على مدار الساعة

الأرض المقدسة.. وإن عُدتُّم عُدْنا

15 مايو, 2021 - 15:58
بقلم القاضي / عمر السالك

في منتصف دجمبر 2017 م تفاعلتْ وسائل إعلام عديدة مع تغريدة للكاتب الكويتي عبد العزيز القناعي أعاد نشرها عشية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، وهي تغريدة يرى فيها الليبرالي الكويتي أن بني إسرائيل أحقُّ بالأرض المقدسة، وأن الله كتبها لهم، كما في الآية (23) من سورة المائدة (سورة العُقود).

 

وفي مجموعة واتسابية مغلقة خاصة بالقضاة، طرح أحد زملائي سؤالا حول الموضوع، فكبت له حينئذ جوابا يمزج بين النظم والنثر، لعل من المناسب إعادة نشره الآن في هذه الأيام التي يشاء الله أن يَمِيز فيها الباطل من الحقّ، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون:

 

"هذه مداخلة حول الأقصى والقدس وفلسطين.. تتضمن أرجوزة ، تليها كلمة مقتضبة، ثم أبيات شعرية.

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

 

سألني القاضي المحققُ النبيلْ •• أخو العُلَى، عبدُ الإله بنُ الخليلْ

عن اليهود وفلسطينَ، وما •• للقدس عندنا، وعند القُدما

فقلت، والسائلُ مِنِّي أدْرَى •• ونِـعَـمُ اللّـهِ عليه تترا

اِعْلمْ بأنّ القدسَ فيها الأقصى •• وقْفٌ، ولا يباع! بل وأقصى

أمْرِ الوُلاةِ أن يديروا شأنهُ •• أو يتركوه للورى وشأنَه

فيه "صراعٌ" يتناول الوجود •• فلا تَـظُـنَّـهُ "نِزاعًا" في الحدود

لولا دفاعُ بعضِهم ببعضِ •• لَهُدمتْ صوامعٌ في الأرض

وبِيَعٌ وصَلَواتٌ ومسا •• جِدُ لذكر الله صُبْحاً ومسا

والقدسُ محرابٌ لكل دينِ •• وموقعُ المعراج للأمينِ

وسُلّمٌ إلى السماء.. القدسُ •• مدينةُ السلام.. فيها الأُنسُ

والدّفْءُ، والأمانُ، والمحبّةْ •• لكنّها تحتاج مِنّا هَـبّـة

فمن يُرِدْ سيطرةً عليها •• فليتّق اللـهَ؛ يَصِلْ إليها

ولا تَخَفْ، فليس لليهودِ •• أدلةٌ في آيةِ "الْـعُـقُـودِ"

لأنّ موسى قال للقومِ: ادْخُلُوا •• الاَرْضَ المقدسةَ، فيها العملُ

كتبها اللّـهُ ، فلا ترتدُّوا •• لكنهم تخاذلوا وصَدُّوا

فشاء ربّـي لَهُمُ الهُياما •• في الأرض، تاهوا أربعين عاما

والأرضُ لِلّـهِ.. لمن يَشَاءُ •• يُورثها، ما دامتِ السماءُ

وإنها للمتقين عُـقْـبَىٰ •• والقدسُ تَـنْـفِـي خَبَثاً، وتأبَى

رِجْسًا، ولن يدوم فيها الحُكْمُ •• للمعتدي، بذاك جاء الحُكْم

لكنّما الدنيا سِجالٌ ودُوَلْ •• وللمجاهدين في الله الأملْ

وقد أتى في سورة الإسراء •• ما يقتضي أن بني إسرائيـ

سَـيَـدْخُـلُـونَ المسجد الكبيرا •• يُـتَـبّـِرُونَ ما عَـلَـوْا تَـتْـبِـيـرَا

في قُدْسِنا، لَـيُـفْسِـدُنّ مَـرّتَـيْـنْ •• في الْأرْض،/ من بعد قيام دولتينْ

فالدولةُ الأولى أقامها الـنّـبِـي •• داودُ، مثلما أتى في الكتبِ

عَزّزَها مِـنْ بعده سليمانْ •• فمَلَكَ الدنيا وشادَ البنيانْ

وخَلَفَت ذريةٌ من بَعْدِهِ •• فنَقضتْ ما وَجَدَتْ مِـن عَهْدِهِ

حِينَئِذٍ قَـتّـلَـهُـمْ أناسُ •• كانوا أُولِي بأسٍ شديدٍ، جاسوا

توغّلوا وشتّتوا شمْلَ اليهودْ •• فجاء بَعْدَهُم نبيُّنا الودودْ

براية الإسلام والسلامِ •• و"رُدّتِ الكَـرّةُ" للإسلام

والمسلمينَ، وإليها جاؤوا •• وبعدما قد أحسنوا أساؤوا!

فقيّض الله لإسرائيلَ •• لدولةٍ حديثةٍ سبيلا

وهذه الدولةُ هي الثانيةْ •• قد يتلاشى ملكها في ثانية

فإن تعودوا للجهاد عُدْنا •• للنّصر والتمكينِ ما عَهِدْنا

حاصِلُهُ: أن الأمور تمشي •• بقَدَرٍ، مُـنَـظَّـمٍ كالنّـقْـش

ومن يَكُن لله كان اللّـهُ •• لهُ ، ولا إله إلا اللـهُ

صلى على محمد وصحبِهِ •• وآله ومن تلا من حزبه

 

أما بعد،،

فقد طُلب مني التعليق على شبهة طرحها كاتب كويتي يستدل بالآية الثالثة والعشرين من سورة المائدة على أن الأرض المقدسة هي أرضٌ كتبها الله لليهود.

 

فأقول: إن فلسطين أرضُ النبوءات، وفيها بيت المقْدس، والمسجدُ الأقصى... وتلك مواقع لا ينبغي أن يحكمها إلا من كان يُؤْمِن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

 

ونحن نؤمن بالقدرِ خيره وشره، ونعلم أن وعد الله حق، وأن الله سبحانه وتعالى لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

 

وآيةُ المائدة إنما هي حجةٌ على اليهود، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه موسى عليه الصلاة والسلام:

{يَـٰـقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدّسَةَ التي كتب الله لكم ولا ترتدُّوا على أدباركم فتنقلبوا خَـٰسِرين}. وقد ارتدوا وانقلبوا خاسرين، وكُتب عليهم الـتّـِيـهُ، أربعين سنة.

 

 أجل! تلك الأرض المقدسة كتبها الله لعباده المؤمنين الصالحين، في كل زمان.

 

ذلك بأن قضية المسجد الأقصى دينيةٌ، وليست قومية، والله تعالى أمر قومَ موسى بمقاتلة أعداء الله العمالقة الوثنيّين الذين استولوا على الأرض المقدسة (فلسطين وما حولها)، فأمر اللـهُ قوم موسى بطرد الحُكّام المشركين منها؛ لأنها أرض الإيمان، ولا يجوز أن يحكمها من يَسُوس أهلَها بالكفر والشرك بالله. فما كان من بني إسرائيل حينئذ إلا أن قالوا لموسى عليه السلام: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قـٰعدون}.

 

وباختصار، فالآية الثالثة والعشرون من سورة المائدة التي يحتج بها اليهود الصهاينة ويكررها المتصهينون من العرب وغيرهم: إنما هي حجة على اليهود لا لهم! فبنو إسرائيل كانوا مخاطبين بإخراج الوثنيين؛ لأن قوم موسى كانوا هم أهل التوحيد حينئذ؛

 

وأما في زمانها هذا: فإن اليهود يقولون عُزير بنُ الله، وعلى ذلك فليسوا من أهل التوحيد، ولا يجوز أن يظلوا يتحكمون في الأرض المقدسة، و "زوال إسرائيل" أمرٌ حتميٌّ جاء في الكتب السماوية، ويجب على المؤمنين الموحدين أن يعملوا ما في وسعهم لإزالة دولة الكيان الغاصب وتحرير تلك الأرض المقدسة التي كتب الله للمؤمنين.. مثلما أوجب الله على المؤمنين من أصحاب موسى أن يفعلوا ذلك مع العمالقة الكفار.

 

هذا هو مستند المسلمين (المؤمنين في كل زمان)، وهو الأصل الذي نَـبْـنِـي عليه أحقّيّتنا بتلك الأرض المقدسة.

 

كما أن آية المائدة لم تنص على أن تلك الأرض الموعودة ستكون لبني إسرائيل إلى يوم الدين. بل لم تذكر أصلا أنهم دخلوها! وإنما أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة: فخافوا وجَبُنوا، ورفضوا القتال، وفَسَقوا.. فكتب الله عليهم التيه، وحرّم عليهم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض، فلا تأس على القوم الفاسقين.

 

وبعد ذلك تبرأ منهم موسى عليه السلام، فقال: {رب إنّـِي لا أملك إلا نفسي وأخي فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفـٰسقين}.

 

ولو سألتني عمّن يستحقون تلك الأرض الآن؟ لقرأت لك من سورة الأعراف: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" قالوا أوذينا من قبل أن تأينا ومن بعدما جئتنا قال عسى ربكم أن يُهلك عدوكم ويَستخلفكم في الأرض فينظُر كيف تعملون}.

 

إذًا فالأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. فمن أراد أن تكون له تلك الأرض المقدسة فليرجع إلى الله تعالى وليكن من المتقين. وفي زمان موسى كانت ثلةٌ من بني إسرائيل تمثل المتقين. وحين بُعث محمد صلى الله عليه وسلم: صار إمامَ المتقين. ولو كان موسى حيّاً ما وسعه إلا اتّـِبَـاعُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما في ثبت الحديث.

 

وقال تعالى في سورة آل عمران: [والنص هنا برواية قالون عن نافع] {وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما ءاتينـٰكم من كتٰب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أٰ•قررتم وأخذتم على ذلك إصرِى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشـٰهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفـٰسقون. أفغير دين الله تبغون؟ وله أسلم من فى السمـٰوات والأرض طوعا وكرها وإليه تُرجعون! قل آمَنّا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتِـى موسى وعيسى والنبيئون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخـٰـسرين}.

 

وكما تعلمون، فإن "الأنبياء أبناءُ عَلاّت"، أمهاتهم شتى وأبوهم واحد (هو: الإسلام)، والإسلام ينقسم إلى قسمين: عقيدة؛ وشريعة، والعقائد تدخل في باب الخبر؛ بينما تدخل الشرائع في باب الإنشاء، ولذلك فإن الشرائع قد تختلف باختلاف الرسل، وقد يحصل النسخ داخل الشريعة الواحدة، فتتغير (بحسب الزمان والمكان).

 

وأما لإسلام بمعنى العقيدة فهو دين الأنبياء والرسل أجمعين؛ لأنه يدخل في باب الخبر، والخبر يحتمل الصدق وضده، والله تعالى منزه عن الكذب.. فكانت عقيدة نوح وإبراهيم هي نفسها عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

{ملةَ أبيكم إبراهيم هو سَمّيٰكم المسلمين}، وقد قال نبي الله يوسف عليه السلام: {رب قد آتيتنى من الملك وعلّمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليّي فى الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقنِـي بالصـٰلحين}.

 

وقالت بلقيس ملكة سبأ: {رب إنى ظلمت نفسي "وأسلمتُ" مع سليمان لله رب العـٰلمين}.

{وقال موسى يَـٰـقَـوْمِ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} وحتى فرعون، حين أدركه الغرق {قال آمَنتُ أنه لا إله إلا الذى آمنت بِـهِ بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}.

 

لكن إسلامه ذلك إنما جاء بعد فوات الأوان.

 

ومما سبق، يتبين أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (في كل زمان) موعودون بالأرض المقدسة، وكانوا أحقّ بها وأهلها.

 

• وأما المسجد الأقصى: فعلى المؤمنين أن لا يتركوا اليهود يعيثون فيه فسادا، مع أنهم سيدخلونه لا محالة، جاء ذلك في الكتب السماوية، وقد ذكر الله ذلك بالتفصيل في بداية سورة الإسراء، واسمُها كذلك: سورةُ بني إسرائيل.

 

وكثير من طائفة البروتاستنت من النصارى المسيحيين يتقاطعون مع اليهود في بعض عقائدهم ويؤمنون بضرورة إقامة الهيكل المزعوم؛ تمهيدا لقيام المسيح عيسى (عليه السلام)، فتراهم يجتهدون في دعم دولة إسرائيل وترسيخِ وجودها في الأرض المقدسة.

 

ولا بأس أن أشير هنا إلى أننا وإن كنا لا نصدق مسألة الهيكل المزعوم فإننا –كذلك - نؤمن بنزول المسيح عيسى بن مريم، عليهما السلام، ونعلم أن مجيئه سوف يكون سببا في إسلام بعض أهل الكتاب، كما قال تعالى: {وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما وإن مّـِـنْ أهل الكتـٰب إلا ليؤمنَـنَّ به قبل موته ويوم القيـٰمة يكون عليهم شهيدا}.

 

أجل! قبل موته، سوف يُؤْمِن بسببه بعضُ أهل الكتاب.

 

والحقُّ أن المسجد الأقصى وقفٌ، لا يجوز التصرف فيه إلا وفق أحكام الأوقاف في الشريعة الإسلامية.

فمن استطاع حمايته فبها ونعمت، ومن لم يستطع: فلا أقل من أن يُبقي الحال على ما هي عليه حتى يأتي من يستطيع تخليص المسجد من رجس اليهود وغطرسةِ المستوطنين الغاصبين. فلا يجوز التفاوض بشأن القدس، ومَن يتنازل عن شبر من تلك الأرض المقدسة، فإنما يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق.

 

وقد قضى الله تعالى في أزله أن تقوم لبني إسرائيل دولتان في الأرض المقدسة: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتـٰب لتُفسدُنّ الأرض مرتين ولَـتَـعْـلُـنّ عُلُوّاً كبيرا: فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولِـى بأس شديد فجاسوا خِلَـٰلَ الديار وكان وعدا مفعولا}.

 

قامت الدولة الإسرائيلية الأولى على يد نبي الله داود وابنِه سليمان عليهما السلام، ثم توسع مُلك سليمان حتى لقد كان من بين أربعة أشخاص ملكوا الدنيا، كما قال ابن كثير وغيره: مسلمان هما سليمان وذو القرنين، واثنان كافران وهما: النمرود الذي كان في زمن إبراهيم عليه السلام، وبُختُنَصّر الذي خرّب بيت المقدس ونقَضَ أركان دولة إسرائيل الأولى (في بعض الأقوال والروايات).

 

فبعد داود وسليمان عليهما السلام، جاء ملوكٌ من بني إسرائيل، "فخلف من بعدهم خلْفٌ" أفسدوا في الأرض وعَلَوْا عُلُوّاً كبيرا.. فسلط الله على بني إسرائيل ملوكا أقوياء، فقوّضوا أسس ملكهم.

 

قال تعالى مخاطبا بني إسرائيل: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا}.

 

ثم خاطب الله المسلمين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها}.

 

وبالفعل، فقد أساء المسلمون بعد أن طال عليهم الأمد فَقَسَت قلوبهم، فسلط الله عليهم اليهود وأشياعَهم، فقامت دولة إسرائيل الثانية، عام 1948م، على أنقاض نكبة العرب والمسلمين.

 

ولعل هذه هي الدولة الثانية الواردة في قوله تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}.

 

يقول الله تعالى للمؤمنين: وإن عدتم إلى الله وإلى الجهاد في سبيله؛ عدنا إلى نصركم وأورثناكم الأرض ومكّنّاكم فيها.

 

فأنت ترى أن قضية القدس قضية دينية، لا علاقة لها بالقوميات ولا الأعراق (الإثنيات)، فمن كان مع الله كان هو الأقوى؛ وإلا وُكِل إلى نفسه.. وحينئذ تُعمل القواعد المادية البحتة.

 

- فالتفوق إما أن يكون بالسلاح والعتاد.. وللأسف، لا نرى في الأفق جيشا عربيا ولا إسلاميا مستعدا للتحرك وصدّ العدوان الإسرائيلي. والكيان الغاصب أقوى سلاحا وعتادا من الفلسطينيين العُزّل، الذين خذلهم إخوتهم في الدين والعقيدة؛

 

- والاحتمال الثاني: أن يكونَ التفوقُ بالقوة المعنوية، وهذا هو الذي يعوِّل عليه المجاهدون: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين}، {وما النصر إلا من عند الله}، {يـٰأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.

 

وبهذا يتبيّنُ أن "حل القضية" إنما يكون بالرجوع إلى الله تعالى، والاستقواءِ به سبحانه، والاعتصامِ بحبله المتين.

والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

أما من يسأل عن عملية التفاوض، فنُخبره بأن الاستيطان ظل في تمدد مستمر في ظل التفاوض، وبينما كان العرب قبل عام 67 يطالبون بإزالة الكيان الصهيوني.. أصبحوا بعد ذلك يطالبون بمجرد إزالة آثار العدوان!

وبعد اتفاق أوسلو أقرت السلطة الفلسطينية بالدولة العبرية، وصار الحديث عن "القدس الشرقية" وحدها، مما يعني اعتراف السلطة الفلسطينية بأن القدس الغربية أرضٌ إسرائيلية! وهكذا، بات التفاوض منحصرا على عشرين في المائة فقط من أرض فلسطين! ولا أدري والحالة هذه: ما معنى الاعتراض على نقل سفارة إلى القدس الغربية؛ ما داموا يعترفون بأنها أرض إسرائيلية!

 

الجواب: أن ذلك كله ضَحِكٌ على الذقون واستخفافٌ بعقول البسطاء ممّن لا يتابعون ملف القضية. والله المستعان!

 

وهنا تحضرني أبيات من قصائد كنت قد قلتها في ريعان الشباب، في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، لا تخلو من حماس الشباب، وتتحدث عن الدعم الأمريكي المطلق للكيان الغاصب، كما تُحمّل تلك القصائدُ قادةَ الدول العربية والإسلامية جزءا كبيرا من المسؤولية (الدينية والأخلاقية) عن بعض ما جرى ويجري.

 

ففي إحدى القصائد أقول:

والطائراتُ التي ضد انتفاضتنا•• يستخدم القردُ شارونٌ؛ لتنصهرا

أرضي.. فلسطينُ.. قدسي.. مسجدي.. لغتي •• في مأمن من صلاح الدين أو عمرا

ليست سوى صُنْعِ أمريكا، مزودةً •• بنفط أمتنا!! والحالُ كيف ترى!

 

وسأختم بمقتطفات من قصيدة أخرى قديمة قلتها بمناسبة ذكرى المولد النبوي، بعد مرور أربعة أشهر على توقيع اتفاق غزة أريحا، بمباركة من الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، حين وقع الاتفاق في ذكرى ميلاده، في الرابع من أيار / مايو، وذلك في العام 1994م، إلحاقا باتفاقية أوسلو التي أوقفت الانتفاضة المباركة وآذنتْ بمهزلة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود في الضفة والقطاع.

 

أقول في مطلع تلك القصيدة:

فاح النسيم خُزامى، وابتَدَا الزّمَنُ •• مِـنْ مولد المصطفى، وارتجّتِ المدُن

اللَّـهُ أكبرُ.. ذكرى المولد النبوي •• عن منتهى وصْفِها يَستعجِمُ اللَّسِنُ

ذكرى.. تُـغَـنّـي لها الدنيا / تُرتّـِلُها •• والكونُ يعزفها.. يُصغي له الزمنُ

وفي السما: لاحَ نجمٌ ثاقبٌ، وزهتْ •• ذاتُ البروج لها، وانثالتِ المُزُنُ

والأرضُ قد أخذتْ في الحسن زخرفها •• وازّينتْ.. واستنار السهلُ والحَزَنُ

 

والقصيدة طويلة،، أُعرّج فيها على مقارنة بين وضع الأمة في عصورها الذهبية وبين عصرنا الحالي... ثم أقول:

وفي فلسطينَ أشلاءٌ ممزقةٌ •• وطفْلُ بُسْنَةَ صادٍ، مُتْرَبٌ، حَزِنُ

أعراضُنا تستباحُ.. إنّ قصتنا •• أدهى أمرُّ.. فنحن اليوم لا نَزِنُ

مثقالَ خردلةٍ في عالم اليوم! بَلْ •• في عالمٍ ثالثٍ أرستْ بنا السفنُ

ترعى مصالحنا صهيونُ! واااااعحباً •• هل تستسيغ حديثا مِـثْـلَ ذا أُذُنُ؟

مفاوضاتُ سلامٍ/ بئس ما جَلَبَتْ •• إلى اتفاق أرِيحَا-غزةٍ رَغَـنُـوا

إن اليهود تعالَوْا واستباحوا الحِمَى •• والمسلمون تغاضَوْا، بارَكُوا، رَكَـنُوا

واثّاقَلُوا إلى الاَرض، ورضوا بالحياة.. بَدّلوا.. غَـيّـروا.. أغْرتْهم الفتنُ

تجرّعوا كأسَ ذل علقماً نزقا •• فهانَ عندهم الإسلام والوطن!

أين العروبة والإسلام؟ يا وطني •• أين الشهادة؟ فالْـعَـلْـيا لها ثَمَنُ!

إنّـِي ليحزنني هذا الهوان الذي •• نعيش! ليس لنا سِـرٌّ ولا عَلَنُ

حُزْنِـي تُـرتّـلُـهُ الأفراحُ، في نَغَمٍ •• أوتارُهُ الألمُ الأنّاتُ/ والشّجَنُ

لأنّ ذكرىٰ كَـذِكْـرَى المولد النبوي •• تُـذْكِـي التباريحَ؛ أفراحاً بها حَـزَنُ

تُذْكِـي تَباريحُها عِـزَّ الذين مَـضَـوْا •• ذُلَّ الذين أتَـوْا.. يا لَـيْـتَـهُـمْ فَطِنُوا

يا أُمَّةَ الـعُـرْبِ والإسلامِ.. إن لنا •• لَأُسْـوَةً في رسول الله تُـمْـتَـهَـنُ

عُودوا إلى نَـهْـجِـهِ المعطاءِ، واتّـبِـعُـوا •• أخلاقَهُ، واستقيموا -الدَّهْـرَ- واتَّـزِنوا

مَـحَـجّـةٌ لَـيْـلُـها مِـثْـلُ النهار، فلا •• يَـزِيـغُ عنها سوى مَـنْ بالْـهَـوى فُـتِـنُـوا

صلى الإله على الهادي المكمل؛ ما •• فاح النسيمُ وطابَ العطرُ والرّدَنُ"