على مدار الساعة

درس  الأندلس.. الماضي الحاضر

3 يناير, 2020 - 16:20
موسى محمود

التاريخ كالعملة يحمل وجهين، وبين ثناياه خطابات مشفرة، وأحداث زاخرة بالمعنى، مشبعة الدلالة، لا تفصح لغةً إلا حين تبلغ سن النضج فتؤتي أكلها على حينٍ وربما فات الريع من انشغل بالبذر عن القطف.

ولكي لا ننسى أيها السادة / السيدات درس “رحلة غرناطة وثلاثيتها"  و "ربيع قرطبة" والدماء "الحمراء" التي غطت "اللوح الأزرق" الحامل لروح "هاتف من الأندلس"، حتى نتذكر "النبيل بيلا" صاحب النصر في أول معارك السقوط بقاموسنا، الاسترداد بقاموس المسيحيين الاسبان، لكي لا ننسى المرحلة الفاصلة زمانا ومعنى وتاريخا؛ بين معركة بلاط الشهداء ومعركة "كوفادونگا"، بين انتصار الغافقي وهزيمة بن علقمة اللخمي.

نستدعي بوابة الزمن لتدور بنا عودا على بدء، لنسائل أبا عبد الله الصغير عن تسليمه غرناطة بقايا الروح في جسم الأندلس المسلم،  ولماذا البكاء بعد ذلك والنكوص عن الوعد؟! فقتل الإسلام قتلتين الأولى بالتسليم طواعية، والثانية بإعلان الحرب باسمه مما جعل الرعايا المسلمين بيد محاكم التفتيش الصليبية فسحقتهم سحقا وغربتهم في هيئة المجرمين لا يستطيعون حتى الهمس بكلمة الشهادة.

 

أيها الباكون على أمجاد ضاعت؛ اسمحولي أن أنفض الغبار قليلا عن عقولكم وعن جسدي المنهك فأحدثكم.."   والناس منصتة كأنما على رؤسها الطير..

 

دخلنا بلادا باسم الله فاتحين، فأقمنا ما أقمناه لأن الله أراد ولأننا أقمنا شرط النصر، دخلنا بيوتا لا يذكر الله فيها فوحدناه لا شريك له وعدلنا فزاد المفتتح وانتشر النصر وتحقق التمكين..

كان بإمكاننا المواصلة حتى مدريد وما بعد مدريد، لكننا ارتأينا أن نقف لنتمكن من أخذ النفس، وتوطيد دولتنا، غير أن الحظوة عظمت فتشظينا حينها جراء فقدان البوصلة إلى أقطاب ودويلات، وبتنا ليلتنا الطويلة - تلك التي تعد سنين - بتناها نترقب الهزيمة في كل قطعة من الليل.

نحن يا سادة غرقنا في بحر الحياة وترفها وزوروا موسوعة التاريخ لديكم لتتأكدوا أن إمارتي التي سلمت حوى مسجدها رغم أننا تحت الحصار أكلنا الكلاب والجيف أكرمكم الله من شدة الجوع  حوى مسجدها يوم دخله الأسبان أزيد من 300 مصباح من الذهب..! عوضا عن جمال القصور ومظاهر الترف الأخرى..

كنت أتنافس وصديقي على جاريتين وغلام أينا سيفوز بقلب أحدهما بينما خارج السور يفكرون في حشد جنود لمباغتتنا.

لا تلوموا أبا يزيد ومحمد الفاتح ولا المغاربة استنجدنا بهم لكننا هزمنا من الداخل حين تفرق جمعنا وفقدنا بوصلة النصر باهتمامنا بالوسيلة ونسيان الغاية لذلك لم يكن بوسعهم الانتصار لنا.

 

"كانت لدي جارية عذبة الصوت سباها المسيحيون فخذوا لي بالثأر واستردوا من وجد من سلالتها الطاهرة ودعوني أنهي نومتي...."

 

يعلق بن عبد ربه في طرف الجماعة بصوت أجهوري:

 

"اقرأوا ما دونت في نفح الطيب في غصن أندلس الرطيب لتفهموا جزءا آخر من الحكاية” قاطعته جموع الناس من خارج القاعة بصوت واحد:

 

ضيعتم الأمانة .. ضيعتم الأمانة

 

أزاح قليلا ابو عبد الله اللثام عن وجهه  قائلا وهو يعدل هيئة عمامته: المهم أن تفهموا الدرس جيدا وتكونوا مؤمنين كي لا نلدغ في جحر مرتين ولديكم القدس والشام ودور الإسلام فأدوا أمانتها  حتى لا يحاكمكم الأجيال أنتم أيضا.