على مدار الساعة

حتى لا يتحول مسار محاكمة الرئيس السابق إلى مهزلة

13 يوليو, 2020 - 13:44
بقلم محمد علي عم الأمين – قانوني، أستاذ جامعي متعاون

 إن بعض المنظرين والأقلام ركب موجة ضعف لجنة التحقيق البرلمانية، ونقص الخبرة لديها الذي جعل المسألة برمتها من وجهة نظري كقانوني قد أفرغت من قيمتها وبدت ملهاة هزلية ما دامت وثائق لجنة التحقيق التي هي المرحلة الأولى من مسار إجراءات التقاضي و الاتهام (سواء كان المختص قضاء برلمانيا كما ينبغي أو قضاء عاديا كما روج البعض) تتلاعب بها المواقع و الأفراد في وسائل التواصل، وكذلك مسودة أسئلتها التي يتنافس أعضاء اللجنة في تسريب الاتهامات الواردة فيها ، وفي التصريحات... وهو ما يشكل مخالفة صارخة لسرية الإجراءات والمداولات التي يلزم القانون أبسط عون قضائي بالقسم عليها قبل ممارسة عمله...

 

ليس هذا فقط بل وصلت السذاجة بهم درجة أن ينقل عنهم: "قال لنا الوزير الفلاني كذا.. والوزير الأول الفلاني حمل ولد عبد العزيز مسؤولية كذا وكذا.." (سواقه أهل المرصه) فلم يبق سوى أن يطلب الرئيس السابق عزيز حق الرد أمام وسائل الإعلام لتكذيب من شهدوا ضده.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اللجنة عجزت عن استجواب رئيس البرلمان المنبثقة عنه، وهو متهم رئيس في اتفاقيات الصيد، ورجل ولد عبد العزيز في ذلك القطاع، وقد صدرت عنه من قبل (أي رئيس البرلمان الحالي) تصريحات موثقة بالصوت والصورة تدينه، يتبجح فيها بنهب 48% من ثروة القطاع مستندا لحجج أضعف من خيوط العنكبوت... فكيف للجنة كهذه أن تأتي بنتائج يعول عليها المواطن المقهور في استرداد ثرواته التي استبيحت في البر والبحر، وأملاكه المنهوبة من أموال سائلة وعقارات؟!

 

ومن فصول المهزلة طالعنا هذا التنظير المنشور في بعض المواقع باختصاص القضاء العادي في الموضوع، و صلاحيته لاستدعاء و محاكمة الأطراف المشاركة وفق قانون محاربة الفساد، ويتضح أن هذا يخلق مزيدا من الجدل القانوني، وإذا سلمنا بأن الرئيس السابق أصبح كأي شخص عادي فمن المؤكد عجز هذا القضاء عن مجرد استدعاء رئيس البرلمان أو حتى أحد أعضاء الحكومة الحالية.

 

وفوق ذلك لا معنى لهذا التنظير الذي يذهب منذ الآن إلى إصدار الأحكام بالسجن في لكصر أو في دار النعيم أو بناء سجن جديد خاص لأصحاب هذا النوع من جرائم الفساد الكبيرة..!!

 

إنها مهزلة ضمن سلسلة مهازل إعلامية متواصلة .

 

تصوري للخروج من المأزق الحالي:

1. إن الحقوق المعتدى عليها في قضية محاكمة الرئيس السابق من النوع الذي لا يسقط بالتقادم.. ولا أحد فوق القانون.. ولا عذر لأحد في جهله.

2. إن الأمر يمثل خيانة عظمى بكل المقاييس حيث إننا أمام جرائم في حق الوطن والأمة مستمرة في إطار اتفاقيات تم توقيعها لعشرات السنين.

3. إن الاختصاص فيها منعقد لمحكمة العدل السامية التي يجب أن يتم تعديل قانونها، وتسد كل ثغراته في جو هادئ نظرا لاختفاء مجلس الشيوخ.. لكن هذه المحكمة لا يمكن أن تلتئم وتتكون من برلمان المأمورية الثالثة الذي هو جزء من عشرية الفساد، ورئيسه - على الأقل - متهم في نفس الملف.

4. لا يمكن لمحكمة عدل سامية منبثقة عن برلمان المأمورية الثالثة أن تقنع المواطن العادي - فما بالك بالنخبة - بمصداقية ما يصدر عنها في الظروف الحالية وقد عجزت لجنة تحقيقها عن استدعاء رئيس البرلمان، و مارست الانتقائية في ما سربت من تصريحات الشهود ضد الرئيس السابق، فلم تقدم تصريحات من استدعتهم من وزراء عزيز الذين ما زالوا في الحكومة الحالية، ولم تستدع آخرين يعملون في وظائف أقل الآن وهم مشمولون في الملف وموقعون مثل ولد اجاي و بنت مولود وغيرهما ممن أصبحوا سفراء.. أو كذا .. أو كذا.

5. تأسيسا على ما سبق.. و حسما للجدل القانوني.. و إسكاتا لكل أصوات المرجفين و الطامعين بعودة حكم الفساد، ونخب النهب والثورة المضادة، و أقلام الصحافة المأجورة.. ينبغي تأجيل الملف برمته الآن حتى تمضي المدة القانونية الكافية لحل البرلمان (18شهرا من انتخاب السيد الرئيس محمد الشيخ الغزواني) وبعد ذلك ينتخب برلمان جديد يحظى بتمثيل الشعب، فهذا هو الذي يمكن أن تنبثق عنه محكمة عدل سامية تعول عليها في استرداد الثروات والأموال المنهوبة.. ولجان التحقيق المكونة من ذلك البرلمان هي صاحبة المصلحة والصفة في تحريك الدعوى الجنائية أمام محكمة العدل السامية نيابة عن الجماهير التي انتخبتها.

 

وإن أملنا الكبير في الأخ الرئيس محمد الشيخ الغزواني الذي دفعنا مع غالبية الشعب والنخبة المظلومة كل الجهد والوقت في حملته الانتخابية وسهرنا في إطار المبادرات ولجان المتابعة والتقييم من أجل نجاحه بناء على برنامجه "تعهداتي" يجعلنا نثق في مساره الهادئ العقلاني وفي حكمته، وهو ما يحملنا على أن نطلب منه الآن التدخل لطي ملف فساد العشرية حتى يتم انتخاب برلمان جديد، وحينها يكون لكل حادثة حديث.