اختار الرئيس محمد ولد عبد العزيز وسيلة البيان رقم (1) للوصول إلى سدة الحكم فانقلب على أول رئيس مدني انتخب بطريقة ديمقراطية شهد عليها العالم بأسره واعترف بها الخصوم المحليون.
وفي ذلك العام 2008 سرعان ما بدأ الرجل في تسويق نظامه الجديد وإرساء قواعد حكمه على أنقاض سلفه. خاصة بعد تجاوز الأزمة السياسية إثر اتفاق دكار .
إيجابيا حافظ هذا النظام على مكسب الحرية الإعلامية واستمر في إعطاء مساحة واسعة لحرية الكلمة والتعبير ما جعل البلاد تحتل المكانة الأولى عربيا حسب مؤشر حرية الصحافة.
وكانت المؤسسة العسكرية هدفا لإصلاحات ملموسة لأول مرة ركزت على توفير العتاد الحربي والمعدات وإقامة بنية تحتية حقيقية بينما ظلت رواتب وامتيازات العاملين دون المستوى.
أما السياسة الخارجية فقد انتزع النظام حضورا رائعا في المنتديات الدولية وقاد بعض المنظمات الإقليمية المهمة وتدخل بوساطات ناجحة في أزمات وصراعات إفريقية.
والحقيقة أن ذلك كله يتوجه قرار باهر وشجاع ألا وهو قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ولو لم ينغص النظام على الناس فرحتهم بمشروع الحالة المدنية من خلال الإجراءات البيروقراطية والرشوة والتعقيدات التافهة.. لكان أعظم مشروع ناجح في هذا البلد.
الآن سوف أكتفي بهذا القدر وأعتقد أنه هو أبرز ما تم إنجازه لأنه لا يمكن أن نعدد من إنجازاته المشاريع ذات التكلفة العالية التي لا تساوى قيمة ما أنفق فيها ولا المشاريع الوهمية التي يعلن عنها فجأة ثم لا ترى النور أبدا وربما كانت وسيلة من وسائل السرقة ونهب المال العام يتقنها أهل الفساد.
ودعونا نلقي نظرة على ملف الفساد المالي الذي هو أخطر الملفات إدانة للنظام ومحيطه وأكثرها فتكا بالعباد والبلاد بما يخلفه من فقر وجهل وتخلف.. ولا بد أولا من التذكير بوثيقة حزب تكتل القوى الديمقراطية الصادرة بتاريخ: 19/9/2016 فهي تطالعنا بحقائق مرعبة حول ملف التيسير والفساد ولا ينقصها قطعا محاولة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الاستخفاف بها ودحضها تقول الوثيقة إن "موريتانيا تعاني من أزمة متعددة الأوجه، ناجمة عن انقلاب 2008، ويتجلى البعد الاقتصادي لهذه الأزمة في الفقر المدقع، والصعود المذهل للأسعار، والتدخل المباشر والعشوائي للدولة في الاقتصاد، وتدهور مناخ الأعمال، والانخفاض المستمر لقيمة الأوقية... وتبقى هذه الوضعية جد محيرة في ظرف حصلت فيه البلاد في السنوات الأخيرة على تمويلات هائلة، ناهزت في الفترة 2010 - 2014 مبلغ 17,24 مليار دولار أمريكي من الموارد الخارجية، كما بلغت محاصيل الدولة في نفس الفترة ذروتها، إذ وصل مجملها إلى 1897,6 مليار أوقية. وفي ظل الوضعية الكارثية التي يعيشها البلد حاليا، يحق لنا طرح التساؤلات التالية:
فيم صُرفت كل هذه المبالغ الهائلة؟
أيُمكن أن نتصور أن "الإنجازات" التي يطبل لها النظام في كل مناسبة، على الرغم من هزالتها، يمكن أن تبرر - لوحدها - صرف كل هذه الأموال؟
لماذا تُصر السلطة على القضاء على بعض دوائر الأعمال، التي ساهم جزء منها في عملية بناء الوطن منذ الاستقلال، فحصل بذلك عل حيز من المعرفة والخبرة لا يقدر بثمن؟
لماذا ضاعت فرص استثمارية هامة من البلد؟
إن هذه التساؤلات وغيرها مما هو مرتبط بالتسيير الكارثي لهذا النظام، تشغل الرأي العام الوطني والمراقبين الأجانب؛ وعليه، فسنحاول الإجابة عليها أو على الأقل فيما يتعلق بالجانب المرئي منها، وما خفي أعظم..."هذه الأسئلة التي تبدو حائرة أجابت عنها الوثيقة بالتفصيل وقدمت أرقاما وأسماء يمكن الرجوع إليها.
والحقيقة أن خطر الفساد والسرقة العامة عندنا يكمن في أنها تحولت إلى ثقافة وسلوك عادي جدا لدى الموظفين فكل ما نسمعه ونشاهده في وسائل الأعلام العمومية من ورشات التكوين والملتقيات ما هو إلا غطاء لتحميل الفواتير بالتزوير والتحايل والنفخ بالأرقام التي لا أساس له من الصحة.
في مدينة كرو المنسية دائما والمهمشة ادعوا زورا وبهتانا أن طريق الدخلة - احسي الدفعة كلفتهم ما يفوق 108 مليون أوقية وهي لا تكلف أكثر من بضع وعشرين مليونا في أحسن تقدير. أما الخزان المائي المتوقف فكلف الخزينة 119 مليون أوقية!
لقد بات معروفا للجميع تلك الأسماء من أبناء عائلة الرئيس الذين تألقوا فجأة في دنيا المال والأعمال وراكموا ثروات فلكية من صفقات مشبوهة وسخرت مؤسسات البلد لأغراض نهبهم وفسادهم.
مثلا ها هو صندوق الإيداع والتنمية الذي أنشأ لمساعدة أصحاب الصناعات الخفيفة والمزارعين وأصحاب المشاريع المثمرة ذات الفرص التشغيلية يستخدم سخرة لمافيا الفساد ويمنحها القروض السخية جدا بآجال طويلة الأمد ومن ذلك تقديمه مؤخرا قرضا بما يناهز نصف مليار أوقية لبناء سوق تجاري قبالة الخطوط المغربية لصالح أحد المحظوظين من أقرباء "البطرون"... فيا سلام على التنمية الحقيقية.. بالمناسبة كل شيء ينقصنا إلا المحلات فنحن بلد المليون "بوتيك" بلا منازع وفوضى الأسواق التي نراها ما هي إلا عملية حقيرة لتبيض الأموال المسروقة تدفع باللصوص لردمها في كل مظان الإخفاء فتتعطل منافعها الاقتصادية وهي بأيديهم.
وأعظم مصيبة عصبية أن القوم لا يتورعون عن صغير ولا كبير ولا يشبعون أبدا عائذا بالله. هذا شاب من الذين طحنتهم حياة الاغتراب في الخارج وذاقوا مرارة الفراق وعذابات الفقدان الدائم للأهل والوطن عاد قبل مدة وشحن سيارتين من نوعV8 إلى العاصمة نوكشوط فأخبروه أن رسومهما الجمركية لا تقل عن مبلغ 10 ملايين أوقية فطرق الأبواب كلها عله يجد تخفيضا فلم يجد سوى هذا العرض من هيئة الرحمة ومضمونه أن تصنف السيارتين على أنهما لجمعية الرحمة وعند دخولهما يكتب لمالكهما تنازل عنهما مقابل 5 ملايين أوقية. أعوذ بالله من نفس لا تشبع من حلال ولا حرام.
وحان الوقت الآن للإشارة إلى المشاريع الوهمية وذكر بعضها على سبيل المثال.
- أين كلية العلوم البيطرية في كيفة التي أعلن عنها النظام 2011؟
- أين الوحدة الخاصة بإنتاج علف الحيوان في مدينة ألاك والتي تبلغ قدرتها الإنتاجية 15 طنا للساعة، وأعلنت عنها الحكومة مطلع 2011؟ وكذلك رباط البحر بتكلفة 3 مليار دولار دشنه الرئيس قبل سنوات و الجسر الجوي الرابط بين كيهيدي وباريس الذي تعهد به أثناء حملة 2009
- أين المذبحة العصرية القادرة على تحويل اللحوم ومشتقاتها في مدينة النعمة، وتتراوح قدرتها الإنتاجية من 40 إلى 50 طنا يوميا أعلن عنها الوزير الأول مولاي ولد محمد لقظف يناير 2011 " (٢)
- ورحم الله الشاحنات والحفارات ومصنع الطائرات.
هذا الوضع القاتم والمعطيات المدمرة تجعل الوقوف مع هذا النظام خيانة للوطن وجريمة في حق الأجيال القادمة.
توكلنا على الله .
الهوامش
_________
(1) - وثيقة حزب اتحاد القوى الديمقراطية 19سبتمبر 2016
(2) - حملة مشاريع وهمية صفحة الكاتب على الفيسبوك محمد الأمين سيدي مولود