على مدار الساعة

فقر الدولة أم فقر في الضمير..؟

12 أبريل, 2022 - 22:55
باب ابراهيم

لقد عودنا النظام القائم منذ عقود على استنتاجات بالهواء، لا أساس لها منطقي أو علمي، تسعى من خلالها السلط المتعاقبة إلى إلقاء اللوم على البسطاء، ووضعهم بمركز المسؤول عن شتى أنواع البؤس والفقر والتخلف الذي نعيشه، وهو كيد مفضوح، ويؤكد فقط وجود مسؤولين بمركز القرار يمارسون كل أنواع المكر اتجاه شعبهم، يوصلونه للوضع الذي يعيشه اليوم بسياساتهم وخططهم التي توضع من أجل مصالحهم الضيقة والشخصية فقط، ليجلسوا بعد ذلك مرددين بكل برودة أعصاب أنتم "دولة فقيرة، وشعب متسول"..!

 

نعم نحن دولة تفتقر لسلطة تنتهج سياسة وطنية، هدفها توفير العيش الكريم للمواطنين، وتعمل على توزيع ثرواتهم بينهم بشكل عادل، سلطة لها القدرة على الاستشراف، ولها بصيرة تمكنها من عمل أي شيء من أجل وطن يعيش خارج الإطار الزمني الذي يعيش به أهل كوكب الأرض اليوم، لا سلطة تنهب الثروات وتضع استراتيجيات لا تتقاطع نهائيا مع مصالح الشعب والمصالح الوطنية في شيء، وإنما تهدف فقط للتربح وجمع المال على حساب الوطن والمواطن، استراتيجيات تجعل من البلد وخيراته مجرد غنيمة للسلطة وأعوانها من موظفين ورجال أعمال، حيث السلطة تجمع المال وتتربح، ورجال الأعمال يريدون، وأعوان السلطة من موظفين ومشايخ دينية وقبلية أيضا يريدون، وحظ المواطن البسيط اللوم، وفي الأخير يوضع بمكان المسؤول عن التفقير وتبديد ثروات البلد والعبث بها، وتحويلها إلى ممتلكات خاصة، ويكفي في هذا الجانب النظر في حاضر وماضي الأرشيف الوطني، فمع كل  تغيير يحدث في رأس الهرم يكشف الرأس الجديد فساد وتخريب سلفه، وهكذا تتحول السلطة إلى صانع للفقر، ومنتج له، بسياساتها التي تفقر المواطن، ووصل بها الأمر حد شرعنة ذلك، من خلال إخراجه عن طريق مؤسسات يفترض أنها بمركز المراقب، والممثل لمصالح العباد والبلاد مثل البرلمان..، والتماهي المخل الذي وصل حد التفريط من طرف القوى السياسية التي يفترض أنها العين الساهرة التي تبحث عن أي خلل في التسيير تجعل منه مادتها التي تقيم على أساسها من يسير شؤون البلد، أحرى أن يصل الأمر لجرائم في حق الشعب، تمر أمامها بين الحين والآخر دون فعل أي شيء أو قوله يذكر حتى بوجودها، ليكتمل الطوق ويشتد الخناق على شعب أفقر وأصبح يفتقر لكل شيء..!

 

لقد تطرق تشومسكي للاستراتيجيات التي اعتمدها أصحاب النفوذ العالمي في وثيقتهم السرية "الأسلحة الصامتة لخوض حرب هادئة"، وهي استراتيجيات تهدف إلى السيطرة على عقول ومقدرات الشعوب، من خلال توجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم، ومن أهم تلك الاستراتيجيات "دفع الفرد إلى الاعتقاد بأنه المسؤول الأول عن فشله وسوء حاله، حتى لايقع اللوم على السياسة الحكومية، ليبقى الشخص أسير حزنه، ويتولد لديه ذلك التشاؤم الذي يؤثر على عقله وجسده، وينتهي به المطاف عاجزا عن القيام بأي شيء ضد الحكومة.."

 

تجمع التقارير الدولية التي تتحدث عن الفقر وأسبابه إلى أن الفقر مرتبط أساسا بالوضع السياسي والأمني، ومن أحدث تلك التقارير "التقرير العربي حول الفقر المتعدد الأبعاد" وهو تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يتناول موضوع الفقر وأهم العقبات التي تواجه خطط القضاء عليه، خصوصا خطة 2030، التي يرى التقرير أن الأوضاع السياسية بأغلب البلدان العربية تحول دون تنفيذها، وإحراز أي تقدم في مجال التنمية والقضاء على الفقر.

 

إن الارتباط الوثيق بين الفقر والسياسات التي تنتهجها السلط المتعاقبة يجعل من تلك السياسات سببا مباشرا في تفقير الشعوب والبلدان، يقول تشومسكي أنه "لا يوجد بلد فقير، وإنما توجد فقط سلطة فاشلة في إدارة موارد بلدها"، وهو مايوضح أن السلط هي من يصنع الفقر، وهنا يكمن الخطر الأكبر من الفقر وهو التفقير، حيث يصبح للفقر بعد اجتماعي، يتثمل في استئثار القلة بخيرات شعب بأكمله، وهو مايؤدي إلى تشكل ثقافة الفقر، التي يرى العالم الأمريكي أوسكار أن انتشارها أخطر من الفقر نفسه، فبالإمكان القضاء على الفقر في أي وقت حين تتوفر الإرادة لذلك، لكن يصعب تحرير أي مجتمع من ثقافة الفقر بعد ترسيخها بداخله، حيث تؤدي تلك الثقافة إلى انتشار أمراض مثل الكسل والاتكالية وقتل روح المبادرة عند الفرد، والإحساس بالدونية..، ومع تلك الثقافة يتضح أن الأمر لا يتعلق فقط بحرمان مادي أو سوء تسيير أو نقص بالموارد وإنما بسياسة عامة تنتهجها الأنظمة التي لها مصالح تسير في اتجاه معاكس لمصالح الشعوب، وهو ما يعني أن الوعي بأسباب الفقر أهم من أي شيء آخر، فضلا عن استعداد المواطن للدفاع عن حقوقه والوقوف دونها.

 

إن الفقر الحقيقي الذي يعاني منه وطننا هو فقر في الضمير، فقر في المسؤولية، فقر في الإنسان الذي لايساوم على حقوق شعبه ومصالحه، الإنسان الذي يتمتع بقيم العمل، الإنسان الذي لا يستخدم مركزه ولايبحث من خلال مواقفه عن بعض الفتات، إنسان مؤهل لتصدر المشهد، وبإمكانه تسيير موارد دولة وصفها الرئيس بالفقيرة، لصالح شعب وصفه فخامته بالمتسول.