على مدار الساعة

نهضة موريتانيا التي تحتاجها اليوم مشاريع تنموية عملاقة

24 مارس, 2021 - 01:31
محمـد فال ولد يحـي

منذ عقود عدة لم تشهد موريتانيا إنشاء مشاريع عملاقة ذات بعد قومي وطني كان بعض منها على ما ظن إنشاء ميناء الصداقة وكالعملة الوطنية وكطريق الأمل مشاريع تمتد انجازاتها لتشمل جميع موريتانيا ويستفيد منها كل فرد من الأمة الموريتانية.

 

لقد حان الوقت لقيام نهضة عمرانية بهذا البلد تستجيب لمتطببات الوجود الحضري والحضاري لموريتانيا، نهضة تقوم على إرادة وطنية صادقة لتحقيق آمال طال انتظارها وفق متطلبات وجود أقطاب تنموية.

 

مشروع إنشاء مليون وحدة سكنية

مشروع قومي لإنشاء مليون وحدة سكنية عصرية – سكنية، إدارية، طبية، تعليمية - خلال مدة إنجاز لا تتجاوز في المجمل 72 شهر من خلال استثمار يقارب 2,5 مليار دولار وفق اتفاقيات مشتركة مع رواد القطاع العقار في العالم والعالم العربي وكذلك القطاع الخاص الوطني والمساهمين المحليين وذلك وفق خيارات متعددة على سبيل المثال لا الحصر.

 

برنامج السكن التساهمي: للموظفين والعمال وهو بناء سكنى بمساهمة الموظف من خلال اقتطاع شهري يتملك بموجبه سكن لائق له ولعائلته وفق معايير معمارية وطنية ووفق تأهيل عمراني وحضاري مناسب يكسب المدن وجها حضريا لائقا وفق نمط عمراني وطني.

 

مشروع السكن الشعبي: وهو إقامة مدن أفقية وعمودية وفق النمط العمراني الموريتاني (تستخدم المواد الأولية المحلية وكذلك تراعى الظروف المناخية) وتكون بتمويل من الدولة أو عن طريق اتفاقيات قروض مع الجهات الجهوية موجهة إلى ذوي الدخل المحدود.

 

مشروع المدن الخدماتية: وهو إنشاء مدن خدماتية في العواصم الكبرى وبعض عواصم الولايات مثل واحة شنقيط للسليكون تستقطب كبريات الشركات العاملة من أجل وجود لها في أفريقيا والمنطقة، أو مدينة المعارف والتكنولوجيا تستقطب جميع الابتكارات والمؤسسات التخصصية، أو مدينة أودغست للطب بحيث تجمع سلسلة مستشفيات تخصصية عالمية يمكن أن تساهم في جلب السياحة الطبية للبلد، أو مدينة للإعلام والإنتاج الإعلامي، وغيرها من المناطق التخصصية، يمكن أن يكون وفق اتفاقيات مشتركة مع رواد الاستثمارات العقاري في العالم أو العالم العربي.

 

هذا المشروع القومي يهدف إلى القضاء على البناء العشوائي وكذلك النهوض بالقطاع العقاري في موريتانيا من خلال خلق مدن عصرية تمكن من حياة أفضل للمواطنين والمستثمرين، كما سيساهم المشروع من خلال مليون وحدة سكنية في توفير السكن اللائق وفق المعايير المعاصرة وكذلك خلق مئات آلاف فرص العمل في قطاع البناء ، هذا بالإضافة إلى خلق رأس مال عقاري معتبر في موريتانيا بالإضافة إلى خلق القيمة المضافة في المجال العقاري.

 

مشروع إنتاج الصلب في موريتانيا

لقد آن لموريتانيا أن تخرج من دوامة الاستخراج إلى متشعبات القيمة المضافة (الصناعات الثقيلة تخلق الصناعات الخفيفة) فكل شركات العالم تتطور وفق نمط اقتصادي ونموذج عمل مهني يحقق لها التقدم والابتكار في مجال عملها، فما الذي يمنع اسنيم من أن تكون رائدة في مجال عملها المرتبط بمجال اختصاصها كشركة وطنية للمناجم.

 

فمن خلال اتفاقية شراكة مع تمويل خارجي، وبقيمة لا تزيد عن 250 مليون دولار، وخلال أقل من 18 شهرا، يمكن إنشاء عشر وحدات الإنتاج الفولاذ بقدرة إنتاجية تفوق مليون طن للسنة بما سيحقق عائد استثماري في حدود 700 مليون دولار في أقل من 3 سنوات، بالإضافة إلى مبيعات سنوية تقارب المليار دولار بهامش أرباح تزيد عن 30 في المائة.

 

مشروع النهضة الصناعية

بدل التمويلات الصغيرة والمتوسطة التي تقدمها شبكات التمويل في البلد مثل وكالة التشغيل وصندوق الإيداع والتي في الأغلب تتجه إلى عدم خلق رأس المال المالي بل تتوجه في غالبها إلى التجارة والاستهلاك، أعتقد أنه من المناسب لنا الآن النهوض بالحقل الصناعي في موريتانيا وفق اتفاقية تمويل خارجي وشراكة مع القطاع الخاص، بقيمة إجمالية تصل 250 مليون دولار أمريكي، وفق أجندة عمل لا تتجاوز 24 شهرا، من خلال مشروع إنشاء ألف مصنع وفق الحاجة المحلية والإقليمية. هذه المصانع ستتوزع على جميع ولايات وجهات الوطن وفق التخصصات القدرات الإنتاجية.

 

باحتساب أن 40 في المائة فقط سيكتب لها النجاح فإنها ستحقق عائدات استثمارية على البلد تزيد عن 14 مليار أوقية في السنة الأولى فقط من الاستغلال بالإضافة إلى انتقال المعارف التكنولوجية والتجربة الصناعية بما سيخلق أرضية صالحة للاستثمار اللاحق في المجال الصناعي المتوسط والثقيل.

 

سيخلق هذا المشروع قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني من خلال تمويل مئات المصانع التي ستشكل أقطابا تنموية صناعية ومدنا منتجة يمكنها أن تقدم قيمة مضافة للكثير من المواد الأولية الوطنية بالإضافة إلى الابتكارات والأعمال الصناعية الصغيرة والمتوسطة كما يهدف المشروع في جانبه الاجتماعي إلى خلق عشرات الآلاف من فرص العمل الدائمة المستقرة والموسمية، كما يهدف المشروع إلى خلق مناطق صناعية في المدن الكبير وكذلك خلق أقطاب صناعية في البلد بالإضافة إلى إضفاء قيمة مضافة في المجال الصناعي المحلى.

 

الذهب الأزرق والصناعة الزراعية

الزراعة في حوض النهر، قبل سنوات أشهَر الرئيس السنغالي السابق عبد لله واد خلال التحضير للرئاسيات شعار "استغلال الأحواض الناضبة" وكان له دور إيجابي فى إعادة انتخابه وقتها، وما أكثر الأحواض "غير الناضبة"، وتلك الناضبة في الجانب الموريتاني، وهي لا تحتاج إلا إلى استغلال فعال.

 

بُحيرتا الركيز وألاك، تامورت النعاج والتجمعات والمسايل المائية (التيمْرنْ، الوديات، الأضيات) يمكن الاستفادة منها، هذا فضلا عن الزراعة فى حقول النخيل المشهورة فى مناطق متعددة من موريتانيا، وهنا أتوقف قليلا عند النخيل، فمن المعروف أن موسم "الكيطنة" لا يتجاوز بضعة أشهر، وبالتالي فإن استهلاك الإنتاج الوطني من التمور - رغم الاستثمارات التي قيم بها في شركة تمور ومصنع تجكجة الخاص - لا يتعدى تلك الأيام (أيام الكيطنة) لتبقى موريتانيا بقية العام من دون تمور محلية، ذات جودة منافسة، لانعدام وسائل الصيانة والحفظ، على الرغم من توفرها (غرف التبريد)، فمن خلال معدات بسيطة يمكن أن نحفظ التمور، كما تفعل الدول المصدرة والمسوقة لهذه المادة الغذائية المهمة، بدلاً من أن تغزو أسواقنا هذه الدول، وتتربح من جيوب المواطنين، وتغدق هذه التمور على دولها سيولة من العمولات الصعبة تمثل قياسا في الناتج القومي لها.

 

الموقع الجغرافي لموريتانيا يمنحها فرصة لأن تكون بوابة عالمية، يمكن منها الولوج إلى مجموعة كبيرة من الدول الأفريقية، وإعادة التصدير أحد أبرز مصادر التمويل التي يمكن التركيز عليها، نظرا لمهارة الموريتانيين في التجارة، ووجود منطقة حرة يمكن تفعليها من خلال إعادة التصدير، وقد أهملت موريتانيا، حتى الآن، استفادتها العظمى من موقعها / الجسر الاستراتيجي.

 

البحر والصحراء والطاقة

موريتانيا دولة غنية بثروتها البحرية، حيث تعتبر سواحل موريتانيا من أغنى السواحل العالمية بالأسماك، أما الثروة المعدنية فيكفى أن من ضمنها الذهب، فهو من مظاهر الغنى لدى جميع شعوب العالم، ثم بعد ذلك النحاس والحديد، يتم انتاج الذهب في موقعين، وليس في موقع واحد!! وأحد الموقعين مختص بإنتاجه!!.

 

البيئة الصحراوية والرمال الناعمة مصدر كبير للسيلكون، ومن أبسط مخرجات هذه المادة إنتاج الزجاج، وكذلك تكنولوجيا العزل والقواطع المقاومة للحريق، وتبادل الخبرات والمعلومات بهذا الخصوص سيعزز الاستثمار في هذا المجال الحيوي، إضافة إلى تكنولوجيا المعلومات وإنتاج أشباه المواصلات والمعالجات الرقمية.

 

الرياح إحدى أكبر مصادر الطاقة الآن في العالم، وقد حبانا الله بها، ويمكننا من خلالها إنتاج الطاقة المتجددة، التي يعد الاستثمار فيها ذو مردودية على الأمد الطويل، بدل الطاقة الأحفورية.

 

كما حبانا الله بكمّ هائل من الأشعة الشمسية التي يمكننا استغلالها من خلال بعض التطبيقات التي يمكن أن تطورها محليا بناء على الطلب، وهنا يأتي دور المثقف "غير السياسي" من أجل التجاوب مع متطلبات الحاجة الوطنية في هذا المجال، وتطوير وإبداع حلول يمكن لها أن تكون نواة إنتاج صناعي محلي في هذا البلد.

 

السكة الحديدية

لطالما راود أجيال الامة حلم كبير بأنشاء سكة حديدية في موريتانيا على تربط الضفة بالشرق (إعادة التصدير في رحلتي الشتاء والصيف) وأخرى تربط الشمال الصناعي بالجنوب (ميناء نواكشوط وانجاكو) وهي ستشكل بديلا أفضل عن الطرق المعبدة التي دائما لا تراعى المعايير العالمية وثانيا نظرا للتكاليف الاستثمارية الكبيرة لها بالنسبة للمردودية الاقتصادية على الاقتصاد الوطني أولا وعلي الشعب (الأنشطة الاقتصادية)  والمستثمرين (النشاط الاستثماري) ثانيا.

 

هذه المشاريع وغيرها كثير، هي ما تحتاج موريتانيا اليوم رغما عن كوفيد، لتبدأ في طريقها الصحيح نحو النمو، نعم يمكن لموريتانيا أن تكون "بلدا نــامـيا" أو "سائرا في طريق النمو"، لأنها تتوفر على مقومات كبيرة جدا، لكن ما دمنا نبحث خارج دائرة تلك المقومات فنحن نطور حلولا غير ناجعة بتكاليف أكبر من حجم الاشكالية التي أمامنا.