الأحزاب قديمة الطراز

إنها الأحزاب ذات الطراز القديم، حيث لا يزال يتم استدعاء الآلاف من الأشخاص لحضور اجتماعات الاتحاديات والاقسام والخلايا كل أسبوع لإرضاء نزوة الزعيم. لا توجد مقترحات أو عروض سياسية بديلة جادة ناشئة عن اجتماعات هذه اللجان. هذه الممارسات تتعب في النهاية النشطاء السياسيين الذين يناضلون من أجل تنمية البلاد. تبقى السياسة بالنسبة لهم ميدانا لا تمثل فيه السيادة والمواطنة الشعبية سوى أوهام. إن غياب النقاش الداخلي والبنية والمقترحات الملموسة واستراتيجيات الحكم يخلق فجوة عميقة بين العالم السياسي والمواطنين. إلى جانب الإحباط الكبير من الناخبين.

 

انعدام ثقة المواطنين في الزعماء السياسيين

في مواجهة هذا الموقف، يطمح المواطنون بشكل متزايد إلى الخروج من هذا النمط التقليدي وإنشاء أشكال من الديمقراطيات المباشرة أو التشاركية لاستعادة السيطرة على مصيرهم. وبالتالي نلاحظ ظهور العديد من الحركات التي تنوي تنشيط الديمقراطية من خلال وضع المواطن في قلب النقاش العام. تكشف الظاهرة المتزايدة لهذه المنظمات الجديدة رغبة في التغيير. تعد الحركات السياسية للمواطنين اليوم بديلاً حقيقياً لمعارضة مستنيرة وقوية وواضحة وخيالية وحازمة ضد الحكم الحالي للبلد الذي يشعر فيه مواطنونا بالأسر.

 

التجديد السياسي، مشروع واسع

 تحتاج بلداننا إلى تجديد سياسي، وقوة جديدة قادرة على تشكيل مشروع تحريري واجتماعي واقتصادي. لكي تكون شرعية، سيتعين على السياسيين أن يتفاعلوا فيما بينهم، وأن يجمعوا أكبر عدد من خلال قبول تعدد الثقافات وضمان التماسك الشامل.

 

يدعو التجديد السياسي إلى مشروع واسع، وهو "عقد ديمقراطي" حقيقي. توجد الإمكانيات في بلدنا بمجرد أن نتجاوز السياسة الانتخابية الدائمة التي تمنع جميع المبادرات وتحظر أي تحرر للمواطنين. في بلد مثل موريتانيا، يتمتع الاقتصاد الوطني بآفاق ضخمة مواتية مع اكتشاف النفط والغاز. من الضروري مع هذا الاكتشاف تنشيط النقاش العام من أجل ربط جميع القوى الحية في البلاد باستعادة دولة ديمقراطية حقيقية تحمل الطموحات والأمال. في هذا السياق بالذات، لا يتم تعريف مواطنتنا من وجهة نظر قانونية فقط من خلال امتلاك الجنسية وحقوقها المدنية والسياسية. بل يتم تعريفها أيضًا اليوم على أنها المشاركة في الحياة العامة. ومع ذلك ، ليس للمواطنين دور إلزامي يلعبونه. في هذا المعنى ، فإن الوضع القانوني للمواطن هو وضع الحرية. يمكن للمواطن اختيار المشاركة (المواطن النشط) أو عدم المشاركة (المواطن غير المهتم) بالحياة العامة. يجب على كل مواطن احترام حقوق الآخرين التي تتطابق مع حقوقه. يمكن أن تحدد أيضًا مفهوم الواجب كقيمة أخلاقية يجب أن توجه المواطن في سلوكه في الفضاء العام. إن سلوك المواطنين تجاه بعضهم البعض ضروري لتحمل العيش المشترك في المجتمع. المداراة والاحترام والقدرة على مساعدة الشخص الذي يعاني من صعوبة هي عناصر أساسية للمواطنة التي تعاش في الحياة اليومية. خرق هذه القواعد الأساسية للعيش معا يضعف مفهوم المواطنة. ثم إنه يتعين على المواطنين احترام القوانين من أجل السماح للحياة في مجتمع منظم وتجنب هيمنة قانون "الغاب". عندئذ سنكون في موقف فوضوي، يتصرف فيه كل منهم وفقًا لرغبته الخاصة، دون الاهتمام بالقاعدة المشتركة.

 

إن التزام جميع المواطنين بالامتثال للقوانين هو أفضل ضمان بأن الحرية والحقوق والأمن لكل منهم مكفولة بشكل فعال.