على مدار الساعة

المشهد ..المربك ، وقرع .. الاحتمالات!!

9 يوليو, 2021 - 13:14
سيد الأمين ولد باب

تدل الأوضاع المزرية التي يعيشها البلد منذ عام ونيف تقريبا على أن القيادة الجديدة ـ حسب رأينا ـ جاءت خالية الوفاض، صفر اليدين من أي رؤية تنموية مؤقتة أو إستراتيجية . لم يلاحظ المواطن العادي ولا المتتبع للشأن السياسي أي علامة تدل على أن النظام الحالي يحاول بجدية تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن فالأسعار صارخ ارتفاعها والأمن مخيف غيابه وشبح الجوع والعطش يطارد أغلب سكان البلد وتعهدات الرئيس لم تبرح ألسنة المناصرين .

 

أظن ـ والله أعلم ـ  أن فخامة رئيس الجمهورية كان على علم منذ لحظة مباشرته تدبير الشأن العام أن التعهدات التي قطعها على نفسه سواء تعلق الأمر بإصلاح التعليم ، أو الصحة ، أو محاربة الفساد وتدوير المفسدين ، أو القضاء على الفقر والبطالة ، أو توفير الأمن والسكينة العامة ، لن تجد طريقها إلى التحقق بسهولة ،وأن أفكاره التي تضمنتها تعهداته هذه تمت صياغتها وتعليبها دون مرفق يبين طريقة التنفيذ !! فأدى ذلك إلى ارتباك واضح للرئيس ووزيره الأول والحكومة ، فأقيلت الحكومة لمعالجة الوضع وعين وزير أول جديد ولم تمض أشهر قليلة حتى وقف فخامته على عجز حكومة وزيره الأول الجديد وتعالت الأصوات منادية بإسقاط الحكومة . تم تغيير الحكومة بتعديل وزاري طفيف ولم يتغير أي شيء ، بل في كل مرة يزداد الوضع سوءا. كل ذلك خلال عامين تقريبا هما ما مضى عمر النظام الحالي ، فأين يا تري أين أين يكمن الخلل ؟!! .

 

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نستقصي بعض الأحوال ونستفهم حولها بأسئلة ممهدة للإجابة ومنها : ما مدى إدراك قائد الجيوش يومها للأوضاع السياسية في البلاد ؟ هل تفرض هذه الوظيفة مستوى كبيرا من الإدراك ؟ أم أن الطموح والرغبة في تولي الرئاسة هي التي تفرض الاطلاع الواسع بتعقيدات الشأن السياسي العام في البلد ؟ . وبما أن تعهدات فخامة الرئيس الذي يعرف للعهد معنى والتي حظيت بقبول واسع في الأوساط الشعبية ،لم تحظ بأقل القليل من نسب التطبيق والتجسيد على مستوى الواقع  تحتم علينا أن نبحث أولا في رغبة تقلد فخامة الرئيس لمنصب الرئاسة أصلا (فرضية).

 

 

نحن الآن نتحدث عن الرغبة في الوصول إلى السلطة ، فهل كانت للقائد السابق للجيوش رغبة في الوصول إلى السلطة أم أن واقعا ما فرضها عليه ؟، وإن كانت لديه رغبة فما طبيعتها؟ : أ ليقدم بديلا أحسن من سابقه؟ أم ليكون مثله على الأقل ؟ أم أن رغبته تلك هي فقط من أجل الحصول على صفة رئيس للجمهورية وامتيازاتها المعنوية أساسا ؟!!، لأن امتيازاتها المادية لا تغري شخصا مثله تقلب في المناصب السامية منذ أزيد من ثلاثة عقود من الزمن .

 

قائد الجيوش لا يرغب في السلطة (الرئاسة)

 

إن صلة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بسلفه هي صلة صداقة قديمة ودائمة يترتب عليها مما نعلم وواضح لدينا ما قد حصل من محافظة قائد الجيوش على كرسي صاحبه دون أبسط محاولة لزعزعته حتى في غيابه عدة أشهر للعلاج في فرنسا رغم كثرة التشكيك في عودته أو قدرته على مواصلة مهامه إن عاد ، حيث تأكد للجميع أنه فعلا صديق وفي ، وكذلك حصول تسليم السلطة رغم كثرة الطامعين فيها للصديق الوفي بشكل محترم وديمقراطي لا شبهة فيه  .

أما ما قد يغيب عن بعضنا من مقتضيات ومن متطلبات أو إملاءات هذه الصداقة وحقها على كل منهما ما يمكن أن نكتشفه الآن بعد أن صار تلمس الجدية في وصول قائد الجيوش إلى السلطة أمرا مطروحا .قائد الجيوش لم يكن جادا في تولي السلطة لولا...!! كان يفضل أن يبقي شخصية مرموقة في البلد بغض النظر عن من يكون الرئيس طالما أن زميله سيكون له منة عليه .

 

لكن إكراهات مثل هذه الصداقة الكبيرة ... فرض علي غزواني أن يكون رئيسا للبلاد وحسب ماهو واضح من تعامله مع الشأن العام حتى الآن لم يكن الرئيس قد أعد العدة جيدا لتولي هذا الشأن ،ومن تلك الإكراهات أنه مما يقدح في هذه الصداقة أن يكون خلف الرئيس هو شخص آخر غير وزير الدفاع القائد السابق للجيوش السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ، وذلك من جهة كل منهما : فمن جهة ولد عبد العزيز يعز عليه أن لا يقدر حجم الصداقة فيمنح لغير غزواني خلافته في الحكم أو يساعده فيها ، بل ومن العيب المذل لولد عبد العزيز ألا يكون ولد الغزواني هو من سيخلفه ، فماذا ستكون نظرة الناس إليه إن خان صديقه ؟ أو ضن عليه بتولي منصب هو ذاهب عنه ويوليه لآخر مع وجود الصديق الوفي .وأظن أن ولد عبد العزيز كان سيفرض على ولد الغزواني أن يكون رئيسا للبلاد حتى وإن رفض الأخير ذلك من أجل أن يُظهر صفة الوفاء المحببة عند الناس ويُعطي الصداقة حقها ، ويمكن أن يكون ذلك قد حصل .

 

ومن جهة غزاوني فتصوروا معي أن مرشح النظام للرئاسة كان شخصا آخر غير غزواني ، برضي الأخير أو بغير رضاه ، فماذا إذا ستكون حالته النفسية ؟ إنه  سيشعر بما سيتضح للناس فيه إذ ذاك من ضعف وعجز أو عدم الأهلية للقيادة مما يقدح في شخصيته المحترمة في هذا الزمن الذي لا يهتم فيه الكثيرون بالدار الآخرة . سيتفادى ولد الغزواني طبعا أن يضع نفسه في هذا الوضع المحرج ، لكنه لم يكن يدري أن الوضع الذي قبٍل بديلا عنه كان أكثر إحراجا في هذه الداروفي الدار الآخرة.

 

أري ـ والله أعلم ـ أن ولد الغزواني لم يكن يرغب في تولي السلطة ،بدليل أنه كان ولا يزال شبه غائب عن المشهد السياسي والشأن العام منذ توليه السلطة حتى الآن، فتعهداته لا أثر لها في الواقع إلا على ألسنة الموالات ،بل أرى ـ والله أعلم ـ أن الوضع ـ بلغة المعارض لعزيزـ قد ازداد سوءا بعد ولد عبد العزيز، فلو كان قد عشق السلطة من قلبه لعمل لها ألف حساب ولكان حاضرا بقوة لتقرير ما فيه مصلحة البلد ،ولكان حاضرا بقوة العدل لتنفيذه .

 

لقد كان الرجل زاهدا في السلطة، أما وقد أتته الرئاسة منقادة ، فاعلموا أنه كان إذا مكرها ، مجبرا على تولي منصب الرئاسة بفعل مقتضيات تلك الصداقة المحيرة المحرجة التي ربطت بين كرامة كل من الصديقين بتولي الصديق خلافة صديقه . إن هذا المنطق قد يقتضي أو يتطلب من ولد الغزواني أو يدفعه إلى القيام بانقلاب عسكري إذا لم يتم اختياره مرشحا للنظام ،لأن كرامته في هذه الحال مرهونة بتوليه السلطة خلفا لصديقه : بأسلوب سلس كما حصل أو بالقوة إن اقتضي الأمر ذلك ، لكن كل هذا لا يعني أن الرجل كان محبا للسلطة طامحا إليها ـ كما أسلفنا ـ فعلينا إذا ألا نسرف في النقد وأن نشفق ونصبر!!. فكرامة الرجل أولى عنده من حقوق شعب جاهل متخلف تعوًد قيادة نخب طماعة تحجب عنه ضوء الشمس ومثالب القادة ، سيأخذ الرجل من الوقت ما يحفظ به كرامته ويمضي دون أن يستيقظ ....!!.

أري ـ والله أعلم ـ أن الرجل لو كان يعلم أن مقتضيات صداقته الحميمة بولد عبد العزيز ستدفع به إلى السلطة لطلب التأخر عن صديقه في الرتب العسكرية ولأشاح بوجهه بعيدا عن كل ما يمت إلى السياسة بصلة ، قبل أن يكون في مرحلة يحسب فيها ذلك على أنه ضعف منه .

 

ومما يصدق الفرضية التى ذهبنا إليها أيضا أن ظهور العقيد المتقاعد الشيخ ولد باية من جهة ولد عبد العزيز وتقديمه كصديق حميم يحق له أن يخلفه كما روجت أجهزة الأمن الصحفية في المواقع ومن على المنابر وفي اللقاءات المختلفة يدل على أن ولد عبد العزيز كان يريد بديلا آخر لغزواني تحسبا لشيء ما ...؟، ولا أظن أنه غير مفاجئة الرئيس بإعلان قائد الجيوش عدم رغبته في الرئاسة إذ لا ينفع ولد باية في صد انقلاب يقوده غزواني وقد لا يسد ثغرته .....إلخ ، والدليل على أنه من أجل أن يخلفه كان واحدا فقط ، وكان بمقدور الرئيس أن يزيد لكن في الواحد كفاية حتى تظل صداقة الرئيس وقائد الجيوش متميزة .مما يعني أن إدخال الشيخ ولد باية على خط الصداقة ،وتقديمه على أنه صديق حميم للرئيس كان لتحفيز الصديق القديم على قبول عربون الصداقة (الرئاسة) فلربما كان مبررا عند ولد عبد العزيز تفسير صمت ولد الغزواني المطبق إلا حين يسأل ، بأنه دليل على عدم اهتمامه بالسياسة وأن ما يفعل منها ليس رغبة منه فيها ، بل خدمة لصداقة طيبة يكفيه من ثمارها الوارفة مادون السلطة وتولي هموم الناس الذي يعرف بحكم تربيته الطيبة ما قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة عندما جاءه يسأل الولاية....؟

 

إن حديثنا الآن عن احتمال عدم رغبة الرئيس الحالي في الرئاسة أصلا ، ليس أمرا مستحيلا ، أو غير ممكن الحدوث ، فالرجل فاضل وابن أفاضل وقد سبقه إليها فاضل ابن أفاضل وخليفة ابن خلفاء ، فقد آلت الخلافة الإسلامية يوما ما إلى رجل طيب فرفضها واستقال منها بعد أربعين يوما . خطب في الناس مبينا خطورة تولي هموم الناس والآثام التى تلحق صاحبه ، إنه الخلفية الأموي معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . فمعنى ذلك أنه لا ينبغي أن نستبعد عدم رغبة ولد الغزواني في السلطة أصلا لكن أمورا منها ما ذكرنا آنفا فرضتها عليه فتقبلها مرغما ، وتشي الشائعة التي أثيرت بعد أشهر من توليه الرئاسة وهي أنه لا يريد مأمورية ثانية بصدق ما ذهبنا إليه في هذا الأمر، مما يعني أن ما نقص من رغبة الرئيس في الوصول إلى السلطة نقص من معالجته للأوضاع السياسية في البلد ، فتدهورت الأحوال وظل الفقير يزداد فقرا ، ومع ذلك محرم عليه الخروج لطلب ما يسد به رمقه خوفا على نفسه ، أما المناصب فلا طمع فيها إلا لمن يقف وراءه جنرال أو رجل أمن سامي ، أو وزير...!!

 

فترى بعض الأسر يتقلد كل واحد من أفرادها منصبا ساميا ، فهذا الأمين العام أخ للوزير الفلاني الحالي وأخوه الآخر مدير مؤسسة عمومية كبيرة ، وأختهما مستشارة بالرئاسة ، وأخوهما الأصغر مدير إداري ومالي في وزارة وهو الآمر الناهي فيها حقيقة ، هذا دون مناصب الأعمام وأبنائهم والأخول وأبنائهم ، فالدولة برمتها مقسمة بين مجموعة قليلة من الأسر وقليل من الأشخاص النافذين !!.ولم يستطع فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تخفيف تلك الظاهرة أو تطعيمها ، بل ازدادت وتعززت بعلمه أوبدون علمه . أما أصحاب الكفاءات من أبناء الفقراء فعليهم أن يشربوا ماء البحر ـ كما يقال ـ وقد يُضن عليهم به، عليهم فقط مدح الرئيس وتلميع النظام لكي يحصلوا على بعض فتات الوظائف ، أو الصبر!!.

إن الأوضاع مزرية جدا والرئيس يتفرج  الأمر الذي يصدق فرضية أنه قد قذف به إلى السلطة دون أن يريد بل وحتى دون أن يعلم ، فهاله التردي الكبير في المشهد السياسي الذي كان يريد من قلبه أن يكون المنقذ من هوله ، وفارس أحلام الشعب عند تخفيف معاناتهم ..ارتبك ،ولم يدر بعدُ ماذا يفعل من أجل الوفاء بتعهداته . القلب يعتصر وما باليد حيلة !!.

 

قائد الجيوش يرغب  في السلطة (الرئاسة)

إننا مهما بلغنا من درجة الإقناع بأن ولد الغزواني لم يكن يرغب في السلطة أصلا ، فإننا سنصطدم بواقع يثبت عكس ذلك ، واقع يقول بأن القائد السابق للجيوش كان يخطط لخلافة صديقه في السلطة  وأن لديه رغبة كبيرة في الوصول إلى كرسي الرئاسة ، ومصداق ذلك أنه كان ـ حسب ما يقال ـ على تواصل وطيد بالصحافة الوطنية من يأتيه منها عارضا خدماته ،ومن يستقدمه إلى مكتبه ويعرض عليه صداقته ، وقد استثمر في تلك العلاقات ـ كما يذكر ـ مئات الآلاف كل ذلك لتلميع صورته وتقديمه على أنه الشخص الأنسب لتولي الحكم من بعد ولد عبد العزيز، لكن ما الذي كان يفكر فيه الرجل قبل وصوله إلى السلطة ؟ وهل كان على دراية بتعقيدات الواقع السياسي للبلد ؟ هل كان ينظر نظرة سطحية إلى السلطة على أنها : قصر منيف ،وقاعة هادئة ، وكرسي فخم، وأمر مطاع ؟! لقد جرب الرجل الصمت والابتعاد عن الجدل السياسي للوصول إلى السلطة ونجح، فهل سيجربهما الآن إذا في تسيير الشأن العام ؟!.

....يتواصل بإذن الله