على مدار الساعة

مستقبل الشباب وجدلية الاستقطاب..!

25 سبتمبر, 2021 - 02:02
د. محمد ولد عابدين - أستاذ جامعي وكاتب صحفي

الشباب مرتكز الأمة؛ عماد نهضتها وعنوان تنميتها.. بانى حاضرها وصانع مستقبلها، بدون حماسه وعطائه لايتحقق البناء والتعمير، وبغير ابتكاره وإبداعه لايتأتى التجديد والتطوير؛ فالخير كله فى الشباب بما يحمل من قيم الصدق والإخلاص والتضحية، وماحباه الله من خصائص القدرة والحيوية وطاقة الإنتاج والفعل الديناميكي الخلاق..! إنه أغلى ثروة قومية فى حياة أي مجتمع من المجتمعات.

 

ويعلمنا التاريخ أن الشباب كان دائما ظهيرا للحق ونصيرا للخير؛ فهو أول من ناصر الرسل والأنبياء في دعواتهم، وآزر المصلحين والمجددين فى طروحاتهم، ولاشك أن هذه المعاني والدلالات وتلك الخصائص والمؤهلات فى تجلياتها الفكرية والثقافية والعلمية والإبداعية، تستدعى الإعداد الأمثل لهذه الشريحة المحورية من خلال تسليحها بالعلم والمعرفة، وتحصينها بالوعي والتربية وإشراكها في وضع التصورات والاستراتيجيات التنموية، والبرامج والرؤى والأجندات المستقبلية لتوجيه طاقاتها وقدراتها نحو البناء والتنمية، وصرفها عن الانجراف فى مهاوى الغلو والتطرف، وصدها عن الانحراف فى مزالق الصراع والفتنة.

 

إن الشباب مدعو فى هذه المرحلة للمشاركة بقوة فى عملية التغيير المجتمعي، من خلال الانخراط الفعال فى العمل السياسي الجاد والإنجاز التنموي الواعد؛ تصورا وتخطيطا وتنفيذا، لأن البلد بحاجة إلى طموح الشباب المندفع نحو التغيير، ورغبته الجامحة فى جودة الحكامة وحسن التسيير؛ فى ظل قيادة عاقدة العزم على تأسيس أسلوب رصين ومنهج متين لبناء دولة وطنية مدنية على أسس ديمقراطية تنموية حضارية جامعة.

 

وللشباب خصائص ومميزات متفردة؛ بيولوجية وسيكولوجية وسوسيولوجية ، يعكسها مايتسم به من طاقة إنسانية متوقدة ومتوهجة؛ حماسة وتضحية وحساسية وجرأة واستقلالية وقلقا ومثالية، ونزعة وجدانية طاغية نحو تأكيد الذات، وروحا نقدية ساعية إلى مطابقة الواقع لفكرها المثالي الرافض للضغط والقهر والإذعان، والمتشوف للتحرر والإشراق والانطلاق مع قدرة فائقة على مواكبة المتغيرات والاستجابة للمستجدات، واستيعابها والدفاع عنها بقناعة واستماتة ورغبة عارمة فى تغيير الواقع نحو الأفضل والأمثل والأجمل..!

 

والشباب منهم المتعلمون والمثقفون والفاعلون، ومنهم الخاملون والقاعدون والتابعون غير المبادرين، ومع ذلك يشاركون فى الفعل التنموي والمجتمعي؛ إذا وجدوا قادة ومؤطرين وموجهين بحيوية وفعالية، ومنهم العمال والموظفون والطلاب والعاطلون ، وهناك شباب المدن والقرويون؛ وتستدعى تلك التقسيمات والمكونات من صناع القرار وراسمى السياسات بالتعاون مع الخبراء ومراكز الدراسات، صياغة مقاربات شاملة للبرامج والمشاريع الحكومية الموجهة لتنمية هذه الشريحة الاجتماعية.

 

ويتعين على الباحثين وأصحاب الشأن والاختصاص رصد وتحديد حاجات الشباب النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية؛ بغية العمل على تلبيتها فى خطط العمل والبرامج الحكومية والاستراتيجيات التنموية المستقبلية.

 

إن مشاركة الشباب فى الشأن العام وصناعة القرار والتخطيط والاستشراف، وجهود التنمية والعملية السياسية باتت ضرورة ملحة؛ فهم المكونة الاجتماعية المهيأة ديموغرافيا وإديولوجيا المتحررة والمنفتحة، ولا شك أن المؤسسة السياسية أوالحزبية المعتمدة عليهم؛ ستحرز قصب السبق لاحتضانها للقوة والفتوة وقيم البذل والعطاء والتضحية التى تشكل وقود النجاح فى الساحة؛ بعيدا عن الترهل الفكري والشيخوخة السياسية والممارسات الرجعية.

 

لا بد من مقاربة حكومية غير تقليدية، تتغيا وتنطلق من ضرورة مراعاة مختلف الحاجات المستجدة لشباب عصرنا الراهن؛ عصر القرية الكونية والمد العولمي العابر للحدود والقارات؛ لإعداده وتأهيله وتسليحه بالعلم والمعرفة؛ سبيلا إلى بناء وصقل الشخصية الشبابية وإكسابها المهارات والخبرات العلمية والعملية وتنمية مداركها العقلية، وفقا لمقاربة تربوية تفاعلية غير ميكانيكية تلقينية؛ وذلك لضمان تكيفها المتوازن مع المستجدات التقنية والتكنولوجية والأزمات القيمية والأخلاقية حتى لا تتحول - لا قدر الله - من أدوات بناء إلى معاول هدم.

 

ونحتاج إلى استراتيجية إعلامية لمواجهة الانحراف الفكري والسلوكي لدى الشباب، وتدركون جميعا التأثير البالغ للرسالة الإعلامية والاتصالية بكافة قنواتها ووسائلها التقليدية والجديدة، ومحورية الدور الذى تلعبه وسائط التواصل الاجتماعي فى تشويش الوعي وتزييف الواقع، وخلق هالة خيالية عبر العوالم الافتراضية بفضاءاتها المفتوحة ومنابرها المتعددة ومصادرها المتنوعة؛ مما يستوجب الارتقاء بمشهدنا الإعلامي لمواكبة هذه الظاهرة وخلق مناعة فكرية عن طريق إنتاج محتويات ومضامين رقمية؛ تعكس الأصالة والعمق والرصانة وتصون الهوية والخصوصية الحضارية.

 

إن جدلية الاستقطاب وحدة التجاذب التى يواجهها الشباب، تتطلب من الجميع المساهمة فى ملإ الفراغ الفكري والوجداني، والتصدى الحازم لمداخل الغلو والتطرف، ومنازع الرفض والحقد ومواجهة الميوعة السياسية والخطاب التحريضي السمج؛ وذلك من خلال البرامج والمقاربات العلمية والمعرفية والاستعانة بأهل الشأن والاختصاص وكل من لهم صلة بقضايا الأمن الفكري؛ على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة وكل مراكز ومؤسسات ومحاضن الإعلام والتعليم والتربية.

 

فنحن فى حاجة ماسة وضرورة حاقة إلى تضافر جهود الهيئات الحكومية والسياسية، والفعاليات الثقافية والاجتماعية والمنابر العلمية والأكاديمية والمؤسسات الإعلامية والتربوية؛ بغية صياغة رؤية موحدة وبلورة مقاربة ناجعة لتحصين شبابنا من الانزلاق فى مهاوى الفشل والفتنة، من خلال الإقلاع المتدرج والعبور الآمن إلى ضفة التآزر والتآخي والمشاركة البناءة فى مستقبل التنمية؛ عبر منهج التشاور والتحاور والبيان بالحكمة والحجة والبرهان.