على مدار الساعة

كيف نضع حدا لغبن شركة كنروس للدولة الموريتانية؟

18 يونيو, 2021 - 12:33
المحامي / محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم

الجواب على هذا السؤال ليس سهلا وللجدوائية ينبغي أن يتخذ الرد عليه شكل استشارة قانونية مؤسسة تتطلب وقتا وينبغى أن تتضافر لإنجازها جهود مستفيضة من الخبراء الوطنيين المتمرسين في عدة تخصصات. ولأن ما لا يدرك كله لا يترك جله وتجاوبا مع الرأي العام الوطني ارتأيت تناول العلاقة مع شركة تازيازت في عجالة تبدأ بالتعريف بالغبن وآثاره (1) وتعرج على الإجراءات المتخذة خلف المحيط الأطلسي لدرء فسادنا الذي يرونه قريبا ونراه بعيدا (2) قبل ذكر نماذج من فساد معاملات شركة تازيازت مع المسؤولين الموريتانيين (3) وأختم بتصور مآلات القضية وطرق حلها (4).

 

- 1 -

قد يكون السبب الرئيسي للغبن العام هو أن بعض المسؤولين آثر مصلحته الشخصية على مصلحة الدولة فوقع عقودا قد تكون نفعته ولكن ضرها مكث في الأرض.. ويتهيؤ لي أن المتابعة السليمة لمرتكبي جرائم الفساد كفيلة بإنصاف الدولة الموريتانية المغبونة في ذهب تازيازت.

 

وإن كان الطرف الكندي متمسكا بالشروط التي تكرس الغبن فمن الوارد التفكير في إيقاف النشاط الصناعي ومطالبته بسحب آلياته وإفساح المجال للتعدين التقليدي أو ترك البيئة تستعيد عافيتها.

 

وفيما يتعلق بالغبن تنص المادة: 76 من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني على ما يلي: "الغبن يخول الإبطال إذا كان الطرف المغبون قاصرا أو ناقص الأهلية ولو تعاقد بمعونة وصيه أو مساعده القضائي وفقا للأوضاع التي يحددها القانون ولو لم يكن ثمة تدليس من الطرف الآخر. ويعتبر غبنا كل فرق يزيد على الثلث بين الثمن المذكور في العقد والقيمة الحقيقية للشيء".

 

وقد أثبتت التحريات، التي جرت عن بعد، وقوع تدليس وحدوث فساد في معاملات شركة تازيازت مع الدولة الموريتانية.

 

- 2 - 

كما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة، كانت شركة KINROSS GOLD CORPORTION الكندية موضوع ملاحقة في الولايات المتحدة الآمريكية حيث قامت هيئة الأوراق المالية والبورصات بالتحقيق في شبهات دفع رشاوى في دولتي موريتانيا وغانا.. وأثناء التحري في شبهات الفساد اعتذرت شركة كنروس وتذرعت بأنها لم تنتهج الرشوة عن قصد وإنما اكتسبتها من الوسط بعد شرائها لشركتي تازيازت الموريتانية وChirano الغانية من مالكتهما الأصلية Red Back Mining وأن مسؤولي الشركتين، موضوع عقد الشراء، مردوا على الفساد وأردوا معهم المالك الجديد الذي تحظر لوائحه والقوانين التي تلزمه مجرد دفع حوافز غير مستحقة للمسؤولين الحكوميين. ولو سئل مسؤولو الشركة، الذين يغمز فيهم، لأجابوا بأن عدم تجاوبهم مع تيار الفساد سيؤدي لعرقلة نشاط الشركة والإضرار بمصلحتها. وكما قال تعالى  {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} صدق الله العظيم.

 

- 3 -

كشفت التحريات الآمريكية المذكورة من أمثلة المعاملات المنحرفة ما أسفر عنه تدقيق مالي أنجز سنة 2013 وأظهر أن نسبة كبيرة من معاملات شركة تازيازت تفتقد لعقود مرجعية وأن بعض التسديدات يتم دون طلبيات Bon de Commande وفي بعض الأحيان تعد الطلبية بعد فاتورة السلعة أو الخدمة.

 

ومن أشنع ما أظهره البحث الآمريكي وغرمت هيئة البورصات الآمريكية على أساسه كنروس واقعتان:

أولاهما أنه خلال شهر إبريل 2014 كانت شركة كنروس بصدد توقيع عقد للدعم اللوجستي بمبلغ 50 مليون دولار آمريكي لمدة ثلاث سنوات وحصلت على أفضل عرض في الثمن من شركة بحرية دولية ذات مقدرات فنية وإمكانات لا غبار عليها في موريتانيا وغانا (كما أفادت مصادر الهيئة الآمريكية للبورصات والأوراق المالية) ولكن الصفقة تعرقلت فقبل إمضاء العقد توصلت شركة كنروس بخبر اعتراض مسؤول موريتاني رفيع، بدا غير مرتاح لصفقتها المزمعة، وكان السبب المعلن أن ممثلية شركة النقل الفائزة بالصفقة على علاقة بموريتانيين محسوبين على المعارضة وبناء على رغبة المسؤول خرقت شركة كنروس مصفوفة إجراءاتها ومنحت الصفقة بثمن أعلى ولشركة نقل ذات قدرات فنية تعتبرها أقل ولكن درجتها ارتفعت محليا لأن رجل أعمال موريتاني، على علاقة وطيدة بالمسؤول الرفيع المعترض، قد دخل معها في شراكة.

 

أما الواقعة الثانية فتتعلق بالتعامل مع شخص نافذ تقدم لإدارة شركة تازيازت بصفته مسهلا مؤهلا للتنسيق بينها وبين السلطات الموريتانية في مستويات القرار العليا مما جعل الشركة تفكر في أن تسند له إدارة العلاقات مع الحكومة إلا أن المسهل طلب راتبا مرتفعا (قد تنتقل عدواه لباقي الأطر) مما حال دون توقيع عقد عمل معه.. وفي النهاية، ولتجنب العراقيل، تعاقدت الشركة مع المعني للعمل مستشارا مستقلا لحسابها وأدرجت خدماته تحت بند "مصاريف عامة وغير شائعة" ودفع له، من صندوق خاص لديها، مبلغ 750 ألف دولار آمريكي عن أتعابه لمدة سنة واحدة (من سبتمبر 2014 حتى أغشت 2015).

 

وبناء على اعتذار من الشركة الكندية، التي يوجد مقرها في تورنتو والمدرجة بالبورصة، ألزمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الآمريكية شركة كنروس، بتاريخ 26 مارس 2018، بالتقيد ببنود القانون التي وقع خرقها وبدفع مبلغ 950 ألف دولار كغرامة للخزينة الآمريكية.

 

أما على مستوى كندا فالمتوقع أن شركة Kinross تخضع لمراقبة ومحاسبة مستمرة بحكم جنسيتها.

 

- 4 -

لا تعدو استفادة الدولة الموريتانية من ذهب تازيازت نسبة ستة في المائة (6%) ورغم التبرير الرسمي المتكرر فمن العسير الركون إلى أن حق مالك الأصل يمكن أن يقتصر على نسبة ضئيلة يستقلها السماسرة ولا يرضاها بعض مسهلي الصفقات.

 

ونظرا للغبن الفاحش الذي تتعرض له الدولة الموريتانية التي تستغل مواردها وتتردى بيئتها ولا تتقاضى مقابل ذلك إلا عمولة زهيدة، يتعين التحقيق في شبهات الفساد والتجاوزات التي اكتنفت توقيع العقود والتي باشرتها أجهزة محاربة الرشوة فيما وراء المحيط وعلى ضوء ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة مؤخرا من أن الدولة الموريتانية لم تستفد دولارا واحدا من صفقة شراء كنروس لشركة تازيازت (بمبلغ قدره  7,1 مليار دولار آمريكي) وأن مساحة الرقعة المرخصة توسعت بالتزامن مع الصفقة، أعتقد أن التحريات كفيلة بإثبات ملابسات تعتبر أسبابا كافية قانونا لإبطال العقود التي أبرمتها شركة تازيازت مع الدولة الموريتانية.

 

واعتبارا للطفرة الكبيرة في أسعار الذهب لا يستبعد أن المستثمر استرد ما أنفقه ولذلك يتعين أن لا يمانع في الإقالة لذلك أقترح على وزرائنا الثلاثة، الذين ذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة أنهم يمسكون ملف التفاوض، أن يسألو الشريك الكندي إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان.