على مدار الساعة

نقطة نظام ردا على مقال: "موريتانيا واستخراج اليورانيوم.. أحلام الثراء المؤجلة"

24 فبراير, 2022 - 19:17
أحمدو ولد الننيه

قرأت في موقع الأخبار، مقالا مطولا لأحد أساتذة المعهد العالي للمعادن في موريتانيا، يتحدث فيه عن أحلام الثراء المؤجلة، ضاربا مثالا بشركة Aura Energy الأسترالية، مستشهدا بموادها الإعلانية المنشورة في موقعها الرسمي، مع محاولة تحريف واضحة للمضمون، وتلاعب مكشوف بالمعطيات العلمية.

 

ولأني أكثر من يعرف تفاصيل هذه الشركة، والظروف التي حصلت فيها على رخص الاستغلال، وقبلها رخص التنقيب، سأرد على ما تفضل به الأخ الأستاذ الكريم، لإنارة الرأي العام الوطني من جهة، ولوضع حد للتضليل، والخطاب المغلف بالسفسطة والتشويش على ذهنية القراء من غير المختصين والعارفين بالمجال من جهة ثانية.

 

الأرقام وحدها لا تكفي لتبرير فرقعات الخيال، والمقارنات غير العلمية، تبقى هي الأخرى غير مقنعة وبدون جدوى. صحيح أنها قد تساهم في التشويش والإثارة إن كان الإخراج متقنا، لكنها في نهاية المطاف ستذهب جفاءً. يا سيدي الكريم، قبل الاعتماد على المواد الإعلانية للشركة، كان عليك أن تبحث عن تاريخ دخولها مجال التنقيب في موريتانيا، كان عليك أن تجلس إلى جانب ممثلها الرسمي في موريتانيا، وهو الخبير الدولي في المعادن، لتستقي منه الخبر، قبل تحريره وتوزيعه. وما دمت تجاهلت ذلك؛ صار لزاما علينا، أن نوضح لك ومن خلالك للجمهور كل شيء؛

 

شركة "اورا انرجي" يا سيدي الكريم، اقتحمت المجال في مناخ اقتصادي دولي صعب، وقضت تسع سنوات تبحث في فيافي تيرس عن المعدن النفيس، رمت بكل ثقلها، وتحملت الصعاب وخاضت التحديات، واستوفت جميع الشروط القانونية المعمول بها في بلادنا، ليكتب لها في الأخير أن تظفر بمنجم كبير، بعد كل هذا الجهد الذي استنفرت له رجال الميادين وخبراء المعادن وكل أنواع الوسائل اللوجستية، لتأتي أنت فتقول بكل بساطة، يجب أن نأخذ منها هذا المنجم، فنعطيه لشركة اسنيم !

 

هو سؤال أطرحه عليك، قبل أن أواصل معك في تفكيك مقالك؛ ما الذي يمنع اسنيم أو غيرها من الاستثمار في التنقيب واكتشاف مناجم جديدة في أرضنا المعطاء؟

 

ما الذي يمنعها من التنقيب عن الذهب واليورانيوم والفاناديوم والألماس.. وغيرهم من المعادن؟

 

طيب لنعد للمقال؛

قلت وقولك متهافت، إن 15% التي تقدمها الشركة للدولة زهيدة، وهنا نسيت أو تناسيت على الأصح، أن معظم شركات المعادن في العالم لا تقدم أكثر من 10% للحكومات في العالم، ونسيت أيضا أن الشركات الأجنبية في بلادنا لا تقدم أكثر من 6% للدولة في أحسن الأحوال.

 

هذا مع العلم أن شركة "اورا انرجي" قدمت أيضا 10% للدولة الموريتانية لتستثمر معها في الإنتاج، ليكون نصيب الدولة الإجمالي 25%. لك إذا أن تتصور الفرق بين 25% تقدمها شركة "اوروا انرجي" و 3% و 4% تقدمها بقية الشركات العاملة في نفس المجال لموريتانيا. وفضل كل ذلك يرجع لممثل الشركة في موريتانيا، الذي واكب الشركة في كل مراحلها، وأصر أن تكون نسبة استفادة وطنه من المنجم كبيرة. هذا بالإضافة إلى أن شركة "اورا" من أكثر الشركات الأجنبية احتراما للقوانين، وأحرصهم على دفع الضرائب في الوقت المناسب.

 

وحين اكتشفت هذا المعدن الثمين في عمق صحراء تيرس، أعدت دراسة جدوائية، وأخرى عن تأثير البيئة، وبعد مدة طويلة، حصلت على أول ترخيص لها في ديسمبر 2019، تزامن ذلك مع ظهور كوفيد19، فبدأت أسهم كبريات شركات العالم في الهبوط، خاصة منها تلك المستثمرة في البورصات، كحالة شركة "اورا انرجي" التي خسرت الكثيرة من الإمكانيات وبالتالي تعطلت الكثير من مشاريعها، وانهارت أسهمها في السوق الدولية، وهذا لا يخفى على متابع لأخبار الشركات العالمية، لأنه منشور ومتداول بشكل يومي في الصحف ووسائل الإعلام الدولية.

 

مع الوقت، بدأت "اورا انرجي" تستعيد عافيتها شيئا فشيئا، وكانت كلما حاولت التقدم بخطوة إلى الأمام، تصطدم بموجة جديدة من #كوفيد19، يستحيل معها تنفيذ أي مشروع، لكنها مع ذلك قررت أن تواصل الدراسات المعمقة حول المنجم المكتشف، وتعاقدت مع شركات استرالية مختصة في مجال الدراسات، من خلالها أعادت وعمقت دراسة الجدوائية على نظم "JORC" العالمية، أعطت نتائج أكثر أهمية من نتائج الدراسات السابقة فيما يتعلق بحجم الاحتياط. ولم يتوقف الأمر هنا، بل واصلت الشركة عمليات التنقيب عن معادن أخرى في مناطق مترامية الأطراف من موريتانيا.

ومن خلال دراساتها المعمقة في المختبرات الأسترالية، اكتشفت احتياطات كبيرة من معدن جديد يسمى "الفاناديوم"، وهو معدن نادر وثمين. وهذا ما تطلب تغييرا شاملا في الاستراتيجية المتبعة، وزيادة في المصانع وخلايا التعويم، لتمييز الفاناديوم عن اليورانيوم، والشركة تواصل الليل بالنهار، لإكمال إنجاز هذا المشروع الضخم الأول من نوعه، وفي سبيل ذلك قامت بفصل شركاتها، واحدة تحمل اسم " TIRISS RESSOURCES" مختصة في اليورانيوم، وتم تعيين مدراء جدد لها، والأخرى تحمل اسم  Archean Greenstone Gold مختصة في الذهب. وذلك من أجل تسهيل عمل كل منها وبالتالي تسريع وتيرة إنجاز المشاريع. إن شركة من الحجم المتوسط، مثل "اورا انرجي" تقوم في بضع سنوات بعمل جبار كهذا، في ظروف دولية قاهرة، لجديرة بالاحترام، بدل التشكيك وتوجيه أصابع الاتهام الباطلة.

 

ولو عدنا لشركة اسنيم، وافترضنا جدلا أن "اورا انرجي" تنازلت لها طواعية عن هذا المنجم، هل تستطيع اسنيم إخراج المعدن، وهي العاجزة منذ تأميمها عن تجاوز 12 مليون طن سنويا من الحديد الخام، ولديها مشاريع حاليا مع سعوديين وكنديين واستراليين في صميم تخصصها، مرّت عليهم 20 سنة، دون أن ترَى أي منها النور حتى الآن، فكيف بمشاريع خارج مجال اختصاصها؟!

 

إنه لمن المؤسف حقاً، أن تكون كتابات أستاذ جامعي متخصص في المعادن، مجرد إنشاء خارج السياق، خال من المعنى والقيمة العلمية، وفوق ذلك متحامل في أغلبه ومتهافت ومتناقض في جوهره. إن بيئة كهذه ينمو فيها مثل هذا الخطاب، لا تشجع أبدا على الاستثمار وجلب المستثمرين.

 

مستساغ إلى حد ما، التنافس الحاصل بين رجال الأعمال على خطب ود المستثمرين الأجانب، لكن أن يصل الأمر إلى تتفيه كل شيء والتشكيك فيه، فهذا ما لا ينبغي تركه يمر دون محاسبة.