على مدار الساعة

العنوان في الشعر العربيّ المعاصر: ديوان "بصمة روحي" نموذجا ([1])

29 أكتوبر, 2022 - 00:09
د. محمد محمود أحمد محجوب

1)  مقدّمة:

ليس العنوانُ مجرَّدَ عتبة ندخلُ منها إلى النصّ، أو سمةً نُحدِّدُه بها ونُمَيِّزُهُ. ولم تكن وظيفته لتقتصر على الإغراء بالمحتوى، أو الإحالة على بعض جوانب التميّز في المعنْوَن، تصريحا أو إيحاء[2]؛ بل هو، فوق جميع ذلك، تكثيف للمضمون[3] يكاد يكون به "نصّا في عبارة" موازيا للنصّ الأصليّ، مكافئا له في الدلالة[4]، ومنافسا له أحيانا[5]!

 

صحيح أنّ العناوين لا تُمَكِّن قارئَ المتن من وضع اليد على ما يميّز النصّ إبداعيًّا، ولا تستطيع - مهْمَا أُحكِمت صياغتُها - أن تَعكس ما  في أحشاء النصوص من درر، ولكنها - على رغم ذلك-  تمتلك القدرة على إنارة درب المتلقي بتوجيهه نحو مقوِّمات الإبداع[6] كما تتجلّى في العمل الإبداعيّ نفسِه، وربما كان لبعضها خصوصية يتجاوز بها وظائف العنوان التقليدية، لافتا الانتباه إلى ذاته، ودافعا القارئ إلى النظر إليه بعين ترى فيه بعض الاستقلال، وإلى تناوله بمنهج قادر على تَبَصُّر كُنْهِه، وذلك بتفجير حُمولته الدلاليّة من الداخل، قبل استثمار الطاقة المتولّدة منها في إضاءة فضاءاتِ النصوص: قراءة وتأويلا واستنطاقا. وهو الأمر الذي نرومه- في السطور اللاحقة- لعنوان ديوان الشاعر الموريتاني الدكتور ادي ولد آدب الموسوم بـ"بصمة روحي"، الصادر عن مؤسّسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، بمراكش، سنة 1439هـ/ 2018م.

 

2. "البصمة" وأزمة الإبداع الشعري:

2. 1. ثنائيّة التمايز والتطابق:

يتالّف العنوان في بنيته اللفظيّة الحضوريّة من  ثلاثة دَوالّ:  "البصمة" و"الروح" وياء المتكلم (الضمير في "روحي"). وهي بنية غير مستقلّة تركيبا؛ إذ تعتمد في مقبوليتها النحويّة على ملء خانة "المسند إليه". وهو، في القراءة المتبنّاة، مبنًى إشاريّ- تقديره: (هذا)- يحيل على حيّز مكانيّ يشغله الديوان، فتكون بنية العنوان بجزئيها الحاضر والغائب: "هذا (الديوان) بصمة روحي".

 

وتُحدث هذه الصياغة- بما فيها من انزياح- صدمةً لدى المتلقّي، في أوّل مواجهة له مع العنوان؛ إذ كيف يكون للروح- وهي قطب المعنى- بصمةٌ والحال أنّ البصمة عنصر ممتدُّ الجذور في عالَم الحسّ والمادّة؟

 

لفكّ شفرة التركيب يتعيّن علينا أن نقارب مكوّنات العنوان الثلاثة مقاربةً ذات خصب دلاليّ تتجاوز قيمتُه التأويليّةُ المعانيَ المعجمية السطحيّة إلى آفاق دلالية رحبة تتجاور فيها الدلالات الرمزية والإيحائية بأبعادها: الاجتماعيّة والجمالية والإنسانيّة:

- فالبصمة أثر ماديّ "مميِّز" لصاحبه، لا يشاركه فيه غيره، كبصمة اليد، وبصمة العين، فضلا عن البصمة الوراثية المعتادة[7]. لكن اللفظ، في العنوان، مستخدم بدلالة رمزية واستعاريّة- بدليل إضافته إلى الروح- وهي دلالة تُعلي من شأن الإبداع والتميز، وتدفعُ التقليدَ والمحاكاةَ، وتَنفي التطابق والتماهيَ بين الأفراد.

 

- الروح: مفهوم متشعّب الدلالة: لغويّا، ودينيّا، وفكريّا. وأبلغ ما ورد فيه قول الله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.[8] فهو: "نازِل مِن عالم الأمر[9]" تعجز العُقُول عن إدراك كنهه، لكنها[10] تمثّل الجزء المشرقَ و"المتميِّز" من الإنسان، الجزءَ المكوِّن لجوهره وحقيقته، مقارنةً بالجسد. وهي من "الخصوصيّة" بحيث يستحيل أن يتطابق اثنان في بصمتها. (ولنا عودة إليها في الفقرة 3 بشيء من التفصيل).

 

- وياء المتكلّم- في (روحي)- عنصر لغويّ، وظيفتُه التحديد والتعيين، فقد خصّص عموم "الروح"، اتّساقا مع دلالة البصمة، كما أنّه عَدّل مسارَ الاتّجاه الإحاليّ في العنوان، فانتقلت به بؤرة الدلالة من المكان إلى الإنسان، أي من الشعر (الديوان) إلى الشاعر؛ إيذانًا بالتماهي بين الشاعر وشعره، وإيحاءً بأنّ المعنون ليس مجرّد ديوان شعر؛ بل هو مهجة إنسان، وعصارة تجربة، و"طريقة خاصّة" في التعبير الشعريّ!

 

وهكذا يكون العنوان صيغَ صياغةً تخدم مبدأ "التميُّز/ التمايز"، موظِّفةً ثلاثة أبنية يدلّ كلٌّ منها، مُفْرَدًا، على التمايز، بوجهٍ ما، وتَدُلُّ، مجتمعةً، على تمايزٍ لا وجه للتطابق فيه.

 

إنّ التميُّز- الذي هو الوجه الإيجابيّ للتمايز[11]- ليس معناه بالضرورة- التفوّق على الأنداد والنظراء؛ بل هو، في المجال الإبداعيّ: انتهاج نهج خاصّ، في التفكير والتعبير، يكون به المرء "صاحب رؤية"، و"ذا أسلوب" في الإبانة عنها.

 

لكن لماذا هذا الإصرار  على التميز؟ وما الذي يخفيه؟

 

لعلّ الدافع وراء رفع الشاعر لواءَ التميّز- المعبّر عنه بالبصمة- هو استشعاره وجود أزمة في الإبداع الشعري، يعكسها التقليد والاجترار الذي يكاد يصل إلى حدّ التطابق بين بعض الشعراء. وهو أمر يرفضه الشاعر اعتمادا على حجّة قوامها:

 

اللهُ مُبْدِعُنَا أَرادَ "تَمايُزًا *** إِذْ خَصَّ كُلًّا صَنْعَةً وَمَزَايا[12]

فغياب التمايز ينعكس أثره السلبيّ على الشعر جمودًا (كما سيأتي بعد قليل)، وعلى الشاعر امّحاءً للأثر، وحرمانًا من الخلود، بعد حياة تظلُّ- مهما طالت- قصيرةً، وهو أمر يأباه وعْيُه بالزمن:

 

فَمَتَى أراني جُمْلَةً..

تُتْلى.. عَلَى سَمْعِ الزَّمَانِ..[13]؟!

 

الموت تحدٍّ وجوديّ للإنسان منذ خلق، ولا سبيل إلى مواجهته إلّا بالتميز؛ إذ المتميّز له أثر يبقيه حيّا في الوجدان وفي ذاكرة التاريخ بعد رحيله، فلا تنطفئ روحُه بفناء جسده. والمقلّد- على عكس ذلك- يطويه النسيان، ويمحوه الزمن بمجرّد نزول الموت بساحته.

 

2. 2. من الوعي إلى الممارسة:

واجه الشاعر أزمة الإبداع الشعريّ على مستويين:

 

أ. مستوى الوعي بالأزمة:

ويتجلّى في رصدها ورفضها:

- إمّا تلميحا:

 كما نجد في صياغة عنوان الديوان"بصمة روحي"؛ ذلك بأنّ إعلان التميّز الذاتي، الذي صيغ العنوان وفقا له، ما هو، في الحقيقة، إلّا نقد لراهن الشعر، وتبرّؤ من الانضمام إلى جوقة المقلّدين، ذوي الأشعار الباردة التي تجعل قائلها نكرة بدل تعريفه.

 

- وإمّا تصريحا، ويشمل التصريح:

- إقامة الشاعر مأتما على الشعر بعد أن فقد مفهومه ومعناه وحرارته، حيث نقرأ في قصيدة عنوانها: (قصائد الثلج):

 

- إعلانه الاستقلالَ الإبداعيّ. وقد تكون قصيدة "بصمة شاعر"- التي تجتمع مع عنوان الديوان في المعنى والمبنى[15]- أبرزَ مثال للرفض الصريح للتقليد. وفيها نقرأ:

قِطَعٌ مِنَ الثَّلْجِ القَصِائِد سُمِّيَتْ *** وَيْحَ القَصَائِدَ خَانَهَا التَّعْرِيفُ

قَدْ جَفَّ نَبْضُ الشِّعْرِ مِلْءَ عُرُوقِهَا *** فَدَمُ الحَيَاةِ مِنَ الحُرُوفِ نَزِيفُ[14]

أَنَا لَسْتُ أَقْبَلُ أَنْ أَكُونَ سِوايَا *** مَهْما "أَناهُ" عَلَتْ "أَنايَ" "أَنايَا"

نَبْضي وَأَنْفَاسِي وَخَطْوِي لِي أَنَا *** أَيَكُونُ إِيقَاعِي صَدًى لِسِوَايَا؟

أَنَا لَنْ أُسَاوِمَ فِي صَمِيمِ هُوِيَّتِي *** مَهْمَا تَناسَخَتِ الذَّواتُ مَرَايَا

أَنَا مَا اسْتَعَرْتُ اسْمًا قِنَاعًا، مَا اسْتَعَرْ *** تُ مِن اَيِّ نَجْمٍ فِي الوُجُودِ حُلَايَا[16]

 

إن الإيمان "بمبدإ التميز":

- عكسَتْه ألفاظٌ من قبيل (البصمة والهوية): "بصمة شاعر"،"صميم هويتي".

- وجلّته مقاومة الإغراء: "لن أساوم".

- وأبرزته كثافة النفي وتعدد صوره التي غطّتْ: الحاضر: "أنا ما استعرت ..."، والماضي: "أنا لست"، والمستقبل: "أنا لن ...". وتجاوزَ الأمرُ النفيَ إلى الإنكار: "أيكون إيقاعي صدى لسوايا؟".

- وتعزّز بالتأكيد اللفظي: "ما استعرت..."،"ما استعرت..." وبالحضور القويّ للذات التي تستنكف أن تكون مقلّدة؛ إذْ برزتْ في جميع ضمائرها: "أنا"، والتاء، والياء.

 

وقد اتّكأ الشاعر على ما يمكن تسميته "عفّة فنّيّة" و"قناعة شعريّة":

مَا لِي عَصَا مُوسَى أَهُشُّ بِهَا عَلَى *** سُحُبِ الرُّؤَى، لَكِنْ لَدَيَّ عَصَايَا[17]

 

وصاحب هذه القناعة وتلك العفّة لا تطّبيه الأسماءُ اللّامعة- أو الملمَّعة- في سماء الإبداع ولو فاقته إبداعا أو إعلاما: "... من أي نجم"، "مهما أناه علت أناي...".

 

بيد أنّ تلك القناعة الوادعة لا تلبث أن تنفجر، فتعلن عن نفسها بحرًا من الموهبة والطبع الذي يجعل الشعر طوع بنان صاحبها:

قَلَمِي الَّذِي إِنْ نَدتْ مِنْهُ نُقْطَةٌ ***  فَاضَتْ حُرُوفُ السِّحْرِ طَوْعَ مُنَايَا[18]

 

 

ويبرز هنا سؤال مهمّ: هل تمنع القناعة الشعريّة صاحبَها من عقد الصلة بكبار الشعراء نأيًا بالنفس عن التقليد؟ والجواب: لا؛ فقد ربط الشاعر صلة النسب الشعريّ بالقامة الذاهبة في سماء الإبداع علوًّا، بالمتنبّي: حيث يقول في قطعة عنوانها: (سلالة المتنبي):

أَنَا مِنْ سُلَالَةِ مَنْ تَنَبَّأَ شَاعِرًا *** المُرْتَقِينَ إِلَى المَقَامِ الأَشْرَفِ

الزَّارِعِينَ عَلَى المَدَى أَرْوَاحَهُمْ *** الرَّاحِلِينَ عَلَى بِسَاطِ الأَحْرُفِ[19]

 

لكنّ تلك الصلةَ لا تعني "تطابقَ" "الحفيد" مع "جدّه" المفترض، فلكُلٍّ وجهةٌ في الإبداع، هو مولِّيها.

لِلنَّاسِ شِعْرُهُم، وَلِي شِعْرِي، فَهَلْ *** عَنْ دِينِ ذَاتِي فِي القَوَافِي أَصْبَأُ[20]؟

 

وتبدو المفارقة جليّة في كون الشعر - ضمن نصّ بعنوان: (معلّقات الغيب) - يغريه "الفرع" أكثر من "الأصل" الذي "مَلَأَ الدُّنْيَا، وَشَغَلَ النَّاسَ"[21]!:

لِمَنِ القَصَائِدُ بِالبَهَا تَتَوَضَّأُ *** وَبِظِلِّ سِدْرَةِ مُنْتَهَاهُ تَفَيَّأُ

حَامَتْ شَيَاطِينُ القَصَائِدِ حَوْلَهَا *** لَمْ يُغْوِهَا "الضَّلِيلُ" وَ"المُتَنَبِّئُ"!

تِلْكَ القَصَائِدُ لِي أَنَا، وَأَنَا لَهَا *** أَزَلًا تَهَيَّأُ لِي، لَهَا أَتَهَيَّأُ[22]

 

ب. مستوى الممارسة والتطبيق:

في هذا المستوى:

- نُلفي الشاعر مسكونا بما يطلق عليه "الشعر الحار[23]"، ويقدّمه بديلا عن الشعر البارد الذي هو وليد الاجترار، فينتقل بالمشكلة من رفضها بالإشارة والبوح إلى الإسهام في حلّها بتقديم نموذج شعريّ غير تقليديّ، وذلك حين عَنْون أولى قصائد الديوان بــ"فاتحة الشعر الحار[24]" في تناصّ حذق مع أمّ الكتاب (سورة الفاتحة) التي هي فاتحة القرآن الكريم، مضمّنا تلك القصيدة رؤيته النقدية بوصفه مبدعا دُفِعَ إلى مضايق الشعر، على فترة من ركوده. وفيها نقرأ:

إِنْ يُشْرِقِ اللَّهَبُ المقدَّسُ فِي دَمِي *** وَيَهُزَّ جِذْعَ الرُّوحِ وَجْدٌ يَنْهَمِي

 

تَسَّاقَطِ الثَّمَراتُ، والجَمَراتُ، والكَــ *** ـلِمَاتُ، والنَّغَمَاتُ،  مَالِئَةً فَمِي

شِعْرًا يُسَجِّلُ نَبْضَ قَلْبِي نَبْضُه *** وَيَرُجُّ مِقْيَاسَ الحَرَارَةِ في دَمِي[25]

 

لعل في عنونة هذه القصيدة بـ"فاتحة الشعر الحارّ" دلالتين اثنتين:

- الأولى: إصدار حكم نقديّ ضمنيّ بتميّز تجربة الشاعر الشعريّة ضمن بيئة الجمود الشعري. وهو حكم صدر بطريقة فَنّيّة، يزكّي عنوان الديوان، ويلتحم به، مبتعدا عن الفجاجة في التصريح، ومراهنا على حسّ المتلقّي في التقاط الرسالة.

- الثانية: تعلُّق الشاعر بالتناصّ غير التقليدي مع الخطاب القرآنيّ، بوصف ذلك أحد معايير التميّز، وهو تناصّ يستنير بأسماء السور ويستلهم دلالاتها في العنونة الثاوية خلفها. ومن نماذج ذلك عنونته إحدى القصائد المتميّزة بـ("الأحقاف" شعرا)([26]). وفي ختامها نقرأ:

اقْرَأ هُنا "سُورَةَ الأحْقاِف" ثَانِيَةً *** صَارَتْ- بِإِكْسِيرِ شِعْرِي- "سُورَةَ الشُّعَرَا"([27])

 

وربّما يكون نصّ "التحدّي[28]"، بالدلالة الإيحائيّة لعنوانه، نموذجا للتميّز الشعريّ مضمونا وأسلوبا. وفيه نقرأ:

قَمَرَ السَّمَا، أوْغِلْ شُـرُوداَ في السَّمَا *** فَلَتَسْحَـرَنَّكَ مـنْ فَمِي الكَلِمَاتُ

يا ذِي النُّجُومُ السَّابِحَاتُ بِفُلْكِهَا *** لَسَـتَطَّبِيكِ بخَـاطِري سَبَحَاتُ

يا أيُّهَا الزَّمَنُ الْمُطَوِّحُ بالْمُنَى *** لَسَتُنْـزَعَـنَّ مِنَ الْمَمَاتِ حَيَاةُ

أقْصَى مَرامَاتِي سَأقْبِضُهَا يـَدًا *** مَهْمَا تَعَـثَّر دُونَـهَا الخَطَوَاتُ

 

فأنت ترى كيف تجاوز الشاعر- في مواجهته للتحديات- محاورة بني جلدته-  موغلا في البعد، و"خالقا" جمهورا "متعاليا" أغلب أفراده يعنو لها الإنسان لدلالتها الرمزية:

-  إمّا على الحزن والانكسار كالنجوم؛ إذ هي في التراث الشعريّ العربيّ - في مثل هذه السياقات- دليل أرق وهمّ لا نهاية له كما نجد في قول امرئ القيس:

فَيَالَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ *** بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ([29])

 

- وإما على القهر والإخضاع كالزمن بما هو مرماة للدواهي والمصائب، وبما هو العامل الذي يتحدّى الإنسان وجوديا، ويعمل على تغييبه ومحوه من خريطة الكون بفعل الموت. وقد  أخضع الشاعر هذا الجمهور العاتي بسلاح الفن موظِّفا أسلوبا قائما على التناظر والتقابل بثَّتْ فيه أدواتُ النداء الدالةُ على البعد، وضمائرُ الخطاب، وفعلُ الأمر الحركةَ والحيويّةَ، وعزّزَتْ فاعليتَه الدلاليّةَ التوكيداتُ المتواترة، وغاب فيه ردّ المخاطَب/ المحاوَر في إشارة إلى انهزامه وخضوعه لشروط الشاعر.

 

إنّ  هذا الجمهور يمثّل- إذا اقترضنا المصطلح السيميائيّ- العاملَ العائقَ في وجه العامل الفاعل الذي تمثّله ذات الشاعر الساعية إلى تحقيق طموحاتها، أهدافا عظيمة تضمن خلود صاحبها بعد موته، وتصرّ على بلوغها مهما كلّف ذلك من تضحيات.

 ويمثّل العاملَ المساعدَ الشعرُ بما هو سلطة فنيّة ناعمة تقهر جبروت الزمن، وتمارس سحرها، فتشلّ به أيّ حركة محتملة لعوامل الإعاقة. وتعزّز الشعرَ الإرادة الصُّلبة لذات الشاعر ثقة مطلقة بالنفس، وقدرة على التحمل لا حدود لها.

 

3. "الروح": جوهر الإنسان وكنه الحياة:

3. 1. الأبعاد الدلالية للروح:

الروح البشريّة: "جوهر" "لطيف"، "نقيّ"، "خالد"، ينتمي إلى عالَم السماء، وهي في صراع دائم مع جسدها حيث تحاول التساميَ حنينا إلى موطنها العلويّ، وينزع الجسد بحكم طينيته- إلى الإخلاد إلى الأرض. لكن ما السر في إدراجها في العنوان واسطةَ عِقْد بين الصدر (بصمة) والعجز (ياء المتكلّم)؟ أليس في عبارة مثل "بصمتي"- مثلا- ما يغني عن الروح؟

 

هناك حقيقتان:

الأولى: أن البصمة- وهي الدالّ اللفظي الحامل لمعنى التميز- إنما تجد حقيقتها في ارتباطها بالروح بوصف الأولى مضافا والثانية مضافا إليها. وبذاك تكون الروح هي مركز الثقل الدلاليّ في العبارة.

 

الحقيقة الثانية: أن "الروح" في العنوان- والعنوان تكثيف دلالي للمتن كما سبق- ليست مستخدمة بمعناها في اللغة المعياريّة، وإنّما بمعنى رمزيّ وجماليّ مستوحى من حقيقتها وظلالها- قوامه: الطاقة الجبّارة والتسامي على الدنايا، والنفاذ إلى جوهر الشيء، والتعلق بالمعنى- إلى حدّ المطاردة[30]- باعتباره اللبّ والمقصد، وتمثّل القيم والمبادئ، والنزوع نحو الخلود بما يتطلبه ذلك من وعي بالزمن،[31]وضرورة لاستثماره، ومن ركون إلى الحرف[32] والورقة، والفناء في محراب الحقائق الوجودية الكبرى كالحب والجمال والسلام والخير والحقّ والإيمان.

 

وتمثّل هذه المعاني الرمزيّة- الحاضرة بقوّة في الديوان- "إِنِّيَّةً" أو "هُوِّيَّةً" أو "بصمة" لا تجد عَلامةً لغويّة تعبّر عنها أكثر من "الروح". فكأنّ "الروح"، في العنوان، ناطقة بخصوصية المنظار المستخدم في النظر إلى الذات والأشياء والوجود: إدراكًا ووصفًا وحُكْمًا، وهو منظار "لطيف" شفيف، متسام يبحث في الحقائق والجواهر والمعاني.[33]

 

وسنضرب بعض الأمثلة لهذا الأمر في النقطة (3. 3.) بعد أن نعطيَ صورة عن مدى حضور مفهوم الروح في الديوان.

 

3. 2.  الروح كيان مبثوث في جسد الديوان:

تكاد الروح تكون الخيط الناظم جميعَ قصائد الديوان- اتّساقا مع عنوانه- فلا يكاد يخلو منها نصّ، بوجه ما. فهي- إلى جانب كونها عنوان إحدى قصائد الديوان[34]- تحضر في النصوص: غزلا[35] ورثاء[36] ومديحا[37]، ... مُشَكِّلةً معينا دلاليا وقيميّا لا ينضب، وسَنَدا "خفيّا" يستمدّ منه الشاعر الإلهام والقوّة، ولا سيّما في لحظات الضعف والانكسار الإنسانيّ:

وَحِيدًا وَلَكِنْ مِلْءَ  رُوحِي عَوَالِمٌ *** فَلَوْلَا جُنُودُ الرُّوِحِ قُلْتُ أَنَا وَحْدِي[38]

 

ولهذا نجد الشاعر:

- ينتصر دائما لها ضد نقيضها: الذي اختار أن يورد له ألفاظا وأسماء كثيرة- في إشارة إلى "التلوّن" وعدم المصداقيّة-: الجسد/ البدن/ الطين/ التراب/ المادّة/ الشبح/ الدنس/ الزبد/ الظلام/ الوحل/ الخزف/ البهرجة...إلخ. ففي قصيدة بعنوان "أنا وطني المنشود" يصدع بالتجاذب الأزلي بين ما هو طيني في شخصيته وما هو روحي معليا من شأن الثاني مقارنة بالأول:

أَنَا التّجَاذُبُ بَيْنَ الطِّينِ يُخْلِدُ بِي *** لِلْأَرْضِ وَالرُّوح بِي تَسْمُو لِعَلْيَائِي[39]

 

- يوظّفها عنصرا طهر خالدا، يقاوم الهدم والغرق والفناء خلافا للطين مهما بدا- أمام الناظر- شامخا: صروحا وأهرامات[40].

- يصب جام غضبه على الحضارة الحديثة بوصفها حضارة مادية ضمرت فيها الروح، واستبيح حرم المعنى، وزيف الحب، فغدا ما يبدو تقاربا هو أقصى درجات التباعد! يقول في قصيدة بعنوان: "الحب وثورة الأزرار":

لَكِنَّمَا عَالَمُ الأَرْوَاحِ مَا طُوِيَتْ *** فِيهِ المَسافاتُ، دَانِينَا كَقَاصِينَا

آهٍ مِنَ الطِّينِ غَالَ الرُّوحَ فِي جَسَدٍ *** يَا نَفْخَةَ الرُّوحِ هُبِّي نَوِّرِي الطِّينَا

قُمْ يَا ابْنَ زَيْدُونَ  وَانْظُرْ مَا بِنَا فَعَلَتْ *** حَضَارَةُ الزّرّ عَاثَت فِي مَعانِينَا[41]

 

- حين أراد العروج إلى مقام مديح سيد الأوّلين والآخرين، لم يجد أنسبَ من الروح دلالةً على السموّ والرفعة فصاغ العنوان هكذا: (أنشودة الروح).

- يسخر ممّن يزعم أنه شعب الله المختار، معلنا أنّ الروح متعالية على السجن والترويض:

شَيِّدْ جِدَارَكَ، خَرِّبْ كُلَّ مَأثرَةٍ *** اطمِسْ هُنَـالِكَ أوْصَافِي وأسْمَائِي

سَتَخْفِقُ الرُّوحُ.. خَلفَ السُّور حَائمَةً *** هَلْ يَسْجنُ السُّورُ أرْواحَ الأحِبَّاء[42]؟!

 

3. 3. التعلق بالقيم والمبادئ صدى للروح:

 

سنكتفي بضرب مثالين تجنُّبا للإطالة.

3. 3. 1 الشعر سلاحًا في وجه الظلم:

لعلّ تمثُّل الشاعر للمبادئ وتعلُّقه بالمثل العليا، هو ضرب من التسامي في السلوك الذي يتّسق مع طبيعة الروح[43]، ومن هنا جاء موقفه من الظّلْم والظَّلَمَة:

خُذْ أيُّها الإنْسَانُ شِعْري إنَّنِي *** في وجْهِ كلِّ الظُّلْمِ قدْ أدْمَنْتُ: "لا"

أَنا صَوْتُ مَنْ لَا صَوْتَ يَصْدَعُ بِاسْمِهِ *** آلَيْتُ لِلْمَلْهوفِ أَنْ لَا أَخْذُلَا

 

 

فالشاعر لم يكتف بالموضوعية والإنصاف في سلوكه الذاتيّ؛ بل تجاوز ذلك متمثّلا العدالةَ- وهي أمّ القيم الإنسانيّة- إلى نصرة المظلوم، جاعلا من شعره كعبةً لكل مضطهد، عارضا النجدة قبل الاستنجاد به. وجاء التعبير بـ"الإنسان" ليشمل الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن عرقه، ولونه، ودينه، وسُوِّرَ الظلمُ بـ"كُلّ" دلالةً على مقاومة جميع أشكال الظلم، وعبر بالفعل "أدمنت" إشعارًا بالديمومة والثبات على الموقف، وتَقوَّى المضمون ببنية القسم الدالة على العزم والإصرار، مفتوحة على المستقبل بـ"أَنْ".

 

غير أنّ تمثّل العدل في الذات ومناهضة ظلم الغير، له ثمنُه: فَوْتًا للمغانم، والمناصب، والمكاسب... ولكن تلك معايير الناس الماديّة. وللروح معاييرها، فهي حين تسكب نقاءها شعرا وجمالا في الجسد الذي تسكنه تكسبه قيما ومقاييس جديدة يتبوّأ فيها الشعر الصدارة، على غيره، في السلَّم الاجتماعيّ البديل، فتكون سلطة الشعر أقوى من سلطة الحكم، وثروتُه المعنويّةُ أغلى من المال:

وأنَّنا، أمَرَاءَ الشِّعْرِ، سُلْطَتُنَا *** علَى السَّلاطِينِ، فوْقَ الأرْضِ، تَنْطَبِقُ

وأنَّ ثَرْوَتَنا شِعْرٌ، وَثوْرَتَنَا *** شِعْرٌ، ولسْنَا بذلِّ الشِّعْر نرْتَزِقُ[44]

 

ويأتي الشطر الأخير ليقطع الطريق أمام أي إغراء محتمل[45]

3. 3. 2 عناوين الحياة (الجمال والحبّ والشعر):

الجمال والحبّ قيمتان كونيّتان خالدتان متلازمتان، فالجمال مدعاة للحبّ، وحيث يكون الحب يكون الجمال، وبالشعر "الجميل" يُعَبَّر عن الجمال والحبّ، فيكتسب منهما الجمالَ ويستدعي الحبَّ؛ بل الشعر نفسُه جمال روحيٌّ يسكن الوجدان وإبداع يولِّد الحبَّ؛ فتغدو الثلاثة عناوين الحياة:

الحُسْنُ وَالْحُبُّ والشِّعْرُ الجَمِيلُ عَنَا *** وِينُ الحَيَاةِ فَلَا تَمْحُو العَنَاوِينَا[46]

 

 

ولأن بعض الناس- ممّن تبلّد حسّه، وغلظ طبعه، ونبا ذوقه- قد يجادل في جمال الشعر، سلكه الشاعر في عداد الأموات:

وَمَنْ تُقاوِمْ جَمَالَ الشِّعْرِ طِينِتُهُ *** فَلْتَهْجُرِ الرِّيحُ حَيًّا مَا بِهِ رَمَقُ[47]

 

وقد رسم الشاعر لنفسه لوحة أودعها أبرز ملامح شخصيته الداخلية التي منها عقيدة الحب والفناء في الجمال وتقديس الإبداع:

أَعْتَقِدُ المَحَبَّةَ شِرْعَةً

أَحْيَا، وَأَفْنَى، فِي الجَمَالِ

أُقَدِّسُ الإِبْدَاعَ

أَعْبُدُ، وَحْدَهُ، الخَلَّاقَا

هذا أنا[48]

 

إنّ صلة الشاعر بـ"عناوين الحياة وبالمثل والقِيَم العليا" تجاوزت، وفقا لنصوص الديوان، الإيمانَ بالقضايا والثبات على المواقف والمبادئ- وهي أمور تنتهي، نظريّا، بموت صاحبها- إلى ما يشبه الانصهار مع روح الشاعر في رحلة خلود سرمديّ لا تعرف النهايةُ إليها سبيلا. وهكذا نقرأ في نص عنوانه: "القبر السماوي":

إذا متُّ فادْفِنِّي بأجْمَلِ غيْمَةٍ *** ورُصَّ عَلَى قبْري السَّمَاويِّ أنْجُمَا

وضَعْ عنْد رَأسِي الحَاءَ شاهِدةً وضعْ *** لدَى قدَمَيَّ البَاءَ إنِّي هُمُا هُما

وخَلِّ تُرَابِي للتُّرَابِ فَطالَمَا *** سَمَتْ تَبْتَغِي رُوحِي إلَى الأوْجِ سُلَّمَا

أنَاجِي هُنَا أرْوَاحَ مَنْ عَشِقُوا العُلَا *** ولسْتُ أرَي إلا نَبِيًّا ومُلْهَمَا

ولِي المَلأ الأعْلَى يُقيمُونَ مَحْفلاً *** إذا مَا ورَائِي ضَجَّتِ الأرْضُ مَأْتَمَا

فَمَهْمَا تَرَيْ يا غيْمَتِي الجَدْبَ أمْطِري *** عُصَارَة رُوحِي تُمْرِع الأرْضُ أنْعُمَا[49]

 

تسترعي المتلقي صياغة العنوان، فالقبر من أخصّ الخصائص المرتبطة بالأرض، ومحلّ لمواراة الجثمان، ترابا وحجارة، فانتقل به الشاعر- حين استعاره مدفنا رمزيا لروحه- من معهوده الأرضي إلى مرتقى غير معهود، تتناغم فيه العناصر السامية خلقة: السماء والغيمات والأنجم، بدلالاتها الرمزية: الجنّة، والرحمة، والنور، وتتحاور فيه الأرواح: شعراء وأنبياء وملهمين.

ومع أن النص رثاء للنفس- أو تبرّم من الحياة- فقد برز فيه التعلق بالجمال، بعد الموت: "إذا متّ فادفنِّي بأجمل غيمة"، والتماهي المؤكَّد مع الحب "إني هما هما"، وطبعتْه جدليّة الجسد والروح بسموِّها وإخلاده، فقام على التقابل المجلِّي للمفارقة التي بلغت مداها في الأثر المترتّب على موت الشاعر حين ضجّت الأرض مُقيمةً مَأتمًا، وانشرحت السماء معلنةً حفْلًا، ووُظِّفتْ فيه الروح رمزا للخصب والنماء.

 

4. خاتمة:

يختزل العنوان (بصمة روحي) في دالّيه المركزيّين "البصمة" و"الروح" مكامن الإبداع والتميّز في الديوان، منبئا عن ملمحين تقاطعا في الديوان، وتقاسما نصوصه مسارا وغاية: الملمح الأول: تحدّي أزمة الإبداع الشعريّ. والملمح الثاني: مواجهة الضمور الإنسانيّ (أزمة القيم والأخلاق). الأوّل دلّت عليه "البصمة"، والثاني وشتْ به "الروح".

 

ترتب على الأوّل: ترسيخ مبدأٍ نقديّ رائزُه أنّ الشعر لا يكون شعرا إلّا إذا التهبَ حرارة. ولن يكون كذلك ما لم يضرب صاحبُه صفحا عن التقليد، ويرسم لنفسه منهجا يشكّل أسلوبا يدلّ عليه في حياته، وأثرا يخلّده بعد مماته.

 

ونجم عن الثاني: موقف تصادميّ مع واقع الحياة الاجتماعية المعهودة بما فيها من زيف وبهرجة وظلم وكراهية وارتزاق بالشعر، توقا إلى حياة إنسانيّة أرقى تتجسّد فيها القيم والمثل العليا والحقائق الكبرى: حبّا وجمالا وسلاما.

 

وإذا كان الملمح الأول يمثل "شعريّة" متميّزة أبانت عن نفسها صياغةً وبناءً، فإنّ الثاني يمكن عدّه- "شاعرية" متميزة ترجمَها المحتوى الشعريّ مبادئ ومواقف إنسانيّة اتّساقا مع كون الشاعر الحقّ رمزا للإنسان في بعده الروحيّ الراقي، بحكم حسّه المرهف، وإدراكه لبواطن الأمور، وخفاياها وحقائقها.

 

وتأسيسا على ما سبق يكون عنوان الديوان قد أدى وظائفه كافّة، وحافظ على الميثاق الضمنيّ بين المرسِل والمتلقّي، في العنونة، صدْقا في الإحالة، واكتنازًا في الدلالة.

 

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم، رواية حفص عن عاصم

  1. ادي ولد آدب، بصمة روحي، مؤسّسة آفاق، مرّاكش، 2018م.
  2. امرؤ القيس بن حجر الكنديّ، ديوان امرئ القيس، أبو الفضل إبراهيم (محمد)، المعارف، القاهرة، 1990م
  3. جكيب، محمد التونسي، إشكاليّة مقاربة النص الموازي وتعدد قراءته- عتبة العنوان نموذجا: مجلة جامعة الأقصى (506 – 593) عدد خاص بأعمال المؤتمر العلميّ الدوليّ الأوّل بعنوان: النصّ بيين التحلييل والتأويل والتلقّي.
  4. الدده، عبّاس رشيد وهاب، قراءة العنوان الروائي محاولة في التصنيف والتنظير والتطبيق، دار الفراهيدي للنشر، بغداد، 2013م.
  5.   ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، ط 5، 1401 هـ - 1981م.
  6. عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عرّب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ - 2000م
  7. الهنداوي، فوزي هادي، وأيّوب، كنفال: سيمياء العنوان في النصوص الإبداعية، مجلّة كلية اللغات، ع 33، بغداد، جامعة بغداد، 2016م
  8. وصفي، عبد الهادي عائدة، مقدّمة في علم الوراثة، دار الشّروق، عمّان، 1998م
  9. Gerard Genette. Seuils, Seuil, Paris, 1987

 

[1] صدرت بأخَرةٍ دراساتٌ وأبحاث نقدية عربيّة متعدّدة جعلت العنوان وجهتها. راجع للاطلاع على بعض عناوين تلك الدراسات: الهنداوي، فوزي هادي، وأيّوب، كنفال: سيمياء العنوان في النصوص الإبداعية، مجلّة كلية اللغات، ع 33، بغداد، جامعة بغداد، 2016م.

 

[2] حدّد جراد جنيت أربع وظائف للعنوان: وظيفة التحديد، والوظيفة الوصفية، والوظيفة الإيحائية، والوظيفة الإثارية – الإغرائية. انظر:

 Gerard Genette. Seuils, Seuil, Paris, 1987, p.65.

[3] عبّر عن هذا قديما السيوطيّ بقوله: "عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوّله"، وحديثا محمد التونسيّ جكيب حين قرّر أنّ العنوان "بؤرة تختزل النصّ بكامله". انظر: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1394هـ/ 1974 م، ج 3، ص 365، وانظر أيضا: إشكاليّة مقاربة النص الموازي وتعدد قراءته- عتبة العنوان نموذجا: جكيب، محمد التونسي، مجلة جامعة الأقصى (506 – 593) عدد خاص بأعمال المؤتمر العلميّ الدوليّ الأوّل بعنوان: النصّ بين التحليل والتأويل والتلقّي، ص 538.

[4] الدده، عبّاس رشيد وهاب، قراءة العنوان الروائي محاولة في التصنيف والتنظير والتطبيق، دار الفراهيدي للنشر، بغداد، 2013م، ص 21.

[5] انظر جكيب، محمد التونسي، مرجع سابق، 506.

[6] ولهذا عَدَّ النُّقّادُ العنوانَ مفتاحا دلاليّا، وإجرائيّا لتحليل النصوص وفهمها.

[7] انظر- بشأن مفهوم البصمة الوراثية-عبد الهادي عائدة وصفي، مقدّمة في علم الوراثة، دار الشّروق، عمّان، 1998، ص29.

[8]  سورة الإسراء: 85.

([9]) عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عرّب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ - 2000م ج 2، ص 105.

([10]) الروح تذكّر، وتؤنّث.

([11]) الفرق بين التمايز والتميّز- في العرف المعاصر أنّ الأول محايد دلاليّا بينما الثاني يحمل قيمة دلاليّة  إيجابيّة.

([12] ) الديوان، ص 17.

[13] نفسه، ص 168.

[14] نفسه، ص37. والمفارقة أنّ أصحاب هذا الشعر البارد يتباهون به منزّلين إيّاه منزلة الإبداع الحقّ:

والصانعو بدع البرودة هذه    يتطاوسون فـ "رائد" و"عريف"!

[15] الديوان، ص 17.

[16] نفسه.

[17] نفسه.

[18] نفسه.

[19] نفسه.

[20] نفسه، ص 19.

[21] ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، ط 5، 1401 هـ - 1981م، ج 1، ص 100.

[22]  الديوان، ص 19

[23] حرارة الشعر: السمة الإبداعية التي تجعله حيّا نابضا بالحياة، عاكسا روح المبدِع، موثِّرا في المتلقّي. ومن جميل ما جاء فيها قول الشاعر الشنقيطيّ: امحمد بن أحمد يُورَ:

أَشْعارُنا، أَهْلَ هـذا الدهرِ، بَارِدَةٌ *** لمْ تُشْوَ شيًّا ولَمْ تُطْبَخْ بـأبزار

لَوْ أَنّهُمْ أَحْضَرونِي شَأْنَها، مُلِحَتْ *** مِن بَعدِما مَكثَتْ شَيْئًا على النار

[24]  الديوان، ص 5.

[25]  نفسه.

[26] نفسه، ص 83.

[27] نفسه، ص 84.

[28]  نفسه، ص 97.

[29] امرؤ القيس بن حجر الكنديّ، ديوان امرئ القيس، أبو الفضل إبراهيم (محمد)، المعارف، القاهرة، 1990م، ص 19.

[30] انظر الديوان، ص 8.

[31] انظر الديوان، ص 167 – 169.

[32] كفى دلالة على هذا عنونة الشاعر أحد نصوص الديوان (ص 165) بـ(أنا حزمة أحرف).

[33] يقول الشاعر:

فَجَوْهِرْ، إلَهي، بالتَّجَلِّي، بَصِيرَتِي      فَمِنْظارُ رُوحِي، فِي الغُيُوبِ، حَسِيرُ

[34] انظر الديوان، ص 55 (أنشودة الروح).

[35] نفسه، ص ص 75 – 76.

[36] نفسه، ص 44.

[37] نفسه، ص 150.

[38] نفسه، ص 27.

[39] نفسه، ص 93.

[40] نفسه، ص 84.

 

[41] نفسه، ص 53

[42] نفسه، ص 113.

[43] فهو يتحرّق على هشاشة المبادئ وضعف بنيتها في الحياة الاجتماعية:

هناك المبادي صرح رمْل يذيبه     على شاطئ الأخلاق حتى الخرير!

[44]الديوان، ص 25

[45] بل إن الشاعر تأكيدا لهذا المسار أبرم عهدا ملزما مع ملهمات الشعر حيث ارتهن فيه وجوده لقداسة الشعر. يقول في نص عنوانه: (نزيف مشاعري) ص21 من الديوان:

ربّات عبقر قاسمتني  موثقا:    إذا ذلّ شعري ضيّعن عنواني

أقسمتُ بالحرف الجميل وسرّه   ما لي بهجر الملهمات يدان

[46] الديوان، ص 54

[47] نفسه، ص25.

[48] نفسه، ص 11.

[49] الديوان، ص 171.