على مدار الساعة

رأي بين الرأيين حول صفة "السيدة الأولى" معروض أمام محكمة (الرأي العام)

11 يونيو, 2021 - 02:02
محمد فاضل الهادي - خبير قضائي

ضمن إجراءات التقاضي يكون الملف متناولا من طرف محامي الادعاء ومحامي الدفاع أمام جناب القاضي، وحين يرى حضرة القاضي أنه من الضروري جلاء اللبس عن الجوانب الفنية والتقنية المرتبطة بالملف يستدعي الخبير القضائي ليستأنس بما يقدمه من تحقيق وتحر وبحث وتقديم الرأي الفني له، وعند تقديم تلك الخبرة يقوم القاضي، إما، بالأخذ بما جاء في الخبرة الفنية ويعتمده ويستند عليه في حكمه، أو يأخذ ببعضه، وإما يتغاضى عن الخبرة.

 

رأيت من خلال ما تم تداوله من معلومات حول الجوانب القانونية والدستورية والإجرائية والفنية والتقنية والاستدلال والاستدراك لملف منصب "السيدة الأولى" أو صفة "حرم الرئيس" أن أقدم رأيا فنيا تقنيا بين الرأيين (القانونيين) الذين قدمهما أخوي العزيزين السادة الخبير القانوني والمحامي الأستاذ محمد سيدي عبد الرحمن وزميله الخبير القانوني وممثل المحامين في المحافل الدولة المحامي الأستاذ عبد الله ولد البشير.

 

حيث كان اختلاف الرأيين رغم رجاحة صاحبيهما ومكانتهما القانونية، محل "لبس" يتطلب رأي فنيا بين الرأيين وهو ما يستدعي تدخلنا، لعل الاستئناس برأينا يبين جوانب فنية و تقنية تفضي إلى معرفة الحقيقة والحكم بالعدل على منصب "السيدة الأولى". ولكي يتم تقديم خبرة مفيدة لا بد لي من التعليق على ما جاء في رأي الإخوة الأجلاء.

 

الأخ الأستاذ محمد سيدي عبد الرحمن قال إنه ليس هناك أي تحديد قانوني ولا دستوري لمنصب السيدة الأولى وحيث أنه ذكر في هذا الصدد رأيا قانونيا بحتا استنادا على القانون الفرنسي الذي عادة ما يتبعه القانونيون الموريتانيون حين يتحدثون عن النوازل والنوادر والحالات التي لا يذكرها الدستور ولا القانون الموريتاني.

 

فقد أكد من خلال تدوينته التي نقلها موقع الأخبار أن القانون يعتبر "زوجة الرئيس" جزء من أحواله الشخصية، واستنادا على ذلك، فإن كل ما يرتبط بالرئيس فهو مصان ومقدس، لما يترتب على عدم صيانته وتقديسه من شغل لبال الرئيس عن مهامه الرئاسية، التي يجب أن يتفرغ لها بشكل كامل ويقدمها على كل ما لديه من شؤون ومشاغل شخصية مهما كانت ضرورتها ومهما كانت الظروف المحيطة بذلك، وهو الجانب الذي غفل عنه المحامي والأستاذ محمد سيدي عبد الرحمن، ما جعل تدوينته تذهب بالمطالع لها لأبعد مما يجب أن يصل إليه.

 

أما المحامي الأستاذ عبد الله ولد البشير، فقد عنون تدوينته بما يجب أن يكون استنتاجه الختامي، حيث قال إن القانون والدستور يعترفان بصفة السيدة الأولى.

 

لكنه حين أراد التفصيل لم يعرج على أي مرجع قانوني يمكن الوصول إليه واستنطاقه لمعرفة الحجج التي يقدمها كمحام متمرس يعرف جيدا أن أي اتصاف بالقانونية أو الدستورية لا بد أن يتبع بمرجع قانوني أو دستوري لكي تكون المرافعة مستندة على مرجع يمكن أن يضفي صفة الشرعية القانونية والدستورية على الحجج المقدمة.

 

أما من ناحية الاستدلال والاستدراك، ومن زاوية فنية بحته، أرى، والله أعلم، ولا أدري نصف العلم، كما قال الإمام مالك، وهذا مرجع يعتد به، أرى، أنه من الناحية الفنية لا يمكن الحكم بما قاله المحاميان مطلقا ولا تركه مطلقا، وعليه فيمكن الخروج بالخلاصة التالية التي أقدمها بين يدي القارئ لعلها تساعده على الحكم على ما بدر من السيدة الأولى من منطلق فني بحت دون تقديم حكم ليس لنا مخولا.

 

لا بد من تفصيل ما جرى، فالمسئولية ليست على الرئيس وحرمه لوحدهما، فالوزراء والوالي والضباط السامون الذين حضروا النشاط والحكام ورؤساء المراكز الإدارية ورؤساء المصالح وممثلو الوزارات، والموظفون العموميون الذين شاركوا في النشاط أو حتى حضروها، يقع عليهم جزء من المسئولية.

 

فالقانون والدستور لا يحددان مطلقا ماهية أو صفة للسيدة الأولى كما قال أخونا المحامي الأستاذ محمد سيدي عبد الرحمن، وهنا لا يمكن أبدا أن نتغاضى عن الخطأ الجسيم، الذي يمس في الصميم دور وعمل الوزراء الحاضرين خاصة وزير الاقتصاد الذي كان يحضر بنفسه للحدث وبقية الوزراء الحاضرين والمشاركين في الحدث.

 

ومن ناحية أخرى، لا يمكن فنيا إغفال حق السيدة الأولى في التواجد الرسمي، رفقة زوجها، كما تفعل زوجات رؤساء العالم بأسره أو المشاركة في أنشطة تهم السيدات الأول في العالم، وهو نشاط يحق لها ولا ضرر فيه.

 

وهنا أذكر ما جرى مع حرم سفير الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كاستدلال محلي، حيث أن خطابها الموجه للسيدات الأول لسفراء العالم العربي في الكويت أثير أمام محكمتكم الموقرة وأدى إلى إقالة السفير، رغم أن الحدث لم يكن سوى في إطار عمل جمعوي تقوم به زوجات السفراء الذين يمثلون بلدانهم في تلك الدولة.

 

لا يمكن منع السيدة الأولى من القيام بأنشطة يمكن لها أن تؤديها فقط تحت مظلة منظمة أو هيئة أو جمعية خيرية، تعنى بعمل اجتماعي غير ربحي، يتيح القانون لها الشراكة مع القطاعات الحكومية وهنا يكون من الممكن أن يشارك أعضاء الحكومة في أنشطة تلك الجمعيات على أن يحترم بروتوكول الدولة والذي لا يعطي للسيدة الأولى الحق في أن تكون ضمن الوفد الرسمي، بينما يمكنها أن تكون على حافته بالقرب من آخر وزير في الصف الأمامي كمضيفة.

 

كما لا يعطيها الحق في افتتاح أي نشاط يتم تنظيمه بالشراكة بين الدولة الموريتانية (قطاعاتها الحكومية) وبين الجميعات أو الهيئات أو المنظمات المرخصة من لدن الدولة الموريتانية والعاملة على التراب الوطني وشركاء تلك الهيئات أو المنظمات أو الجمعيات.

 

بيد أنه يمكن للسيدة الأولى أن تلقي خطابا باسم تلك المنظمات أو الهيئات إن خولت لها ذلك كممثل أو شريك، أو رئيس شرفي، شريطة ألا تتعرض للسياسة العامة للدولة (إذ لا يتيح القانون ذلك للجمعيات والهيئات والمنظمات)، وأن يقتصر خطابها فقط على الأنشطة والإنجازات والتعريف بالجمعية التي تتحدث باسمها أو مشاريعها المستقبلة.

 

ويجب من الناحية البروتوكولية ومن باب احترام الدولة، أن تخاطب الوزراء أو من يمثلهم في الحدث، معبرة عن شكرها لمستوى الشراكة بين منظمتها والقطاع.

 

كما لا يجب مطلقا بل لا يجوز أن تستقبل السيدة الأولى بشكل رسمي حالة سفرها إلى مكان ما من الأمكنة الخاضعة لسلطة الدولة أو الممثلة فيها من قبل الجهات الرسمية إلا إذا كان سفرا رسميا مع الرئيس.

 

هذا ما يمكن أن يحدث فنيا من خلال ما هو متاح من جانب العرف، وهو ما جادت به قريحتنا عليكم ولكم أن تأخذوا به أو تتركوه.

 

ولا أغفل هاهنا عن أسلوب المنهجية الذي حددته سلفا في بداية هذا المقال والذي يجب أن يحترم في مجال الخبرة القضائية لضرورة تبيان ما يجب أو ما حدث، أو ما هو متاح فنيا أو تقنيا أو ما يمكن الحصول عليه من نتائج من خلال العمليات الفنية أو المحاسبة، حسب تخصص الخبير ومجال الخبرة دون لعب دور القاضي أو المحامي أو الشاهد أو الضحية أو المدعي أو المدعى عليه أو غير ذلك ممن لهم دور في مراحل التقاضي.