على مدار الساعة

مشروع إصلاح القضاء في المغرب: مشروعهم ومشروعنا

23 سبتمبر, 2023 - 11:42
القاضي محمد بوي ولد الناهي

في المغرب وعيا من الدولة بضرورة مراجعة منظومة القضاء وملاءمتها مع متغيرات المجتمع، صدرت مبادرة إصلاح العدالة من أعلى هرم في السلطة: ملك المغرب.

 

وجاءت هذه المبادرة ضمن الإصلاحات التي أقرتها الدولة المغربية 2011 مواكبة لموجة الربيع العربي (2010 – 2011) وما صاحبها من تحولات جذرية في بعض الأقطار العربية.

 

في موريتانيا، لم يكن إصلاح القضاء وليدا لتلك الظروف، كان إصلاح القضاء مجرد فكرة تولدت عند الوزير السابق وزير العدل الحالي محمد محمود / بيه في سياق "مسلسل أيام التشاور" التي عرفتها بعض القطاعات الحكومية، كالتعليم والزراعة..

 

في المغرب، تم تعيين وتنصيب لجنة وطنية من الخبراء والقضاة من طرف الملك مكلفة بإعداد مشروع مرجعي لإصلاح المنظومة القضائية، انطلاقا من محاور حددها الملك في خطاب رسمي موجه للأمة.

 

في حالتنا تم تعيين لجنة توجيه وتحضير من طرف وزير العدل ولد بيه، وفق معايير الزبونية والطائفية والجهة، وتم تحديد محاور التشاور بطريقة مرتجلة وغير مهنية، دون الاستناد إلى أي وثيقة مرجعية أو محددات معينة، سوى ورقة مختصرة عن واقع القطاع، مقدمة من طرف الوزير أمام مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي.

 

في المغرب، لم يحدد سقف زمني لعمل اللجنة الوطنية وتركت لها صلاحية اختيار طريقة عملها ومناقشة الإشكاليات بحرية، ومن ثم اقتراح الحلول المناسبة لها، انطلاقا من مشروع مجتمعي محدد المعالم.

 

في موريتانيا حددت منهجية للعمل ترتكز على فرضية واحدة: هي أن جميع اختلالات النظام القضائي ومساوئه مردها العنصر البشري المتمثل أساسا في القضاة، واستبعدت من النقاش الإشكالات الجوهرية، والمعوقات الأخرى المرتبطة بالمحيط العام الذي يعمل فيه القضاء وأعوانه من موظفين رسميين وغير رسميين.

 

كما تم إقصاء عضوية كل شخص يتوجس الوزير من أن له رأيا مخالفا لخطه العام، وحُدِّدَ جدول زمني ضيق للجنة التوجيه ولجان الوزارة المشرفة على المشروع، واختار الوزير سبعة أيام لتمرير تقارير وعروض كانت في مجملها نظرية ولا تتضمن أي معالجة حقيقية للإشكاليات القائمة.

 

في المغرب تجسيدًا للإرادة السياسية لإصلاح القضاء، حرص وزير العدل / المصطفى الرميدى في حكومة عبد الإله بنكيران ذات التوجه الإسلامي على عدم التدخل في أعمال اللجنة الوطنية أو إجراء أي تعيينات داخل السلك القضائي تمهيدا لرسم رؤية إصلاحية جديدة للقضاء.

 

أما في موريتانيا فرغم الإعلان عن تنظيم أيام تشاورية حول القضاء والشروع في التحضير لها في شهر نوفمبر 2022، فإن وزير العدل محمد محمود ولد بيه لم يغير منهجه في تسيير القضاة، وأجرى في شهر دجنبر 2022 تحويلات واسعة في القضاة وفق نفس المعايير: القبيلة والزبونية والوساطة.

 

في المغرب الشقيق أسفرت أعمال الهيئة الوطنية وزياراتها الميدانية عن إعداد وثيقة وطنية لإصلاح القضاء، تم عرضها أمام الجميع، وحظيت باهتمام واسع لدى الفاعلين والرأي العام وتم اعتمادها رسميا من طرف الملك والحكومة المغربية كإطار مرجعي لإعادة هيكلة القضاء وتصحيح مساره وضمان استقلاله.

 

في بلادنا اختتمت أعمال الأيام التشاورية حول إصلاح القضاء بعد أسبوع واحد دون حضور رسمي يذكر، وعين الوزير خبيرين من خارج اللجان لإعداد تقرير عن أعمال المنتديات.

 

وبعد انصرام ستة أشهر، تم الإعلان عن إيداع التقرير الإجمالي من طرف الخبيرين وسُلِّم إلى رئيس الجمهورية / محمد ولد الغزواني.

 

ولم يصدر عن الرئيس ولا عن الوزير الأول أمام البرلمان أي تعليق في هذا الشأن، بل إن الوزير الأول تجاهل المنتديات في استعراض حصيلة عمل الحكومة وسياستها العامة أمام البرلمان.

 

وقد أثار ت بعض أجزاء التقرير حفيظة القضاة الذين رأووا فيها التفافا على ما تم الاتفاق عليه داخل الورشات، وفي أجزاء أخرى استنساخا لتجارب خارجية غير قابلة للتطبيق.

 

ويتبين من خلال هذه المقارنة بمشروع الإصلاح القضائي في المغرب، أن العملية التي أطلقها وزير العدل محمد محمود ولد بيه كانت مجرد إخراج لمسار لا يُمَهِّدُ لإصلاح حقيقي وجاد لمنظومة العدالة في بلادنا، خلافا لما يروج له الوزير..