على مدار الساعة

عن ازدواجية التعليم

4 مايو, 2021 - 03:14
محمد محمود العتيق - Atigg2016@gmail.com

كان الكشف عن نتائج مسابقة المدرسة العليا للأساتذة وما أبان عنه من عدم تمكن أي من المشاركين في الوصول للمعدل في تخصصي اللغة الفرنسية والفيزياء مناسبة لكثير من أصحاب المقاربة الأيدلوجية للمسألة اللغوية للتشكيك في قرار ازدواجية التعليم في هذا البلد كعادتهم والدعوة إلى إقصاء اللغة الفرنسية من التعليم بحجج أيدلوجية كالعادة وبنفس إقصائي يتجاهل أن مكونا أصيلا من وطننا بري نفسه في هذه اللغة وفي هذه الثقافة وهذا حقه بغض النظر عن أن المستعمر من الناحية التاريخية هو من أسس لهذه الرؤية وخلق هذا الواقع؛ فهذا أصبح هو الواقع الفعلي للدولة منذ تأسيسها ولا يحق لأي طرف أن يتدخل في الاختيارات اللغوية للطرف الآخر ومن حق أي مواطن أن يجد ذاته في الدولة.

 

وبالرغم من أنني لست مزدوج التعليم ولا الثقافة وأكاد أكون أميا في اللغة الفرنسية مع الأسف مع أنني لست محملا بشحنة أيدلوجية تدفعني للتعصب ضدها إلا أنني أرى من وجهة نظري أن هناك مبررات وأسباب تفرض على الدولة أن تستمر في نظام ازدواجية التعليم كما أقرتها في إصلاح 99.

 

وقبل أن نناقش هذه المبررات ينبغي أن نؤكد أولا على أن النظام التعليمي في موريتانيا وبالأخص في مرحلته الأساسية والمتوسطة والثانوية هو نظام مزدوج يمرج بين تعليم اللغتين العربية والفرنسية كلغات بشكل متساو ودون التحيز لإحداهما دون الأخرى باستثناء المرحلة الأساسية حيث توجد أفضلية للغة العربية من حيث الضارب ويوجد هناك فيما يتعلق بالمواد الأخرى توزيع شبه متساو وموضوعي بين العربية والفرنسية كلغات تدريس لهذه المواد؛ فمثلا هناك مواد أدبية تدرس باللغة العربية مثل التاريخ والجغرافيا؛ والتربية الإسلامية والتربية المدنية والفلسفة وتختلف ضوارب هذه المواد حسب الشعبة التي تدرس فيها بينما هناك مواد علمية تدرس باللغة الفرنسية كالرياضيات والعلوم والفيزياء وتختلف ضواربها هي الأخرى بنفس درجة مثيلاتها من المواد الأدبية حسب الشعبة التي تدرس فيها وعليه يمكن القول أن نظامنا التعليمي مزدوج ويمزج بين اللغتين ولا يتحيز لإحداهما دون الأخرى.

 

يمكن أن يرد هنا اعتراض على موضوع الازدواجية هذا بالقول إننا دولة عربية ينص دستورها على أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية وأن اللغة الفرنسية هي لغة دولة امبريالية كانت تستعمرنا وبالتالي فلا معنى لترسيمها كلغة تعليم جنبا إلى جنب مع اللغة العربية خاصة أن اللغة العربية هي لغة القرءان والدين الإسلامي ونحن بلد مسلم مائة بالمائة ولا معنى لتدريس الفرنسية فيه أصلا أحرى مساواتها باللغة العربية.

 

يمكن الرد على هذا الاعتراض بالقول إن الدساتير يجب أن تعكس واقع مجتمعاتها لا أن تكتب في فراغ وبمعزل عن الواقع ونحن واقعيا دولة فيها مكونات مختلفة وجزء من هذه المكونات اختار اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية كمعبر عن ذاته الثقافية وهويته ويعتبر أي مساس بهذه اللغة أو هذه الثقافة هو مساس بهويته وهذا أمر واقع على الأرض بغض النظر عن كونه بفعل المستعمر أصلا أو بعوامل أخرى وبغض النظر عن كون هذه المكونات لا علاقة لها تاريخيا باللغة ولا بالثقافة الفرنسيتين إلا أن هذا هو الواقع الماثل على الأرض؛ هناك شركاء أصيلون في الوطن يتبنون اللغة والثقافة الفرنسيتين كتعبير عن ذواتهم.

 

وفي مجال الهوية لا معنى لأسطوانة الأكثرية والأقلية المشروخة.

 

يجب أن تجد كل هوية ذاتها في دولتها ووطنها كما تريد هي لا كما يريد الآخرون وبالتالي فإن أي رجوع من الدولة عن نظام التعليم المزدوج سيفرض عليها العودة إلى نظام التعليم الثنائي الذي يقوم على وجود نظامين تعليميين متوازيين أحدهما عربي خالص والآخر فرنسي خالص وهذا بالضبط ما كان عليه الحال قبل 99 وهو ما كان البعض يسميه مخطئا بنظام التعريب وخطورة هذا النظام أنه يخلق أجيالا لا علاقة لبعضهما ببعض ولا تفهم على بعضها وهذا ما ينمي الخوف المتبادل بين هذه الأجيال وينذر مع الأسف بالحروب الاستئصالية ويغذي النزعات الانفصالية.

 

إذن برأيي لا بديل عن إصلاح 99 القائم على ازدواجية التعليم والتركيز على مدخلاته بشكل جيد وذلك من أجل خلق أجيال جديدة ومتواصلة مع بعضها مما يعزز الثقة وينمي التعاون بين الجميع لبناء دولة قوية وصلبة ومعبرة عن جميع أبنائها.

 

بقي أخيرا أن أقول إن هناك مبررات أكاديمية لتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية وهي أن هذه المواد في مرحلة التعليم العالي وفي محيطنا المغاربي والافرانكفوني تدرس فقط باللغة الفرنسية.