على مدار الساعة

في وداع أخ لم تلده أمي

28 ديسمبر, 2022 - 15:59
الإعلامي الراحل محمد المختار آبكه رحمه الله تعالى

أخوك الذي إن تدعه لملمة يجبك

وإن تغضب إلى السيف يغضب

 

كان ذلك دأب أخي وزميلي محمد المختار آبكة رحمات الله تترى على روحه الطاهرة الطبية، منذ تعارفنا قبل أزيد من ثلاثين عاما..

 

ومع أننا ولدنا بذات المدينة: مقطع لحجار حرسها الله وحفظ أهلها الأكرمين، فإننا لم نتعرف على بعضنا – حقيقة - إلا في العاصمة نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ونحن حينها في الإعدادية..

 

مع الوقت تعززت وتعمَقت علاقات الأخوة والصداقة والمحبة، فاشتركنا حقل التعليم، ثم حقل الإعلام فيما بعد..

 

اشتركنا معا في أعمال عديدة، وحضرنا وغطينا أحداث مفصلية في تاريخ البلد، وتقاسمنا الأفراح والأتراح.

 

وبالرغم أن حقل الإعلام قد نمت على أطرافه أعشاب ضارة، ما لبث بعضها أن "تعملق" و"تفرعن" نتيجة ممارساته لعمليات الجمع والالتقاط - على حد تعبير أحد ظرفاء الإعلاميين - فقد ظل مختارنا (على نحو ما ألفت أن أناديَه) بمنأى عن مثل تلك الممارسات، رغم ظروف صعبة وقاسية طالته وناءت بكلكلها عليه.

 

لم تغير المناصب من طبيعة المختار، ولا هي أثرت على نقاء معدنه الطيب، ولا على تحفزه الفطري لخدمة الناس والسعي في مصالح العباد..

 

يوم عين مستشارا لوزير التهذيب، اختار لشاشة جهازه الخاص هذا الشعار:

إن المناصب لا تدوم لواحد

إن كنت تنكر ذا فأين الأول؟

فاغرس من الفعل الجميل فضائلا

فإذا عزلت فإنها لا تعزل..

 

وقد كان طيلة مقامه في ذاك المنصب سريعا إلى الخيرات، ملبيا - ما وسعه الجهد - طلبات وحاجات إخوانه وأصدقائه ومعارفه.

 

ويوم عزل ظلما بسبب وشاية كاذبة خاطئة حقيرة.. كان مختارنا قد غرس من الفضائل ما جعله يأوي إلى ركن شديد..

 

كنت حين أنشغل بسبب عارض، أو سفر طارئ، ثم أحتاج إلى من يقوم لي بمهمة خاصة مقامي فيها، أتصل على مختارنا، فيلبي – رحمات ربي عليه - غير هياب ولا متردد..

 

أخ كان يكفيني وكان يعينني

على نائبات الدهر حين تنوب

...

وكنت إذا الشدائد أرهقتني

يقوم لها وأقعد لا أقوم.

 

لم أستطع حين بلغني خبر وفاته أن ألقى والدتي وإياه ميمونة - حفظها الله ورعاها- منفردا، فاستعنت بأخي الغالي إبراهيم باب أحمد، وحين أتيناها وجدناها نعم الأم المؤمنة الصابرة المحتسبة، لقد استقبلتنا بكلمات عجيبة مؤثرة: أنا لا أستطيع أن أخسر محمد المختار في الدنيا وأخسره في الآخرة، أشهدكم أني صابرة محتسبة.. وأني راضية عنه فقد كان بي بارا.

 

اليوم لا أجد ما يدل على حالي إلا قول الشاعر:

أخ طالما سرني ذكره

فأصبحت أشجى لدى ذكره

وقد كنت أغدو إلى قصره

فأصبحت أغذو إلى قبره

وكنت أراني غنيا به

عن الناس لو مد في عمره

إذا جئته طالبا حاجة

فأمري يجوز على أمره

 

أسأل الله تعالى أن يجازيه عني أحسن الجزاء..

 

وأسأله وهو القريب المجيب أن يتقبله في الصالحين وأن يرفع مقامه في المهديين وأن يرزقه مرافقة النبيين وجوار خير المرسلين.

 

إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.

 

إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الأستاذ / محمد سالم الخليفة