على مدار الساعة

ملاحظات على هامش منتدى السلم

19 فبراير, 2022 - 16:53
الدكتور الكوري السالم المختار الحاج

خلال الأيام الماضية عرف فضاؤنا الإلكتروني جدلا حادا وسبابا وتخوينا كاد أن يصل إلى حد التكفير أحيانا، بل وصل إليه في بعض الأحيان، وهذا يغفل في نظري واجبا شرعيا هو فريضة "التبين" والتحري بما يعنيه ذلك من تدقيق في مسألة توفر شروط وانتفاء موانع التكفير، وبالتالي أعتقد أن مقولات التكفير تلك منافية لقيم المجتمع ومقتضيات الدين.

 

وبطبيعة الحال، من الوارد نقد الأنشطة التي يقوم بها منتدى السلم من حيث سياقها ومضامينها وآثارها ومآلاتها، وخصوصا ما يتعلق بتأثيراتها السلبية على الروح المعنوية للأمة، بما يستبطنه خطابها من جلد للذات وإيحاء بربط المجتمع المسلم بالإرهاب والغلو والتطرف، وهو خطأ فادح وقع فيه أعداء الإسلام والمسلمين بدافع الخبث وسوء الطوية، ولا يجوز للمسلم أن يترسم خطى أعدائه مستغلا سلاحهم ضد ذاته. والمسلمون هم الضحايا الأكثر تضررا من التطرف والغلو بنوعيه: الديني واللاديني. والغلو رغم وجوده في المجتمعات الإسلامية، فهو كذلك في المجتمعات المسيحية واليهودية، وغيرها من الديانات، ونلمس في هذه الأيام غلوا دينيا هندوسيا يستهدف المسلمين في الهند، وغلوا بوذيا يستهدف المسلمين في بورما (محنة الروهينغا)، وغلوا لا دينيا يستهدف المسلمين في الصين (محنة الإيغور). وغلوا مختلطا يتلبس فيه الديني لبوس اللاديني كما هو في أوربا (فرنسا – السويد - سويسرا) والتركيز على الجانب المتعلق من الغلو بالعالم الإسلامي مثير للاستغراب ويطرح أكثر من سؤال.

 

من حق أي كان أن يتحفظ على ما يمكن أن يسببه خطاب منتدى السلم، وانفتاحه - غير المحسوب -  على الدوائر المعادية للإسلام والمسلمين من إغراء للسفهاء والمنهزمين حضاريا بالتحامل على الدين ووصمه بكل ما هو منه براء من عنف وصدام وتخلف.

 

من حق المسلم أن يعترض على صمت منتدى السلم وقادته ومؤسسيه ورعاته عن معاناة العرب والمسلمين المريرة، وعن واقع الفتن والحروب التي يسهم ممولوا المنتدى ورعاته في إشعالها بشكل ممنهج، في الوقت الذي يتركز فيه نشاطه "الإطفائي" على ما يلحق الضرر بالطغاة والغزاة، وكان حريا بهذا المنتدى أن يعطي عناية أكبر لهموم الأمة ومعاناتها تكريسا وترسيخا لأخوة الدين، وقياما بواجب الولاء والنصرة للمؤمنين.

 

من حق المسلمين أن يطالبوا بمقاطعة اليهود الذين قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم، وصمت المنتدى إن لم نقل تأييده عن الارتماء في أحضان الصهاينة لا يجد مسوغا له من الناحية الشرعية والأخلاقية والقومية..

 

فمسألة مقاومة المحتلين شرعتها قوانين الأرض وشرائع السماء، ومهادنتهم ومظاهرتهم ماديا أو معنويا إخلال بمقتضى البراء والولاء، وهي نقطة جوهرية أرجو أن يتوقف عندها (الإطفائيون). 

 

وحقيقة أن الجهاد ذروة سنام الإسلام تندرج ضمن قواطع الدين التي وردت في النص، وحازت الإجماع وبالتالي يصعب الالتفاف عليها بالمماحكات الجدلية، والحيل الفقهية.

ورغم كل هذه المآخذ والملاحظات السائغة من العدل والإنصاف ألا نقتصر على النقاط المعتمة في نشاط المنتدى، فرغم تعددها وكثافتها تقابلها نقاط إيجابية يجب استثمارها ومنها:

 

1. أن المنتدى ناقش بعمق كثيرا من القضايا الإشكالية المرتبطة بالتعايش والعلاقة مع الآخر، وجعل شركاءه على تنوعهم يصححون الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الدين.

 

2. أن المنتدى يبرز اتساعا في الرؤية الإسلامية وقدرة على استيعاب الآخر أو على الأقل التفاعل معه. ومعاملته من منطلق قيمتي: العدل والإحسان. وإبراز تلك القيم القرآنية في مجتمع عالمي يتسم بالتحيز وصراع الحضارات والثقافات مرغوب ومطلوب.

 

3. من الحيف والظلم الربط بين الشيخ عبد الله ابن بيه وما يسمى (الدين الإبراهيمي) فما سمعت له في ذلك قولا ولا قرأت له سطرا. وأجزم أن مثل تلك الترهات والأباطيل لن تصدر عنه.

 

وإن كان لي من التماس للشيخ عبد الله ابن بيه فسيتلخص في إصدار بيان يبرز براءته مما يسمى بالدين الإبراهيمي، كما فعل شيخ الأزهر أحمد الطيب حين أعلن أن الدعوة إلى (دين إبراهيمي أضغاث أحلام ومصادرة لحرية الاعتقاد) ولو افترضنا أن البيان تحصيل حاصل فليكن تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لصاحبيه: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي).

 

لا أقبل اتهام الشيخ عبد الله ابن بيه في دينه ولا إخلاصه ولا أدعي له العصمة، فكل ابن آدم خطاء.

 

ورأيي أن من يمارس نشاطه في مضمار (المشتبهات) يظل بحاجة إلى مراجعة عميقة، ومحاسبة صارمة حتى لا ينزلق إلى مضمار (المحرمات) والراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وخير الخطائين التوابون.