على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تناقش عسكرة منح القطع الأرضية للمواطنين  

3 مايو, 2017 - 15:46
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار - 03 - 05 - 2017

كلمة الإصلاح اختارت هذه المرة أن تذهب إلى الأحياء الشعبية ومكان الترحيل لتصور من هناك ما يلاحظه المواطنون من العسكرة في قضية إجراءات منح القطع الأرضية لساكنها بمعنى ما يشاهد الجميع في التقسيمات الارتجالية المبنية على اجتهادات عسكرية ليس هذا ميدانها، فهي صادرة من حكومة لها سنوات كثيرة لا تصدر منها إلا إجراءات عسكرية خالية من البناء على قوانين مدروسة، وتحت إمرة من يطبـق القانون عادة من الدولة، وهم الإداريون بمؤازرة القوة العمومية التي وضعها القانون تحت إمرتهم لنفس الغرض.

 

والمواطن المنصف عندما ينسب الأفعال إلى العسكرة ليس معنى ذلك أنه لا يحب الحكم العسكري بل يلاحظ فقط على العمل غير المدروس تحت ظل ذلك الحكم العسكري، فالمسلم الذي يهمه من الحكم هو ما يلي:

 

أولا: أن يكون حاكمه عقيدته إسلامية.

 

ثانيا: العدالة في الحكم بحيث يتحرى الحاكم الدقة في إصدار الحكم في كل شيء يستـند على أهل الخبرة عادة وذلك في كل ميدان من الميادين المطلوب الحكم فيها.

 

ثالثا: مراعاة مطابقة الإجراءات للقوانين المعمول بها والذي كانت صدرت في الموضوع.

 

فنحن ولله الحمد في موريتانيا نظرا لأصالة الإسلام فينا وتربيته السمحة لم نـتـضرر من حكم العسكر منذ قدومه لحكم البلـد بسبـب فسق الحاكم العسكري أو عدم سلوكه الإيماني المتأصل في سلوكه الأصلي التربوي، فرؤساؤنا العسكريون وكثير من أعوانهم الضباط السامون لم نجد فينا ولا في غيرنا من البلاد الإسلامية من يقارن بهم لا في الدين المبني على الخوف من الله مباشرة ولا في الاستـقامة على ذلك ولا في العفاف عن أكل المال الحرام، لا من الرؤساء المدنيـين ولا العسكريـين الحاكمين في العالم.

 

فأول رئيس عسكري لموريتانيا هو المرحوم بإذن الله المصطفى بن محمد السالك أسكنه الله في فسيح جناته وهو المعروف بتدينه الطبيعي المكتسب من بـيـئـته الإسلامية لا نفاقا ولا محاباة ولا بغيا على الآخرين.

 

وبعد ذلك جاء الرئيس محمد خون بن هيدالة أطال الله عمره وهو الذي عمل للإسلام عملا لو استـقمنا عليه لصافحتـنا الملائكة جهارا نهارا لاستقامتـنا على تحكيم شرع الله طبقا لقوله تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استـقاموا تـتـنزل عليهم الملائكة} الخ الآية كما أجاب صلى الله عليه وسلم الصحابة عندما قالوا له إن توجيهاته لهم يصيرون بعدها مباشرة كأنهم يرون الجنة والنار وما أعد لأهل كل منهما رأي العين فقال: "لو دمتم على ما تذهبون به من عندي لصافحتـكم الملائكة في الطرقات".

 

فنحن كذلك لو دمنا على تحكيم الشريعة الإسلامية في كل ما شجر بـينـنا لفتح الله علينا من بركاته من السماء والأرض فلو أقمنا القرآن وما أمرنا به فيه لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجـلنا.

 

وهكذا فالعسكرة التي حكمتـنا وما زالت تحكمـنا لم ينقصها ولله الحمد التدين في أغلبها، فلو قارنا بين رؤسائنا العسكريـين وزملائهم من الضباط السامين والوزراء الأول في حكوماتنا وزملاءهم من الوزراء المدنيـين لوجدنا أن الوزراء المدنيـين ليسوا أكثر تدينا ولا استقامة ولا عفافا عن المال العام من الرؤساء العسكريـين ولا من زملائهم من الضباط السامين، وبالمناسبة فإني أذكر بعض الضباط السامين ـ لنترحم عليهم ـ الموصوفين بكل هذه الأوصاف الحميدة وذلك للعمل المباشر معهم وهم: أحمد بن منيه، وأحمد بن عبد الله، ومحمد الأمين بن انجيان الذي مع الأسف أهدر الشعب الموريتاني دمه بالسكوت عن الجهات التي تولت كبر اغتياله لتذهب روحه العسكرية المؤمنة الطيـبة هدرا عن موريتانيا: أضاعوه (ني) وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثـغـر.

 

فبذكر هؤلاء وسيرتهم وأخلاقهم الطيـبة يتبـين أن مشكلة القيادة العسكرية ليست في ألقابها ولا بزتها العسكرية بل إن المشكلة في حكم العسكر أنه يريد أن يطبق ما تعلمه في المدرسة العسكرية ليطبقه في الثكنة العسكرية وهو يحاول تطبـيقه على تسيـير جميع المواطنين وفي كل الميادين.

 

فهو يدرس في المدرسة العسكرية أن الرئيس واحد في كل شيء ولا كلام معه في أي قرار سواء كان يرأس وحدة أو فيـلقا أو كتيـبة فلا ثاني له في مرجعية قراراته ولكنها الطاعة العمياء من المرؤوسين.

 

فهذا هو ما يطبقه العسكريون منذ جاءوا للحكم على جميع مشاكل الدولة، وما نشاهده الآن من الإصرار على تعديل الدستور وإرسال جميع الوزراء للتحسيس وكأنهم سماسرة للحزب الحاكم بدل من أن يكونوا وزراء أمام الشعب كل عنده قطاع مسؤول عنه أمام المواطنين مباشرة هو من هذا القبيل.

 

فمثلا عندما كنا في الحكم المدني الذي لم يدم طويلا مع الأسف الشديد، فكان جميع المتضررين من أي قطاع يتوجه إلى الوزارة المعنية وتـتـفاوض الوزارة معه مباشرة، والرئيس آنذاك مجرد متـلق للأخبار من الوزارة لماذا؟ وكيف وقعت الحلول؟ والرئيس لا يهمه إلا المطالب السياسية أو نشاط الحركات السياسية أو الدبلوماسية الخارجية.

 

أما الآن فجميع المتضررين من أي شيء حتى من ارتفاع سعر برميل الماء يوما واحدا في الأحياء يذهب أهلها إلى باب الرئيس، وأكبر مثال على ذلك ماذا يعرف وزير الداخلية وأعوانه الولاة والحكام عن سبب مشاجرة ولو وقع فيها ما وقع بين المواطنين داخل الحيز الترابي المفروض أنهم مسؤولين عن أمنه ونشر الهدوء والطمأنينة بين ساكنـة هذه الأحياء الشعبية، لأن المسؤول عن إثارة ما يؤدي للفـتـنة بين المواطنين هو الوكالة الحضرية التي جعلت كتائب من الحرس والدرك تحت تصرفها تابعين لإدارتها بدلا من تبعيتهم للولاة والحكام ليأخذوا منهم على الأقـل خـبر أسباب الفـتـنة وكيف تجري الأمور في منح القطع الأرضية لمستحقيها.

 

كما أنه من الأعمال العسكرية المرتجلة والخارقة للقانون وللدستور بالذات هو أن القانون المصادق عليه من طرف البرلمان وجوده سابقا لسلطة منح القطع الأرضية لسكن المواطنين من طرف الوكالة فذلك القانون يقسم منح القطع الأرضية بين وزير المالية عن طريق إدارة الإسكان ووزارة الداخلية عن طريق الولاة والحكام.

 

وقد قامت وزارة المالية عن طريق الإسكان بتخطيط الأحياء: عرفات، وتوجنين، وغيرهم قبـل (الكزرة وأثناءها) وهذا التخطيط أصبح يباع في الشوارع وعند إدارة الولايات، وقد قام كثير من الولاة والحكام وهم تحت سلطة الحكم العسكري بإعطاء كثير من المواطنين قطعا أرضية، وبهذا العطاء القانوني أصبحت هذه القطعة ملـكا شرعيا للمواطنين إلا إذا كان تمليكا على تمليك فالأخير باطل إن عثر عليه.

 

وعندما أنشـئت الوكالة الحضرية قامت لجنة وزارية فقط وليس قانونا يعدل القوانين الأخرى ويكتسب قوة القانون المعدل بإلغاء التخطيط الأول في هذه الأحياء وكل ما ترتب عليه من التمليك حيث أصبحت الأسرة المالكة شرعيا (والكازرة لها) الموجودة فوقها معها متساويتان في الملكية الشرعية بالنسبة للأولي وغير الشرعية بالنسبة للأخرى.

 

ومن هنا يتـكلم الدستور في مواد له في شأن هذه الملكية الشرعية التي عند المواطن المالك لهذه القطعة حسب تمليك الوالي بإقطاعها له يقول: المادة 2: الشعب هو مصدر كل سلطة إلى أن يقول: يمارسها عن طريق ممثـليه المنـتـخبين: وهؤلاء المنتخبون صوتوا على قانون صلاحية منح القطع الأرضية من طرف الوالي وبذلك انتهت صلاحيات مراسيم الرئيس أو اللجنة الوزارية في إلغاء هذه العطايا.

 

ثانيا: يقول الدستور في المادة 15 الفقرة الأولى: حق الملكية مضمون وبهذه المادة تصبح هذه القطعة ملكا لمن اقطعها له الوالي.

 

يقول الدستور في آخر هذه المادة: للقانون أن يحدد مدى ممارسة الملكية الخاصة إذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ذلك.

 

وأنبه هنا أن هذه المادة تقول: للقانون ومعناها لقانون آخر مثـل القانون وليس أضعف منه مثـل القرارات الوزارية أو المراسيم الرئاسية إلى غير ذلك من القوانين السفلى، وهذه الفقرة أيضا مقيدة بالفقرة التي تليها من الدستور وهي لا تـنزع الملكية إلا إذا فرضت ذلك المصلحة العامة وبعد تعويض عادل مسبق.

 

كل هذه المواد الدستورية أهملها الحكم العسكري بالسلطة التي أعطاها لنفسه إما بتوجيه شفوي أو قوانين ضعيفة المصدر للوكالة الحضرية.

 

ولكن ماذا فعلت الوكالة الحضرية في تقسيم (الكـزرات) ومنح القطع الأرضية؟

            

أولا: لم تضع يدها على القطع التي (لم تكزر) بعد فتركت المواطنين يخرجون من العاصمة فرادى وجماعات حتى يستولوا على ما استطاعوا عليه من الأرض العمومية للدولة وأخرجوا مخططا جديدا للمناطق التي أكثرها خطط من قـبـل على قانون رسمي وأعطيت كثيرا من قطعه للمواطنين إعطاء شرعيا كما تـقدم إلا أن الوكالة الحضرية التي جاءت وفي يدها التخطيط الجديد تنـظر كل قطعة بمفردها كم يسكنها من الأسر ولا تعينها الشرعية المتقدمة وبعد تـلك المقاييس التي يعلم الله ما يقع فيها من لقاء المشرفين عليها بصفة انفرادية إلا أن اللجنة تفعل من إثارة الفـتـن ما يلي: أولا : في السنوات الماضية قامت بهذا التـقسيم وهذا التمليك وتعطى لكل واحد ملكية القطعة بما يسمى (بدجا) على هذا التمليك وتارة تعطى لشريكه القطعة التي تليها وفيها مواطنون وهكذا تسوقهم بهذا العطاء إلى آخر واحد في الحي تعده بأنها ستعطيه قطعة أرض أخرى ولكن عملية الإخلاء لصالح الممنوح له كلفت بها لجنة أخرى في السنين الماضية ومن ذلك التاريخ لم يـنفذ الإخلاء وبدلا منه تكون كل أسرة تراقب مكانها الذي سيكون لها من أي بناء لساكنه الحالي وكلما أراد الساكن الأول أن يضع ما يساعده في الحياة تذهب الأسرة الممنوح لها بالشكاية إلى مقر العسكريين التابعين للوكالة وآخر من تصله الشكاية هو الحاكم أو الوالي أو الشرطة بمعنى أن الهيئة المسؤولة أمنيا عن المنطقة غير مسؤولة عن هذا النوع من الفـتن، فالهيئة المسؤولة عن الأمن لا مواصلة بينها وبين الوكالة الحضرية التي أصبحت مكتـفية ذاتيا بأمنها وإدارتها وكتاب ضبطها إلى غير ذلك من العسكرة لهذا الشأن الكبير والكبير جدا من حياة المواطنين.

 

كما أن الوكالة أجازت لكل متضرر من التقسيم أن يقدم شكايته للوكالة وبذلك فتحت بابا كبيرا من الفـتن ومظنة المحاباة.

 

وهذه الشكايات التي حصل منها الآلاف تمنع الممنوح له القطعة بأن يستـفيد قبل فض هذا النزاع وحضور لجنـته الخاصة به والحكم من جديد القطعة لمن؟ وهكـذا.

 

هذه صورة مصغرة لبعض المشاكل التي تـنـتج عن الحكم العسكري بمعنى الأوامر ضد القانون المبني على التعاليم العسكرية بمعنى أفعـل ولا تـسأل عن السـبب.

 

فالموريتانيون ما زال موجودا منهم ولله الحمد من حضر لتـقسيم قطع الأرض بـبعض المقاطعات مثـل الخامسة والسادسة وغيرهما في أيام الحكم المدني بدون أن يسنـد أي أمر إلى غير أهله وبدون أن يقع الهرج والمرج إلى غير ذلك من البحث عن الأمن والهدوء عن طريق ما يوصل إليهما.

 

فالمعلوم أن ( الكـزرة) لا تعطي حقا للمواطن وكان على الدولة أن تعطي إنذارا شهرا أو شهرين لكل من يشغـل قطعة أرض في حدود 50 كلم في جميع الاتجاهات وهو لا يملك لها رخصة لإخلائها فمن لم يمتـثل في تلك المدة فتعاقبه وكل من عنده ملكية شرعية لقطعة إن شاءت تركتها له وإن شاءت نزعتها بالطريق القانونية وبعد ذلك تقوم بتخطيط جميع الأرض المراد السكن فيها وتـقول لكل من ليس له سكن أن يقدم طلبا إما للبلدية أو المقاطعة.

 

 والدولة عندها الآن الأرقام الوطنية للمواطن يصحبها مع طلبه وفيها كم عمره وكل من يستحق ذلك يجـد اسمه مكتوبا في الجريدة الرسمية بجنب قطعته الممنوحة له بدون تـكرار المنحة لشخص واحد كما كان يفعل في الحكم المدني الوحيد السابق وهكذا يكون في كل إجراء يتعلق بالمواطنين ـ القانونية ــ والعدالة ـــ وسرعة التـنفيذ: {وقـل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.